حق الطفل في الإسلام قبل وبعد ولادته

إعداد: أنوار هنية
الأسرة هي الرابطة المتينة بين الرجل و المرأة و الأولاد، وهي أساس بناء المجتمع، ولتكوين هذه الأسرة لابُد من زواج مبني على أسس و دعائم إيمانية؛ لإنشاء جيل واعٍ راشد مستخلف في الأرض، هذه الأسس حفظها الله تعالى للطفل قبل تخلقه في بطن أمه، و قبل أن ترى عينيه نور الدنيا، ليكون أساساً متيناً لبناءٍ متكاملٍ، تحدثنا مع د. وائل الزرد ليطلعنا على حقوق المولود قبل و بعد ولادته التي كفلتها له شريعتنا الإسلامية، ليعلمها الجاهل بها أو المستغفل لأمرها، ولتزيد العارف فهماً.
يعجب المرء عند سماعه حقوق المولود قبل ولادته، فهل للمولود حقوق قبل تخلقه؟
أفضل ما يمكن أن ينطلق منه هذا الموضوع قول الله عز وجل :“ألا يعلم من خلق و هو الطيف الخبير”، فالإسلام في إنشائه و تكوينه للأسرة لم ينظر إلي ما بعد الزواج، و إنما انتبه إلى ما قبل الزواج و فيما يتعلق بحقوق الجنين قبل وجوده، هناك بعض الإشارات النبوية و القرآنية أراد الله تعالى أن تكون قبل إتمام الزواج لإخراج جنين ينعم بنعمة الأمن و الأمان في ظل الشريعة الإسلامية المطهرة تتمثل في:
اختيار الزوج لصاحبة الدين، لقول النبي صلى الله عليه و سلم :” تنكح المرأة لأربع … ثم قال في النهاية، ولدينها فاظفر بذات الدين، تَرِبَت يداك”، و كذلك بالنسبة للمرأة ينبغي أن تختار صاحب الدين والخلق، لقول النبي صلى الله عليه و سلم:”إذا جاءكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرضِ و فسادٌ كبير”.
هذه الأمور تكون قبل الزواج و إذا وقع الزواج، فعلى الزوجين اجتناب كل ما فيه معصية و أن يبتدئا حياتهما الزوجية “باسم الله”، و على كتاب الله و سنة رسوله متجنبين في ذلك كل معصية من الممكن أن تؤثر في المولود.
ومن الحقوق التي تتعلق بحياة الجنين وسلامته، وجه الشارع الآباء إلى اتخاذ الوسائل التي تكون بها حماية الطفل وصيانته من نزعات الشيطان عند وصفه في الرحم وذلك بالدعاء عند الجماع رجاء الولد الصالح.
هذه الحقوق قبل تخلقه في بطن أمه، فماذا عن حقوقه و هو جنين؟
من حقوق المولود ألا يطعما الأبوين مولودهما و هو في بطن أمه إلا حلالاً؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم يقول:“الجسد الذي نبت من سُحتٍ فالنار أولى به”، لذلك فالأبوين مطالبين إطعام ولدهما الحلال الصرف؛ حتى ينبت نباتاً حسناً كما قال الله عن مريم عليها السلام:” و كفلها زكريا و أنبتها نباتاً حسناً”.
ومن حقوقه كذلك إباحة الإفطار للحامل في رمضان إن خافت على جنينها، كذلك الإسلام يدعو المرأة الحامل أن تأكل الطعام الطيب المفيد للجنين، و الأهم من ذلك تحريم الإجهاض؛ فلا يصح للمرأة أن تسقط جنينها، وإذا فعلت ذلك عمداً أثمت وكان عليها الكفَارة والغُرّة وهي عُشر دية الأم “.
ولا يجوز تناول الأدوية التي تشكل خطراً على الجنين أو التعرض المباشر للأشعة في فترة معينة من الحمل؛ مما يؤدي إلى إسقاطه أو تشوهه.
ما حقوق المولود بعد ولادته؟
استحباب البشارة بالمولود، فيستحب للمسلم أن يبادر إلى مسرة أخيه المسلم إذا ولد له مولود ، وذلك ببشارته وإدخال السرور عليه، وفي ذلك تقوية للأواصر ، وتمتين للروابط بين المسلمين.
و من حقوقه كذلك الأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في أذنه اليسرى، واستحباب التحنيك
فقد اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم –بتحنيك المولود، فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه- قال: ” وُلد لي غلام ، فأتيت به النبي – صلى الله عليه وسلم – فسماه إبراهيم ، فحنكه بتمرة ، ودعا له بالبركة ودفعه إليّ “.
و كذلك تسمية الطفل؛ فللاسم تأثير نفسي كبير على الإنسان، لذلك أوجب الإسلام عند اختيار اسم الطفل أن يكون هذا الاسم حسناً وذا معنى جيد.
ومما يذكر في هذا الموضوع أن رجلاً جاء، فشكى ولده لأمير المؤمنين رضي الله عنه، فأرسل أمير المؤمنين عمر إلى ولده فقال:” لماذا تعق والدك؟”، فقال:”أي أمير المؤمنين، إنه عقَّني قبل أن أعُقّه”، قال:”و كيف؟”، قال:” لي عليه ثلاثاً ما فعل واحدة، لي عليه أن يختار لي أماً كريمةً حرة، فاختار لي عبدة، ولي عليه أن يعلمني القرآن، فما علّمني حرفاً، و لي عليه أن يختار لي اسماً جميلاً، فما اختار لي إلاّ جُعلاناً”، فقال أمير المؤمنين للوالد:”لقد عقَقت ولدك قبل أن يعُقَّك ولدُك”.
أحكام واجبة
ومن الأحكام التي شرعها الإسلام للمولود استحباب حلق رأسه يوم سابعه والتصدق بوزنه على الفقراء والمستحقين، ومن آداب الإسلام إظهار السرور بالوليد ، عن طريق العقيقة التي تذبح تكريماً له ، وشكراً لله -عز وجل- على نعمة الذرية.
و كذلك الختان للولد، و الرضاعة لحولين للمولود، قال تعالى : {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف }.
وما أود قوله أنني قرأت عن كثيرين من الصالحات في دنيانا المعاصرة، و كذلك في دنيا سلفنا الصالح، أنهم كانوا يكثرون من قراءة القرآن و أيديهم على بطونهم، ويلاحظون هدوء المولود عندما يُولَد، و قد سمعت هذا من بعض النساء المتزوجات فعلوا ذلك و رؤوا له خيراً.
وكلمتي للوالدين، أن بناء عمارة ضخمة قد تكلف الإنسان سنة واحدة أو سنتين أو ثلاث، لكنّ بناء إنسان يستغرق عمر الإنسان كله، فتربية الأطفال تأخذ من الأبوين مساحة أربع وعشرون ساعة، كلما رأوا خطأً صوبوه لولدهم و كلما رأوا معروفاً ما، فَعَله ولدهم ذكّروه به”،”و ينشأُ ناشئ الفتيان منّا على ما كان عوّده أبوه”.