عين على القدسفلسطينيات

إسلامية بيت المقدس

دبقلم البروفيسور محمد حافظ الشريدة

أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية نابلس- فلسطين

قال تعالى: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” [1].

في هذه الآية الكريمة تتجلى مكانة بيت المقدس، قبلة المسلمين الأولى، ومهبط الوحي للعروج برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى ليرى هنالك من آيات الله الكبرى.

وعلى هذا فإن لبيت المقدس منزلة عليا في قلوب المسلمين في كل بقاع الدنيا، في هذا الزمان وفي كل زمان، هي منزلة كريمة مميزة ليست لغيرها من المدن إلا ما كان لمكة أو المدينة المنورة.

وفي معجزة الإسراء والمعراج أسرار كثيرة:

ففيها ربط قضية المسجد الأقصى وما حوله “فلسطين” بقضية العالم الإسلامي، إذ أصبحت مكة بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم مركز تجمع العالم الإسلامي ووحدة أهدافه، وإنّ الدفاع عن فلسطين دفاع عن الإسلام نفسه، يجب أن يقوم به كل مسلم في شتى أنحاء الأرض، والتفريط في الدفاع عنها وتحريرها، تفريط في جنب الإسلام، وجناية يعاقب الله عليها كل موثق بالله ورسوله.

القدسوالرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة واللطيف الخبير، تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدُن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، إلى محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعا، وكأنما أريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قبله.

وكما أن الإسراء إلى الأرض المباركة ربط آخر بين البقعتين المباركتين في الحجاز وفلسطين، مكة والقدس، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى. حيث تم الارتباط بين البقعتين مرتين:

المرّة الأولى: زمن سليمان عليه السلام عندما جمع مُلْك فلسطين ومُلْك اليمن والحجاز وعسير، وكان هذا الربط ثمرة من ثمار الحكم الإسلامي الرباني، الذي أقامه سليمان عليه السلام في كل من فلسطين واليمن.

المرّة الثانية: لما أسرى الله برسوله صلى الله عليه وسلم إلى الأرض المباركة؛ لأنّه خاتم المرسلين، ورسالته خاتمة الرسالات، وأمته خاتمة الأمم، أمّة الشهادة والخلافة على العالمين، حتى قيام الساعة، والأمة الوارثة للدين والإسلام، الذي جاء به الأنبياء السابقون، والأمة الوارثة للبركة والقداسة، وهي الأمّة الوارثة للأرض المباركة فلسطين، ورثتها من الأنبياء الكرام، إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وداود وسليمان عليهم السلام [2].

2- أرض البركة والقداسة:

المراة الفلسطينيةلقد بارك الله كل ما فيها: من ثمار وأشجار وأنهار وأمطار، وبارك حولها وفيها: بمن عاشها على أرضها من أنبياء وصالحين، ومما لا شكّ فيه: أنّ الأرض لا تقدّس أحدًا![3].

يقول الدكتور صلاح الخالدي: “إن فعل “باركنا” مسند إلى الله سبحانه، وبركات هذه الأرض بركة ربّانية وهي بركة ايجابية ظاهرة.

إنّ فعل “باركنا” غير مقيّد، ولا محدّد، وهذا يدل على أنّ البركة الربّانيّة لهذه الأرض المباركة مطلقة غير محدّدة ولا مقيّدة، وهي شاملة لكلّ أنواع البركة، ومن مظاهر هذه البركة الربانية:

البركة الإيمانية، البركة الأخلاقية، والبركة التاريخية، والبركة السياسية، والبركة الاقتصادية، والبركة الاجتماعية، والبركة الجهادية، والبركة الحضارية، والبركة المستقبلية… وغير ذلك.

التعبير عن البركة الربانية بالفعل الماضي “باركنا” يدل على ثبوت واستمرار البركة لهذه الأرض؛ ولأن الفعل الماضي يفيد الثبات والاستمرار، فالله سبحانه قد شاء استقرار البركة في هذه الأرض، وجعلها ثابتة فيها.

ولهذا ستبقى هذه البركة شاملة مستقرة فيها، على اختلاف فترات التاريخ، ولن ينجح الأعداء في انتزاعها وتفريغها مهما بذلوا من جهود في ذلك وستبقى لها هذه البركة حتى قيام الساعة”[4].

3- مضاعفة الصلاة فيه:

الصلاة أثناء الأذاناختلف العلماء في ثواب الصلاة في المسجد الأقصى، ورجّح شيخ الإسلام ابن تيمية أنّ الصلاة في الأقصى بخمسمائة صلاة، ورجحّ العلاّمة الألباني أنّها بمائتين وخمسين صلاة[5].

1- من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: “تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل أمسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى في أرض المحشر والمنشر، وليأتينّ على الناس زمان لقيد سوط أو قال قوس- الرجل حيث يرى منه بيت المقدس خير له- أو أحب– من الدنيا جميعًا“[6].

وكما هو ثابت في الصحيح من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام“[7].

بالجمع بين الحديثين، فإنّ الصلاة في بيت المقدس تعدل مائتين وخمسين صلاة فيما سواه من المساجد. وليس كما جاء في أحاديث أخرى أنّ الصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة، أو ألف صلاة فيما سواه من المساجد، فكل ما ثبت في هذا الأمر من الأحاديث هو ما أوردته من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه فقط أنّ الصلاة فيه تعدل مائتين وخمسين صلاة فقط، وعدا ذلك فلم يثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- شيء من الأحاديث فيه، وكل الأحاديث التي جاءت ضعيفة لا تقوم بها حجة[8].

والحمد لله رب العالمين
___________________________________
[1] سورة الإسراء: الآية 1.
[2] الجيتاوي، فضائل، رسالة ماجستير جامعة النجاح الوطنية،
[3] القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، ج5، ص139، ط1، 1408هـ، دار الكتب العلمية، لبنان. الحلو، خالد، أتى أمر الله فلا تستعجلوه، ص204، ط1، 2005م، دار الأسرة ودار عالم الثقافة، عمّان، الأردن. الجميل، محمود، فضائل المسجد الأقصى، ص18، ط1، 2001م، مكتبة الصفا، القاهرة، مصر. سالم عبد الله نجيب، المجد المنيف، ملتقى هل الحديث، موقع شكبة رنيم.
[4] الخالدي، صلاح، حقائق قرآنية، ص17.
[5] انظر: مقدمة تحقيق كتاب فضائل البيت المقدّس للواسطي، تحقيق: أ. حسون، دار ماغنس، الجامعة العبرية، 1979م، القدس، ومقدمة تحقيق كتاب تحفة الراكع والساجدللجراعي، تحقيق، طه الولي، ط1، 1401هـ، المكتب الإسلامي.
[6] أخرجه الحاكم في المستدرك ( 4/509). وقال: صحيح الإسناد والمقدسي في فضائل بيت المقدس، برقم (18). والطحاوي في مشكل الآثار (1/248). وابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي في تاريخ مدينة دمشق، مؤسسة الرسالة، ط1، 1414هـ، في ترجمة أحمد بن محمد بن عاصم الرازي (7/328). المنذري، زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي في الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، ضبط أحاديثه وعلق عليه: مصطفى محمّد عمارة، ج2، ص217، ط2، دار الفكر، بيروت، 1408هـ. وقال: رواه البيهقي بإسناد لا بأس به وصحّحه الألباني محمّد ناصر الدين في تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، ط4، المكتب الإسلامي، بيروت.
[7] أخرجه، البخاري، الصحيح، برقم: (1190). مسلم، الصحيح، برقم: (1394). مالك بن أنس، الموطأ، صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلّق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، برقم: (1/196).
[8] انظر: الجميل، محمود، فضائل المسجد الأقصى، مرجع سابق، ص54. العارف، هشام بن فهمي، إسعاد الإخصّا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى، ج2، مرجع سابق، ص41. العلي، إبراهيم محمد، الأرض المقدسة بين الماضي والحاضر والمستقبل، (دراسة حديثية تحليلية)، ص 62، ط2، منشورات فلسطين المسلمة، 1998م، لندن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى