الدين والحياة

علاقات فاسدة تؤسس باسم الدين

الرد على الفتوى الصادرة من مجلس الافتاء الأعلى  في الضفة الغربية بخصوص التعارف بين الشباب والفتيات

الشيخ / صادق قنديل عضو لجنة الافتاء  بالجامعة الاسلامية ، غزة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أقول وبالله التوفيق، بعد قراءة الفتوى الصادرة من مجلس الافتاء الأعلى  في الضفة الغربية من ربوع فلسطين الحبيبة ، أرى أنه من واجبي أن أضع بين يدي أصحاب الفضيلة مجموعة من الاشارات المهمة، والتي بالنظر للموضوع من خلالها يمكن الخروج بفتوى تحمي جيلنا من علاقات  فاسدة  تأسس باسم الدين، ويصبح عندهم جرأة  فيها بزعم تعبد الله لأنهم يعتقدون أنهم بهذا يدينون الله تعالى بهذه الفتوى،  وأنهم لا يفعلون ما به من الحرام البتة، وأصل كلامي ما تقوله: “صَفِيَّةَ بِنْت حُيَيٍّ رضي الله عنها  : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفًا . فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً . فَحَدَّثْتُهُ , ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ , فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي – وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ – فَمَرَّ رَجُلانِ مِنْ الأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : عَلَى رِسْلِكُمَا . إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ . فَقَالا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ : إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ . وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا – أَوْ قَالَ شَيْئًا .

هذا  إلى كان في الوضع الطبيعي وقد خشي النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يقذف  الشيطان في قلوبهما شيئاً، فما بالنا يا أصحاب الفضيلة إذا كان الشيطان يمارس دور المجهول وهو من الإنس لا من الجن بأسماء وهمية  وسيرة ذاتية يقدمها عبر الانترنت توهم بأنه من خلالها سيحقق أمانيها- أي: الفتاة – وهي مخدوعة تلك الفتاة بكلامه المعسول، ثم هل انتهت حربنا مع الصهاينة الأوغاد ونحن نعلم – يا أصحاب الفضيلة-  أنهم يسخرون كل وسائل الانترنت لتجنيد عملاء يضربوننا في عقر دارنا، وظني أن هذه الفتوى تُعطي غطاء للصهاينة أن يستغلوها أيما استغلال تحت ما يُسمى بالتعارف لأجل الزواج؛ بل وربما تُأسس مجموعات تحت هذا الشعار ولكن لإسقاط الفتيات والشبان؛ لأنه بعد التعارف سيتم  ما لا تحمد عقباه في الغالب.

ثم إن القول بالجواز أي: أنه يجوز للشباب والشابات التعارف عبر الفيس على طريقة الفتوى مخالف لمقاصد الشريعة الإسلامية الغراء في حمايتها للمجتمع المسلم وخصوصيته؛ فمن مقاصد الشريعة حفظ العورات وعدم الاطلاع عليها، وبما أننا لا نتعامل مع من سقف التدين عندهم – من الفتيات والشباب- في الغالب يصل إلى نسبة مرتفعة تمنحُنا الأمان عند القول بالجواز وتكون الشروط التي وضعت لشواذ الناس من باب اتقاء شرهم وفسقهم قال تعالى: “…فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا”

والتعارف على الانترنت بين الشباب وإن قال أصحاب الفضيلة في فتواهم بالجواز إلا أنهم لم يأخذوا ببالهم من أن  الحديث عبر الانترنت  يكون  أكثر جُرأة  لمن في قلبهم مرض ، ثم كيف يتصور إذا كان سبب الجواز عندهم  للزواج أن يبقى الكلام بين الشاب والفتاة بالعموميات؛ فمن المنطق أن يسألُها عن عمرها عن طولها وقِصرها عن لون بشرتها وعن طبيعة شعرها، وربما عن لون أسنانها وما تحب أن تلبسه، وكل ذلك ستكون دافعيته أكثر في السؤال لأن أصحاب الفضيلة وضعوا شرطاً من عدم وضع صور لها على الشبكة وهذا غريب بحد ذاته، ثم هي ستسأله وظني أنه لن يتحدث معها عن إعدادها للطعام بل سيتحدث معها عما يحبه ويكرهه فيما يخص النساء أليس هذا يا أصحاب الفضيلة من الخضوع بالأجساد وليس بالأقوال.

ثم أين حُرمة ولي المرأة وأهلها؟ ألا ترون يا أصحاب الفضيلة  أن الشخص الذي يتحدث مع بناتكم أصبح في بيتكم بل وربما يُصنع الطعام على ذوقه بفضل التعليمات التي يُعطيها لابنتكم لأنها إن أعجبها -أي: الشاب- ستصنع له ما يجعله يحبها وترسل له بصور الطعام والشراب وترتيب السرير وغيره  عبر الانترنت، وبهذا تكون محافظة على شروط أصحاب الفضيلة لأنها لم تضع صورتها بل وضعت صورة ما أعدته من طعام وشراب، يا أصحاب الفضيلة ألم يقل ربنا سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” أين الاستئناس أيكون عبر الانترنت ثم أين حرمة أهل البيوت، إني أرى أن سد باب المفسدة في إغلاق هذا الباب هو الأولى لكل الاعتبارات التي ذكرتها بل هو واجب اليوم ومقدم على جلب مصلحة مزعومة هي الزواج بهذه الطريقة؛ فما بني على الأدب والخلق الرفيع والدين والتقوى قوي عوده صمد بنيانه، ومن بني على  الحب والغزل الذي لا يستقيم مع شرع الله فهو مرفوض، ألم يراعي ربنا جل وعلا يا أصحاب الفضيلة في شرعه العرف السليم واعتبره الحَكم في كثير من القضايا الحياتية، وإن هذه الفتوى  فيها عدم مراعاة لكثير من الأعراف والعادات التي يجب على الشاب والفتاة أن يحترموها طالما أنها لا تتعارض مع الدين بل أكد عليها الشرع وجعلها من ديننا الحنيف  ومنها حرمة البيوت وأهلها .

وبقي أن أذكر بأنه وبالنظر لكل ما سبق أقول: بأن الكلام بين الرجل والمرأة  ليس ممنوعاً في الشريعة الاسلامية إذا كان في إطار الحاجة،  شريطة أن يخلو الأمر من موضوع محور الحديث بينهما في خصوصيتهما فإن كان كذلك فلا بد أن يكون بالطرق المشروعة  بالتعرف عليها من خلال أهلها وأوليائها . وكلي أمل أن يعيد النظر أصحاب الفضيلة بفتواهم فالحق أحق أن يتبع ، والحمد لله رب العالمين،،،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى