كتاب الثريا

تأصيل الدافعية

بقلم : تركي الشثري مثقف وباحث في الفكر الإسلامي وداعية إسلامي

تركي الشثريإن المرء المتحمس لعمله لا يخشى شيئاً في الحياة” غولدوين” ، وعدنا في مقال سابق أن نتحدث عن عوامل القوة النفسية , وقبل التعليق الموجز عليها نوطد بكلمات عن الدافعية والحماس .

فكم مرة التهبت فيها حماساً لشأن من الشؤون وعقدت العزم على أمر من الأمور لتصبح في اليوم التالي وكأنه لم يطرأ لك على بال كأن تعزم على التسجيل في نادي رياضي أو الالتحاق بدورة تدريبية مفيدة أو غير ذلك وهذا مما يطفئ الاشتعال الإيجابي في داخل الإنسان لأنه جرب نفسه أكثر من مرة وأصيب بخيبة الأمل فهو لا يدري أن الحماس لا يبقى إلى الأبد.

وبالفعل فقد قيل لأعرابي بما عرفت ربك فقال بنقض العزائم وصرف الهمم وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم “اللهم إني أسألك العزيمة على الرشد والثبات في الأمر” فلا يكفي أن تعزم بل لا بد أن تثبت والثبات على ممارسة ما يعود بالنفع دائماً هو مصدر الإشراق النفسي فبمجموع النجاحات الصغيرة اليومية تتضافر العوامل المنعشة للإنسان وهكذا فالسير البطيء هو أسرع طريقة للتفوق قال صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل).

وهذا يتأتى بأن نعلم أن الدافعية شعور كأي شعور يأتي ويذهب ولا يمكن أن يكون اليوم مثله بالأمس فلا نقف متعجبين من زئبقيته بل نحاول جاهدين أن نقبض عليه وهو متلبساً بنا ونحوله لواقع عملي بخطوات متزنة ليأتي علينا اليوم الذي نحوز فيه الصفات التي تؤهلنا لاستحضاره متى شئنا فالنفس لها عضلات وهذه العضلات تزداد قوة ومتانة مع التدريب المستمر.

العطاء غير المشروط: لا شيء يضفي المعقولية على الحياة مثلما يضفيها العطاء غير المشروط ومساعدة الآخرين لذلك رأينا من لا يؤمن بدين وهو يطوف العالم باحثاً عن المنكوبين والمساكين ليقدم لهم الدعم والمساندة ورأينا من لا يخاف الآخرة ولا يرجو رحمة ربه يناضل من أجل الطبقات المسحوقة أو يفني عمره باحثاً ومؤلفاً في هذا الشأن.

ونحن نعلم مدى انتشار جمعيات الإحسان في طول أروبا وأمريكا وعرضهما لماذا كل هذا لأن حياة واحدة لا تكفي فإذا انطلقنا من المنطلق السليم وهو التعبد لله بكل ذلك والتعرف على الأجور المرتبة على مثل هذه الأعمال من خلال استقراء الوحيين فلا شك في أننا سننعم بالطاقة النفسية المطلوبة لمواجهة الخواء واللاثمرة .

الاشتغال بالحق : لا بد من الاشتغال ولا بد من التفكير ولا بد من الصدور عن قواعد وأصول سواءً كانت صحيحة أم فاسدة ومن ترك الاشتغال بالحق سيبلى بالاشتغال بالباطل ولا بد وسيدخل في دائرة مغلقة يدور فيها ولا يخرج من ظلمتها إلى نور الحق والعجيب أن من هذا حاله يتطاول على أهل المنهج السليم والطريق القويم متهماً إياهم بالانغلاق ملوحاً إلى انفتاحه هو وأخذه بأسباب الحرية الفكرية .

وما درى أنه منغلق ومستعبد لمجموعة من المسكوكات اللفظية والتصورات الذهنية والخيالات الوهمية من مثل ( التقدم – المساواة – …..) والتي تستخدم لسحر الشعوب وترويض الأمم مع حفظ بعض النصوص لفلان وعلان من غير تمحيص ولا فهم وإن كان ثم تمحيص أو فهم فهو من داخل هذه المنظومة الفكرية التي وصفنها بالدائرة المغلقة فهو محبوس في داخلها إنه في جب الظلمات ليس لديه شيء معصوم ولا قواعد منضبطة مطردة ولا آداب شرعية وسلوكات مرعية.

فيعيش في ضنك وكالنجم الذي انفلت من مداره يتيه في التخبط فيضجر بالحياة وتضجر به الحياة ويتصوف في نهاية عمره أو يهلوس أو يخوض فيما شجر بين الأصحاب أو ينخرم عمره كهل متغضن الجسد في شقة ضيقة في باريس أو لندن يزعق في القنوات الفضائية أو يخربش في عموده اليومي كلاماً يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً هذه الكائنات المريضة لم تقدم للأمة شيئاً واستعرضوا التاريخ بل إن الموارنة اللبنانيين وهم غير مسلمين وولائهم عابر للمحيطات قدموا للأمة أشياء عجز هؤلاء عن بعضها من معاجم وقواميس وغيرها فهل آن الأوان للقول بموت المثقف العربي أم أننا بحاجة للجعجعة ولو لم نرى الطحين .

وإلى لقاء نكمل فيه عوامل القوة النفسية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى