غير مصنف

“الغلاء قتل محاولات وضع ميزانية أسرية بالضربة القاضية”

تحقيق:أنوار هنية

هل أصبحت مطالب الأبناء عبئاً كبيراً على الأسرة؟ وهل يمكنهم المساهمة للتخفيف من هذا العبء؟ كيف ينشأ الطفل على الادخار ويعرف أهمية الاعتدال في الإنفاق؟ وما الأخطاء التربوية التي تؤثر في نظرة الأبناء للمال؟ وكيف يوازن الأهل بين متطلبات الأبناء و غلاء الأسعار؟ وما الأهداف التربوية التي ينبغي أن تركز عليها الأسرة في تعامل أبنائها مع المال،  كان هذا التحقيق لموقع الثريا للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها من قبل أهل الاختصاص.

خبراء الاقتصاد ينصحوننا بوضع ميزانية للإنفاق، ونقرأ ونسمع كثيراً عن شروط الميزانية الناجحة، ولكن عند المحك يسقط من هول المفاجأة، فكل ما قرأناه يتحول إلى حكاية خيالية يصرعها غول الأسعار المفترس بالضربة القاضية.استطلعنا آراء مجموعة من الناس لنعرف كيف يوازنون بين متطلبات أبنائهم و ارتفاع الأسعار فالتقينا ربا قانوع موظفة والتي أبدت رأيها قائلة:” لكي نضع ميزانية لشركة أو مؤسسة لا بد من الأخذ في الاعتبار فترة زمنية ثابتة على الأقل لمدة ستة أشهر، أو سنة مالية، وهذا يتطلب حداً أدنى من استقرار وثبات الأسعار الخاصة بالمواد الخام، والأيدي العاملة، أو الممتلكات الخاصة بالإنتاج.

وكذلك الأمر على مستوى أقل و أصغر – بالنسبة لوضع ميزانية للأسرة – لابد أن أحدد مصادر دخل الأسرة أولاً، ثم أحدد بنود الإنفاق المختلفة، وأقوم بتوزيع الدخل على بنود الإنفاق مع ترك هامش للظروف الطارئة وللمجاملات وغيرها.

ويتفق المستشار أحمد الكحلوت مع سابقته في قضية غلاء الأسعار فيقول :”تختلف ميزانية الأسرة حسب دخلها، ولذا فإن تأثر ميزانية الأسرة بالتغيرات التي طرأت على الأسعار يزداد في الأسر الفقيرة(محدودة الدخل) والمتوسطة، وأدت هذه التغيرات إلى إعادة ترتيب بعض بنود  ميزانيتي الشهرية، وفي رأيي أنه إذا أردنا زيادة دخلنا أو بمعنى آخر زيادة البركة في حياتنا، فعلينا زيادة المخصص للإنفاق في وجوه الخير، وهذه هي المعادلة المضمونة والمتوازنة.

أساليب علاجية    

وفقاً للوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الشعب الفلسطيني و في ظل الحصار الداخلي والخارجي، الذي لن يُحل بين عشية وضحاها، ولن يتمكن متخصصو الاقتصاد تغييره وفق الواقع المعاش الذي يتطلب خطط طويلة وقصيرة الأجل، ارتأينا مناقشة هذه القضية مع أهل التربية، ليطلعونا على التربية الاقتصادية للأبناء، كحل يسهل تطبيقه ويمكن التعامل معه في ظل أزمة المستحيلات التقينا د. محمد مقداد وسألناه  متى يمكن إعطاء الطفل المصروف، وكيف يخطط للتعامل معه؟ فقال د. مقداد :”يعرف الطفل النقود في الوقت الذي يبدأ فيه الكلام فنراه يطلق على كل فئات النقود لفظة واحدة “نصف شيقل، شيقل” ويحب تجميعها، وعندما يعرف أنه يمكنه الحصول على شيء يحبه يبدأ في إبداء الرغبة في إجراء عملية التبادل هذه بمتعة، خصوصاً إذا قام بنفسه ومباشرة مع البائع بعملية التبادل، ويجب ألا نحرمه من هذه المتعة؛ لأن فيها فائدة أخرى فهي تدربه على الأخذ والعطاء ، وينمو إدراك الطفل ليصل به إلى أرقى مراتب العطاء، وهو العطاء بلا مقابل.

وفقاً للظروف الصعبة فإن الاعتماد على الذات في تلبية الاحتياجات أمر محبذ سألنا د.مقداد عن عمل  الأبناء البالغون بأجر، ومساهمتهم في الإنفاق فقال:”الدراسة اليوم لا تتيح للأبناء وقتاً لأي شيء غير الانتهاء من الواجبات المدرسية الكثيرة التي تنهك التلميذ نفسياً وبدنياً، وترهق الأسرة فضلاً عن أن فرص العمل للكبار محدودة والبطالة متفشية فمن أين لنا بفرص عمل للصغار؟، ولكن إذا استيسرت فرص عمل لهم بشرط ألا يطغي ذلك على دورهم الأساس كتلاميذ، فلا مانع إذ سيحرص الابن على المال الذي تعب في كسبه، وسينفقه في الضرورات وسيخفف العبء عن الوالدين ويقر بمعاناتهما ويلتمس لهما العذر أن رفضا تلبية بعض مطالبه”.

قيمة الصدقة

وكان لابد من وقفة عند الأخطاء التربوية التي تؤثر في نظرة الأبناء للمال فبينها د. مقداد :”الأخطاء أن يكون المال سبباً في سوء العلاقة بين الأم والأب، فالشجار من أجل المال يؤثر سلباً على الطفل فضلاً عن معرفة الطفل أو الابن أن المال يمكن الحصول عليه بوسائل غير مشروعة”.

وفي توازنات الدنيا والآخرة فإن الصدقة توسع الرزق، و تزيد بركة البيت فكان حديثنا، كيف نبث قيمة الصدقة في الأبناء ونعلمهم مفهوم التوسعة الذي يأتي من وراء الإنفاق في سبيل الله؟ فبينها د. مقداد :”إذا نشأ الطفل في جو يقدر معنى العطف على الآخرين والصدقة، فسوف يكون جزءً من هذا النسيج، وفي هذه الحالة يبدأ الطفل بتبني ما يراه في الداخل هذه الأسرة، وينبغي أن يكون الوالدان قدوة في العطاء، فيخرج الطفل مع الوالد لتوزيع صدقة الفطر، ولحوم الأضاحي، أو إعطاء الصدقات، ومن هنا تتأصل عند الأبناء قيمة الصدقة بما تحتويه من مساعدة، وتعاون وعطاء و نجدة وتفان، و تظهر هنا أهمية التنشئة الاجتماعية، والدعوة موجهة للآباء والأمهات لتعليم الأبناء أهمية الصدقة، حتى في ظل الظروف الصعبة؛ لأنها إذا ضاقت عليهم فهي أضيق على الفقير أو المعدم”.

حتى تكون التربية الاقتصادية سليمة وتؤتي ثمارها الطيبة على الفرد والمجتمع، فإنها لا بد أن تؤسس على عقيدة سليمة وقيم وعادات اقتصادية تنبع من تلك العقيدة، وهو ما تؤكده العقيدة الإسلامية .

في هذا الإطار، ذكرت دراسة أعدها الدكتور سعيد القاضي أستاذ أصول التربية المساعد بجامعة جنوب الوادي المصرية تحت عنوان: “التربية الاقتصادية الإسلامية للأبناء في البيت والمدرسة” أن الأسرة تعد المؤسسة التربوية الأولى التي تقوم بدور أساسي في تربية الأبناء التربية الاقتصادية الإسلامية من خلال عدة جوانب، أهمها تربيته دينيا على مراقبة الله تعالى في الكسب والإنفاق فلا يتعدى على أموال الآخرين وممتلكاتهم، ولا ينفق مصروفه الشخصي فيما يغضب الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى