كيف أكونُ متفائلاً؟

بقلم: سمية برهوم
جلسَ بحضرةِ الاسطوانةِ الموسيقيةِ، يتكئُ على مَسندٍ متكدّسٍ بالأمنيّاتِ، تسافرُ مع كلِّ موعدِ نومٍ لتأتيه في الأحلامِ، يَمرُّ طيفُ الذكرياتِ يؤنسُ قلبَه، ترتسمُ أساريرُ السعادةِ على وجهِه بخطوطٍ عريضةٍ.
أمامَه باقةُ وردٍ مكلَّلةٌ بنسائمِ العطرِ النديةِ، تحملُ في شذاها أملاً وريقاً بغَدٍ أبيضَ، منسوبٍ من الحبِّ يعلنُ بَوحَه، يلهجُ بكلماتِ الأغنيةِ كصوفيٍّ في ليلِه ثمُلَ سعادةً، يثقُ بأنّ طريقَه تفترِشُه الورودُ بشكلٍ عشوائيٍّ كعشوائيةِ “بيكاسو” المثيرةِ، ومُضاءةٍ بالمصابيحِ الحمراءِ التي تمنعُ كلَّ وهنٍ، وتُنذرُ بقاموسِ الحبِّ الذي يَدُقُّ من عيونِ الفرحِ المُتقدةِ بالتفاؤلِ، ولحظةِ الحياةِ المرجوّةِ.
ينقلُ بصرَه للسماءِ، يُعجبُه اللونُ الأزرقُ الذي ترتديهِ، وتتدثّرُ به، يرى الشمسَ كحسناءَ في سنِّ العشرينَ تختلبُ القلوبَ، تأسِرُ عينَ الناظرِ، والعصافيرُ تشدو على أغصانِها؛ تنسجُ لحناً عذباً ليومٍ جديدٍ، يؤمنُ أنّ اتساعَ السماءِ دلالةٌ كافيةٌ على اتساعِ الحياةِ، يفتحُ النافذةَ المُعبِئةَ بالنشاطِ والإشراقِ، ويتنفسُ كلَّ الهواءِ السعيدِ به، بحِلمِه، بإيجابيتِه، ويَحمدُ اللهَ على فيضِ نِعَمِه، وإتقانِ صُنعِه بجمالِ الطبيعةِ وشلالاتِ الماءِ المُتدفقةِ، التي تتوازَى مع تدفُقِ الأملِ في الوريدِ من جديدٍ.
إنّ إحسانَ الظنِّ بالحياةِ أدبٌ، وذوقٌ يخُصُّ المتفائلَ، ويعلنُ عقْدَ الاتفاقِ بينهما على أنْ يسيرا معاً، يقطتعا كلَّ أجزاءِ التشاؤمِ، ويُلقياها في قاعِ المحيطِ.
ولمّا كان المسلمُ متفائلاً بربِّه؛ ساقَ اللهُ إليه كلَّ أسبابِ الرضا والقناعةِ والفرحِ، وزوّدَه بالتفكيرِ في مَلكوتِه أكثرَ؛ ليزدادَ التفاؤلُ أكثرَ ويَسكُنَ اليقينُ والاطمئنانُ قلبَه.
فالمؤمنُ يحبُّ الخيرَ ويتشوّقُ له، ويجعلُ قلبَه متعلقاً بالرجاءِ باللهِ والأملِ فيه، كما يُسكِنُ قلبَه الطمأنينةَ بحُسنِ الظنِّ بخالقِه.مع ملازمتِه لأذكارِ الصباحِ والمساءِ؛ كعاملٍ مُهمٍّ لانشراحِ النفسِ وسكينتِها ؛ فالطاقةُ الإيجابيةُ تأتي من ذِكرِ اللهِ أكثرُ من أيِّ شيءٍ آخَرَ، وتدفعُ المسلمَ للسعيِ جاهداً في العملِ، واليقينِ بنتائجَ مُرضيةٍ تزيدُه سرورًا، وتَغمرُ قلبَه رِضا.
هنالك علاقةٌ مترتبةٌ بين التفاؤلِ، والإيجابِ؛ إذ أنّ الشخصَ الإيجابيَّ يُقِرُّ بالمشكلةِ، ويجدُ حَلاً لها، في ذاتِ الوقتِ يصنعُ البدائلَ، ويَعرضُ المقترحاتِ ويتغلّبُ عليها.
وعالمُ الأرقامِ يُشيرُ إلى عدّةِ أمورٍ؛ يجبُ المواصلةًُ عليها وصولاً إلى حياةٍ رَحبةٍ بالتفاؤلِ:
* حافِظْ على علاقتَك مع ربِّك، واحتكِمْ لأمرِه، وأكثِرْ من ذِكرِه وطاعتِه؛ سَتُوهبْ حياةً ملآى بالخيرِ.
* كنْإيجابياً في عقلِك الباطنِ، ردِّدْ عباراتِ الإيجابيةِ لمدّةٍ لا تَقِلُّ عن أسبوعٍ؛ ترى بعدَها عالماً مُيسّراً يخضعُ لإرادتِك وأمنياتِك.
* مارِسْ هوايةَ القراءةِ وتَصفُحِ الكتبِ، واستعرضْ سيرةَ الناجحينَ واقتفاءَ أثرِهم؛ لتُمدَّ بعزيمةٍ واصرارٍ على مواصلةِ المشوارِ.
* ضعْ جدولاً ليومِك؛ يُركّزُ على نشاطاتٍ تربويةٍ وفكريةٍ؛ لينموَ عقلُك ويتّزِنَ، وتتّسِعَ مداركُ الحياةِ لديك، وتقضيَ على كلِّ أنواعِ الملَلِ، والتشاؤمِ.
* تجنّبْ الأفكارَ السلبيةَ التي تنخرُ بالعقلِ وَهناً، واستبدلْها بمقولةِ : “أنا أستطيعُ، أنا أقدِرُ”
* ممارسةُ التمارينِ المُحفزةِ على تنميةِ المهاراتِ وتطويرِها.
إنّ برمجةَ العقلِ على أنْ تكونَ إنساناً متفائلاً رحباً؛ يجعلُ حياتَك مطمئنّةً هانئةً حيويةً، بخلافِ المعتَقداتِ المشؤومةِ التي تُسقطُ الجزعَ فيك، وتصنعُ الخطأَ، كذلك التفكيرُ بإيجابياتِ الحياةِ، كسلامةِ البدَنِ والجوارحِ، وتَوفُرُ مستلزماتِها عاملٌ مُهمٌ لسلامتِها، وطولِ نجاحِها، وتيسيرِ صعابِها.
المتفائلُ والمتشائمُ :
* المتفائلُ يثِقُ بربِّه، ويحُسنُ التوكُلَ عليه.. مع ضرورةِ السعي، والمتشائمُ يتواكلُ، ويتكئُ على غيرِه في أمنيّاتِه .
* المتفائلُ يحبُّ النهارَ والعملَ، ووَهْجَ الشمسِ المُنذرَ بالأملِ، المتشائمُ يحبُّ الليلَ وظلمتَه، ويتجولُ في أركانِ مِلاءتِه وهي تغطي أكنافَ السماءِ.
* المتفائلُ أقلُّ عرضةًللأمراضِ، وأكثرُ حظاً بالسعادةِ، المتشائمُ أكثرُ عرضةًللأمراضِ المزمنةِ مِثلَ”السُكري، والضغط، والقلب”، وأقلُّ نصيباً من السرورِ.
قد تنخرُ في الإنسانِ التساؤلاتُ، وحيرةُ الاجاباتِ، وإرهاقُ التفكيرِ.. إلى الحدِّ الذي يجعلُه يُلصِقُ السروالَ بالمكواةِ، ثم تقرعُ أنفَه رائحةُ الحريقِ، وإلى الحدِّ الذي يجعلُه يركبُ السيارةَ مرتينِ، وينسَى أنْ يُعطيَ السائقَ حقَّه، ثُم إلى أنْ يتركَ ظِلَّه في الشارعِ، وتسقطَ منه حاجياتُه، ثم يعودَ للبيتِ، ويحتسي فنجانَ قهوتِه، ويمارسَ طقسَ التفاؤلِ، والحياةِ، وينسى ما حصلَ!.
ذلك هو قلبُ التفاؤلِ وعفويتِه، وجمالِ ملمسِه في الحياةِ اليوميةِ، وتغيُّراتِ حالِها.