غير مصنف

هوس الـ”سيلفي” يجتاح عقول الغزيين

تقرير:ديانا المغربي

في غزةَ لم يعدْ من الضروري أنْ تكونَ مشهوراً حتى تلفتَ الأنظارَ إليك، فقط يكفي أنْ تتخذَ أي “شكل ” وتلتقطَ أغربَ الصورَ؛ لتلفتَ نظرَ مَن حولك،  أنا أصور «سيلفي» إذاً أنا موجود… شعارُ المرحلةِ الحالية الشبابيةِ وغيرِ الشبابيةِ على مواقع التواصلِ الاجتماعية.

هي رُبما ليست بحركةٍ جديدة، فالصورةُ الملتقَطة ذاتياً والمعروفة الآن بـ «سيلفي» Selfie موجودةٌ منذُ زمن، إلاّ أنّ التكنولوجيات الجديدةَ، والكاميراتِ التي تجهَّز بها الهواتف، أكسبتها شهرةً وبُعداً كبيراً جداً، حتى أصبحنا -وفقَ علماءِ النفس- مهوُوسينَ بأنفسِنا من خلال تصويرِها!!.

على شبكاتِ التواصل صورُ الشبابِ والفتياتِ منتشرة  ” أنا في السوق، أنا وصديقاتي، أنا في الأصانصيل، أنا وأولادي، أنا وكتابي، أنا وفنجاني ” فهل هي ظاهرةٌ صحيةٌ مرتبطةٌ بالتطورِ التكنولوجي، أَم هَوسٌ وأنانيةٌ وصولاً إلى النرجسيةِ؟

كغيرِها من مدُنِ العالمِ تواكبِ غزةُ آخِرَ هاشتاج  الـ”سيلفي Selfie” بشكلٍ قد يصبحُ هَوساً لدى البعضِ!! ، ويعودُ “السيلفي” لزمنٍ ليس بقريبٍ، قائمٍ على أخذِ صورٍ شخصيةٍ بكاميرا الهاتفِ الذكيّ، مع التركيزِ على ملامحِ الوجهِ والجسدِ، ومن ثَم مشاركتُها مع الأصدقاءِ أو المُتابعين على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ: مِثلَ (إنستغرام وفيسبوك وتويتر)… وغيرِها.

” السعادة ” سألتْ بعض الشبابِ عن الـ «سيلفي»، لماذا تستهويهِم هذه الصورةُ؟ وما الذي أضافتْه إليهم؟ ، يقول “أحمد سالم  23 عاماً”:” أنا من الأشخاصِ الذين يتفاعلونَ مع كافة (الهاشتاج) الذي يخدمُ القضيةَ الفلسطينية ، وعند انتشارِ (هاشتاج السيلفي) قرّرتُ أنْ أشاركَ فيه لدرجةٍ عدَّها البعضُ “هَوساً” منّي!! ، لكنني كنتُ أنظرُ إلى (الهاشتاج) بطريقةٍ أخرى .
ويضيفُ:” عند مشاركتي (الهاشتاج) كنت أربطه (بهشتاجات) أخرى كـ” مي وملح ” أو “حق العودة” وبالتالي أضمنُ انتشاراً أعلى (للهاشتاج) البديلِ ، كما أنني اتجهتُ لتصويرِ الكثيرِ من المعالمِ الخاصةِ بقطاعِ غزةَ؛ لنشرِها وتعريفِ الناسِ بها .

أمرٌ مُسَلٍّ ومُمتِع

ويتابعُ:” قرأتُ الكثيرَ من الدراساتِ حول الظاهرةِ، وأنها قد تذهبُ إلى المرضِ النفسي! ، لكني أعتقدُ أنّ صحةَ هذه الدراساتِ قد تنطبقُ على المجتمعاتِ خارجَ قطاعِ غزة ، أمّا في قطاعِ غزة فالحياةُ مختلفةٌ، وانتشارُ “السيلفي” واحدٌ من الأنشطةِ المجتمعيةِ “لا أكثرَ و لا أقلَّ”  ، والتقاطُ الصورِ أمرٌ مُسَلٍّ ومُمتعٌ يُشعِرُني بالفرحِ، وهذا يكفيني، فما المانعُ من أنْ نستخدمَها؟ لنستمتعَ ونشعرَ بوجودِنا، ونسجّلَ لحظاتِ الفرحِ بالصوتِ والصورةِ والكلمة.
في حين يرفض “رامي الوحيدي” الهَوس الذي يجتاحُ قطاعَ الشبابِ بالتفاعلِ مع “السيلفي” مَهما كانت أغراضُهم،  ويقولُ: الغريبُ أنّ الكُلَّ بات يسجلُ حضورَه افتراضياً؛ لأنه يخافُ ألاّ يلحقَ بركبِ الحاضرينَ بشهاداتِهم المرئيةِ والخوفِ من الضياعِ، وسطَ زحامِ الصورِ، فيؤكِّدُ حضورَهم بنشرِ المزيدِ من الصورِ، بالرغمِ من أنهم يمارسونَ أنشطتَهم اليوميةَ  بشكلٍ منفردٍ؛ إلاّ أنهم يشاركونَ الآخَرين وَحدتَهم.

أنانيةٌ مُفرِطةٌ

ويضيفُ:” استخدامُ “السيلفي” واحدٌ من صورِ الأنانيةِ المفرِطةِ والنرجسيةِ التي تفرضُها وسائلُ التواصلِ الاجتماعي بأشكالِها المختلفةِ، وهناك دراساتٌ عديدةٌ تؤكّدُ أنّ الأمرَ لا يتعدَّى كونَه هَوساً نفسياً، أو مرضاً نفسياً، بات يصيبُ الجميعَ  بعيداً عن متعةِ الصورةِ أو متعةِ الاحتفاظِ بجمالِ اللحظةِ .
من جانبها تعتبر “عروب الجَملة”  الأخصائيةُ الاجتماعيةُ والنفسيةُ :” ظاهرةُ صورةِ “سيلفي» العاملُ الرئيسُ لبروزِ الكثيرِ من الأشخاصِ المغمورينَ الذين استطاعوا من طريقِ تصويرِ أنفسِهم عَرضَ مهاراتِهم وصفاتِهم ومقتنياتِهم، وأموراً كثيرةً تتعلّقُ بهم، فأصبح لديهم الكثيرُ من المتابعينَ والمشجّعين، والغريبُ أنّ وسائلَ الإعلامِ ذاتَها هي مَن دفعتْ بعجلةِ “السيلفي” إلى هذا الانتشارِ ، حتى شركاتِ الإعلانِ حرصتْ أيضاً على الترويجِ لمنتجاتِها من طريقِ مشاهيرِ الـ “سيلفي” وبالتالي لا يمكنُ القولُ أنها مرضٌ نفسيٌّ، أو عزلةٌ اجتماعيةٌ، وإنْ كانت في بعضِ المجتمعاتِ تُصنَّفُ بذلك .

و تضيفُ: “أكثرُ مَن استفادَ من هذه الظاهرةِ؛ هم من يمتلكونَ مهاراتٍ ومواهبَ، لكنهم يفتقِرونَ إلى تسليطِ الضوءِ عليها. الـ(سيلفي) أو التصويرُ الذاتيّ ساهمَ بشكلٍ كبيرٍ وعبرَ وسائلِ التواصلِ المتعدِّدةِ في إبرازِ الكثيرِ من جوانبِ حياتِهم بالشكلِ الذي كانوا يتمنونَ ، أو إبرازِ بعضِ الأماكنِ أو الترويجِ لبعضِ الحملاتِ عبرَ “الفيس بوك” على غرارِ ما يحدثُ بقطاعِ غزةَ، حيثُ أنّ هناك عدداً كبيراً من الأشخاصِ يستخدمُ “السيلفي” لنشرِ صورٍ حديثةٍ للكثيرِ من الأماكنِ الترفيهيةِ والحضاريةِ والتراثيةِ ، وهناك عددٌ كبيرٌ أيضاً يستخدمُها لنشرِ “هاشتاغات” وطنيةٍ، والتفاعلِ مع الكثيرِ من الحملاتِ الالكترونيةِ الداعمةِ للقضايا الفلسطينية ، بعيداً عن الأنانيةِ أو الغرورِ والنرجسيةِ .

بينما تقولُ الدراساتُ  أنّ “إدمان السلفي” أصبح مرضاً جديداً بحسبِ دراسةٍ جديدةٍ؛ أجراها باحثونَ في الرابطةِ الأمريكيةِ للطبِّ النفسيّ، وتبنَّتها العديدُ من الصحفِ البريطانيةِ مُستشهِدةً من حالاتٍ وقعتْ ضحايا صورَ “السلفي” المَرضية، ومن أعراضِ هذا المرضِ بحسبِ الدراسةِ، النرجسيةُ المُفرِطةُ، أو ضعفُ الثقةِ بالنفسِ، أو اضطراباتٌ نفسيةٌ أخرى.

مئةُ مليونِ صورةٍ!!

كما أظهرتْ الدراسةُ أنّ من يميلُ إلى التقاطِ صورٍ ذاتيةٍ متتاليةٍ، وبكميّةٍ كبيرةٍ؛ يسعى إلى تحقيقِ أهدافٍ بعيدةِ المنالِ؛ كالتشبُّهِ بفنانينَ أو شخصياتٍ مشهورةٍ، بالمقابلِ اعتبروا أنّ هذه السلوكياتِ قد تعرَّضَ أصحابُها لمشاكلَ ذهنيةٍ وفكريةٍ في المستقبلِ، بالأخصِّ مشاكلُ متعلّقةٌ بالثقةِ بالنفس.
وحسبَ موقع موسوعة “ويكيبيديا”، أنّ أولَ صورةِ “سيلفي Selfie” كانت في العام( 1917م)، وقتَها كان التصويرُ في مراحلَ قديمةٍ، وكأيِّ تصويرٍ عبرَ التاريخِ؛ فهو تصويرُ شخصٍ لِغَيرِه؛ إلاّ أنّ المصوِّرَ الأسترالي “توماس بيكر” وضعَ كاميرتَه العتيقةَ أمامَ مِرآةٍ، وارتدَى ملابسَ عسكريةً، وصوّرَ نفسَه ، والغريبُ أنّ  “هشتاغ” “سيلفي  Selfie” في “إنستغرام” قد تعدَّى (100) مليونِ صورةٍ!! .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى