هل كثرةُ حركةِ الطفلِ تدلُّ على الذكاء؟

الثريا:خاص
يجيب عن التساؤل الأخصائي الاجتماعي نور الدين محيسن…
يبلغُ طفلي من العمرِ عاماً و نصف، ومنذُ أنْ بلغَ السنةَ؛ ما إنْ يسمعُ كلمةً إلا ويحاولُ أنْ ينطقَها، وعنده دِقةُ ملاحظةٍ لدرجةٍ كبيرة، لكنه شديدُ الخوفِ من الأشياءِ الجديدة، وعنده حساسيةٌ شديدةٌ عندما أَمنعُه من شيءٍ أو أغضبُ عليه، وحركاتُه كثيرةٌ في البيت ، فهل هذا طبيعيٌّ أو من علاماتِ الذكاء؟ وكيف أحافظُ على هذا الذكاءِ، وأستغلُّه فيما ينفعُه؟
يختلفُ الأطفالُ في مراحلِ التطورِ التي يمرُّون فيها، وهذا التفاوتُ يأتي دائماً في الكلامِ عن المشيِّ، وفي شِدةِ الحركةِ ومستوى الذكاء، ونستطيعُ أنْ نقولَ أنّ هذا الابنَ ما دام دقيقَ الملاحظةِ؛ فهذا يدلُّ على أنّ مستوى الذكاءِ لدَيه مرتفعٌ، والذي أنصحُ به هو أنْ تتركَ الأمورَ تسيرُ بطبيعتِها؛ لأنَّ الدراساتِ لم توضّحْ أبداً أنّ الإكثارَ من التعليمِ في هذه المرحلةِ يفيدُ كثيراً.
ومن الضروريّ أنْ لا نتجاهلَ الطفلَ، وأنْ نُكثرَ من التحدثِ معه، وأنْ نساعدَه في نُطقِ الكلامِ بصورةٍ صحيحة، وأنْ يستفيدَ من الألعابِ من أجلِ تطويرِ ذكائه، ولكنْ في الألعابِ يجبُ أنْ يلتزمَ بنوعيةِ اللعبةِ التي تناسبُ عُمرَه، فاللعبةُ التعليميةُ وسيلةٌ ممتازةٌ لتطويرِ المَقدِراتِ المعرفيةِ والذكاءِ لدَى الأطفال.
والشيءُ الآخَرُ هو أنْ تتاحَ له أكبرُ فرصةٍ للعبِ مع الأطفالِ الآخَرين، وأنصحُ لدرجةِ التحذيرِ أنْ لا يُتركَ الطفلُ يشاهدُ الأفلامَ الكرتونيةَ لفترةٍ كبيرةٍ وحدَه، مَهما كانت هي ليستْ تفاعليةً، ولا تؤدّي إلى تنميةِ الذكاءِ لدرجةٍ كبيرة، بل ربما تشغلُ الطفلَ للدرجةِ التي تخلقُ منه طفلاً انطوائيًّا ولا يتفاعلُ مع الآخَرين.
إذاً؛ هذه هي المبادئُ التربويةُ المعروفة، وبالطبعِ يمكنُ أنْ يكونَ هناك نوعٌ من التحفيزِ للطفل، فيمكنُ أنْ يُحفَّزُ عن طريقِ النجومِ، حين يقومُ بأيِّ عملٍ إيجابي؛ يُعطَى نجمةً أو نجمتينِ، بعدَ أنْ يشرحَ له ذلك، وإذا قام بشيءٍ سلبيّ تُخصمُ منه نجمةً أو نجمتين، ثُم يُحفَّزُ بعد ذلك في نهايةِ اليومِ بشيءٍ بسيطٍ يحبُّه، فهذه الطريقةُ والتي تُعرفُ بطريقةِ النجومِ التحفيزيةِ هي طريقةٌ مفيدة، ولكنّ الطفلَ قبل سنتينِ قد لا يستوعبُها بصورةٍ صحيحة.
وبالنسبةِ لما ذكرتِه من الخوفِ الشديدِ من الأشياءِ الجديدةِ، وعنده حساسيةٌ شديدةٌ عندما تمنعيهِ من شيءٍ، أو تغضبين عليه فأنا أرى أنه يجبُ أنْ لا تغضبي عليه في هذا العمرِ، وأمّا استغرابُه وخوفُه من الأشياءِ الجديدةِ؛ فهذا أيضاً شيءٌ غيرُ مُستبعَد؛ لأنّ الطفلَ في هذا العمرِ يبحثُ عن الأمانِ، والأمانُ يأتي في كنفِ ما تعوَّدَ عليه الإنسانُ وعرفَه، ويمكنُ أنْ تُقدّمَ له الأشياءَ الجديدةَ بصورةٍ مُطَمئنَةٍ، فعلى سبيلِ المثالِ حاوِلي أنْ تلمَسي الشيءَ الجديدَ هذا، إنْ كان لُعبةً أو غيرَها، واجعلي الطفلَ ينظرُ إليكِ وأنتِ تلمسينَها ، فهذا إنْ شاءَ اللهُ يجعلُه يقتدي بكِ، ولا يُحسُّ بالخوفِ.
وأمّا زيادةُ الحركةِ فهناكَ عِلّةٌ تُعرفُ “بداءِ الحركةِ المفرِطةِ” أو داءِ الحركةِ الشديد، ولكنْ في هذه الحالةِ لا نعدُّها حالةً مرضيةً؛ إلا إذا كان الطفلُ لا يستطيعُ الجلوسَ أبداً، فعلى سبيلِ المثالِ لا يستطيعُ الجلوسَ مع اللعبةِ لفترةِ خمسِ إلى عشرِ دقائقَ، وفي هذه الحالةِ الطفلُ يعاني من هذه العِلّة، وأمّا إذا كان الطفلُ كثيرَ الحركةِ، ولكنه في أوقاتٍ يكونُ هادئاً، فهذا أمرٌ مقبولاٌ وطبيعيٌّ ويختفي بالتدريج.
ونصيحتي: هي أنْ لا يُنهَرَ الطفلُ بصورةٍ حادةٍ حين تبدو منه هذه الحركاتُ الكثيرة، وإنما يُلفتُ نظرُه لشيءٍ آخَر يحبُّه، وأنْ تقدّمَ له لعبةٌ وأنْ ينادَى عليه بابتسامةٍ ومحاولةِ احتضانِه وهكذا، أي أنْ نجتذِبَ انتباهُه لفعلٍ مفضّلٍ له دونَ أنْ ننهاهُ عن كثرةِ الحركةِ، أو نطلبَ منه الجلوسَ أو خلافه، فهذه هي الطريقةُ التي تقلّلُ من هذه الحركةِ السريعةِ لدَى الطفل، وبالطبعِ إذا استمرَّ الأمرُ بشدّةٍ هناك أدويةٌ تعطَى للأطفالِ، ولكنْ ليس في هذه السنِّ، فهناك أدويةٌ تقلِّلُ من زيادةِ الحركةِ، ولكنْ بالطبعَ أنا أتحدثُ عن زيادةِ الحركةِ المَرَضيةِ، وليس زيادةَ الحركةِ العاديةِ التي نشاهدُها في بعضِ الأطفال، فأرجو أنْ لا تنزعجَ، وأرجو تطبيقَ التعليماتِ السلوكيةِ السابقةِ، ومراقبةَ الطفلِ، نسألُ اللهَ تعالى أنْ يحفظَه، وأنْ يجعلَه ذخراً لكم.