
الثريا_ إسراء أبو زايدة
صعّدتْ قواتُ الاحتلالِ الصهيوني في الآونةِ الأخيرة، اجراءاتِ اعتقالِ الأطفالِ الفلسطينيين، وتحديداً أطفالَ مدينةِ القدس، وكان العامُ (2014) شاهداً على عمليةِ تحوّلِ الصراعِ بين المواطنين المَقدسيين وسلطاتِ الاحتلالِ ومستوطنيه، وكان الحدَثُ الأبرزُ اختطافَ وقتلَ الطفلِ المَقدسي “محمد أبو خضير” على يدِ مجموعةٍ من المستوطنينَ المتطرّفين، ويأتي ذلك تأكيداً على أنّ اعتقالَ الأطفالِ هو جزءٌ من السياساتِ التي تُمارسُ بحقِّ الفلسطينيين، من خلال الأوامرِ العسكريةِ التي تعتمدُ عليها سلطاتُ الاحتلالِ الإسرائيلي في الأراضي المحتلةِ؛ حيثُ بلغَ عددُ الأسرى الأطفالِ في سجونِ الاحتلالِ حتى اللحظةِ (450) طفلاً، تتراوحُ أعمارُهم ما بين( 11إلى 17) عاماً، منهم ستَ عشرةَ فتاةً، ضاربينَ بالأعرافِ و القوانينِ الدوليةِ عُرضَ الحائطِ.
في تقرير “الثريا” نستعرضُ بعضَ شهاداتِ الأطفالِ الذين تمَ اعتقالُهم من قِبلِ قواتِ الاحتلالِ الإسرائيلي، والتي نُقلتْ عبرَ محامي المؤسساتِ الحقوقيةِ الفلسطينيةِ العاملةِ في مجالِ الأسرى، وتمَ التأكيدُ من خلالِها على تعرُّضِهم للتعذيبِ وللمعاملةِ القاسيةِ.
أساليبُ إجراميةٌ !
ضربٌ وشبحٌ، وحرمانٌ من النومِ والطعامِ، وتهديدٌ وشتائمُ وتحرشٌ جنسي، اجتمعتْ الأساليبُ القمعيةُ على جسدِ الأسيرِ القاصرِ أحمد مشعل (17)عاماً، من مدينة قلقيلية، والمحكومِ بالسَّجنِ لمدةِ (24) شهراً، تمَ نقلُ أقوالِه عبرَ محامي نادي الأسير “فواز الشلودي”، الذي زارَه في سجنِ “هشارون” حيثُ مكان احتجازِه، وجاءت شهادتُه على لسانِ المحامي:” اعتقلتُ من البيتِ بقلقيلية، الساعة 2:30 ليلاً، وتم نقلي مباشرةً إلى مركزِ تحقيقٍ لم أعرفْ اسمَه، وبدأ التحقيقُ معي من الساعةِ الخامسةِ صباحاً، وحتى التاسعةِ ليلاً، مع ممارسةِ أقسَى أنواعِ العقابِ، وبعد ذلك نُقلتُ إلى معتقلِ حوّارة لمدةِ ساعةٍ، ثم إلى سجنِ مجِدو، وأنا مكبَّلُ اليدينِ بالقيودِ، ومعصوبُ الجبينِ، إضافةً إلى ممارسةِ أبشعِ أساليبِ التعذيبِ؛ من ضربٍ وشتمٍ وصفعاتٍ على الوجهِ؛ لإجباري على الاعترافِ”.
إهمالٌ طبيٌّ :
بينما يفيدُ الأسيرُ أنور عبيد (16)عاماً، من سكانِ العيسوية في القدس، والمحكومُ عليه بـ (20) شهراً، إضافةً إلى فرضِ غرامةٍ ماليةٍ بقيمةِ (3000) شيكل، بأنه يتعرضُ للإهاناتِ والتعذيبِ المستمرِّ والشبحِ بمعتقلِ المسكوبيةِ، وهو مقيّدُ القدمينِ واليدينِ.
مكثَ الأسيرُ “عبيد” في التحقيقِ لمدةِ (29)يوماً على التوالي، رغمَ حالتِه الصحيةِ المترديةِ، يقول:” كان يوجِّهُ لي المحققُ الصفعاتِ والضرباتِ على وجهي خلال التحقيقِ وبقوةٍ، غيرَ مراعي وضعي الصحي، كوني أُعاني من أوجاعٍ حادةٍ في البطنِ، وتعرُّضي لنزيفٍ داخلي في الكبدِ، وبحاجةٍ إلى متابعةٍ طبيةٍ وإجراءِ الفحوصاتِ.”
ظروفُ اعتقالٍ قاسيةٌ :
وفي شهادةٍ أخرى للطفلِ “يحيى الرجبي” من الخليل، وثّقها نادي الأسيرِ الفلسطيني، ” تمَ وضعُه في زنزانةِ معتقلِ ‘عتصيون’ لِما يقاربُ (18) ساعةً دونَ ماءٍ أو طعامٍ، مع إطلاقِ نارٍ كثيفٍ بين قدميهِ، والضربِ المبرحِ بواسطةِ أعقابِ البنادقِ، والركلِ بالبساطيرِ على بطنِه وظهرِه ورأسِه، وبحسبِ ما بيّنه نادي الأسيرِ؛ بأنه تمَ نقلُه للتحقيقِ معه إلى “كريات أربع”، وبدأتْ بحقِّ “الرجبي” رحلةَ التعذيبِ النفسي والجسدي، واستمرتْ حتى إطلاقِ سراحِه”.
ووفقاً لأقوالِ محامي جمعيةِ نادي الأسير؛ نستعرضُ شهادةِ الطفلِ “مالك محمود حسين زيد” من رام الله، والمُحتجزِ في سجن “هشارون”،: ” اعتقلتُ من البيتِ، وتم نقلي إلى مستوطنةِ بيت إيل من الساعةِ الثانيةِ ليلاً وحتى التاسعةِ صباحاً، وتمَ وضعي مع آخَرينَ في غرفةٍ صغيرةٍ، وأثناء نقلي إلى سجنِ عوفر؛ خضعتُ لثلاثِ مراتٍ من التحقيقِ، وخلالَ عمليةِ النقلِ من سجنٍ إلى آخَرَ؛ تعرضتُ للضربِ والشتمِ والقمعِ.
حادثٌ مفتَعلٌ :
لم تكنْ حادثة الطفلِ “أمير عوض” أمراً عرضياً؛ بل حادثاً مفتعلاً من قبل جنودِ الاحتلالِ، الذين أطلقوا كلابَهم البوليسية على “أمير”؛ ما تسبّبَ بإصاباتٍ شديدةٍ له، وتم منعُ العائلةِ من انقاذِه، وذلك حسبَ شهادةِ عائلةِ الأسيرِ عوض.
يذكرُ أنّ الأسيرَ “أمير” تمَ اعتقالُه أثناء عملهِ بأرضِ عائلتِه، قربَ بوابةِ مستوطنة ” كرمي تسور” ، المقامةِ على أراضي البلدة، وتعرّضَ لأبشعِ عملياتِ التعذيبِ، ويبقى “أمير” واحداً من عشرات الأطفالِ الذين يتعرضون للتعذيبِ بكافةِ أشكالِه الجسدي والنفسي.
سياسةٌ تعسفيةٌ :
وبدَورِه يوضحُ محامي نادي الأسير “مفيد الحاج”، والذي يترافعُ عن المعتقلين في محاكمِ الصلح “الإسرائيلية” في القدس، بأنّ بعضَ مناطقِ التماسِ تشكّلُ أماكنَ “لاصطياد” أو لاعتقالِ الأطفال، منها بلدة بيت أمّر في الخليل، والتي تتركزُ فيها عملياتُ الاعتقالِ، وبلدة سلوان في القدس، والنبي صالح في رام الله، وبلدة تقوّع في بيت لحم، والتي يتركزُ فيها جنودُ الاحتلالِ بشكلٍ دائم.
وحولَ انتهاكاتِ قواتِ الاحتلالِ لحقوقِ الأطفالِ الفلسطينيين في سجونِها، يؤكدُ محامي نادي الأسير بأنّ هناك مخالفةً واضحة لميثاقِ حقوقِ الطفلِ الصادرِ عن الأممِ المتحدة، لا سيما وأنّ المعتقلينَ يواجهونَ معاملاتٍ صعبةً، و قاسيةً وغيرَ أخلاقيةٍ، علاوةً على الانتهاكاتِ التي يتعرضُ لها أطفالُ القدس، من قيام شرطةِ الاحتلالِ باعتقالِهم دونَ سابقِ إخطار، وتعرّضِهم للضربِ والتعذيبِ أثناء عمليةِ الاعتقال.
مأوى للقذارة :
ويوضحُ بأنّ قانونَ الأحداثِ الإسرائيلي، يكونُ فيه الطفلُ من عمر (12)عاماً حتى السن القانوني (18)عاماً، ويتضمنُ هذا القانونُ قواعدَ تختلفُ عن القواعدِ المعمولِ بها في القوانينِ الجنائيةِ للبالغينَ، كما أنه توجدُ محكمةٌ خاصةٌ للنظرِ في قضايا الأحداثِ، وكذلك قضاة مختصين.
وعن أماكنِ احتجازِ الأطفالِ المعتقلين، ينوّه إلى أنه يتمُ احتجازُهم في معتقلِ “عوفر”، رغم وجودِ مراكزَ توقيف أخرى منها، (المسكوبية، الجلمة، بيتح تكفا، عتصيون، حوارة).
يعاني الطفلُ المعتقلُ في بعض مراكزِ التحقيقِ من وضعِه داخلَ زنزانةٍ صغيرةٍ تتسعُ لفرشة واحدة، وقسمٌ من تلك الزنزانةِ تكونُ حفرةٌ في الأرضِ، ومكانٌ مقززٌ ومتسخٌ لقضاءِ الحاجةِ، وتخرجُ منه روائحُ كريهة، والفرشةُ باليةٌ متسخةٌ، وأحياناً بطانيةٌ خفيفةٌ قذرةٌ، والزنزانةُ باردةٌ مع إضاءةٍ صفراءَ تلمعُ طيلةَ الوقتِ دونَ توقف، ولونُ الحائطِ رمادي يؤلمُ العينين، ومدببة لا يمكنُ الاتكاءُ عليها، ويبقى الطفلُ المعتقلُ داخلِها لأيامٍ طويلةٍ تصلُ أحيانا إلى عشراتِ الأيامِ، ويتمُ إخراجُه يومياً ليتمَ التحقيقُ معه لساعاتٍ، وذلك لإحباطِه، وإذلالِه، والحصولِ منه على اعترافاتٍ بأمورٍ لم يقمْ بها، والإدلاءِ بشهاداتٍ ضد أطفالٍ آخَرين أبرياءَ، وذلك حسبَ ما بيّنه محامي نادي الأسير في حديثِه لنا.
تضليلُ الحقائقِ :
ويواجهُ المحامونَ داخلَ المحاكمِ الصهيونيةِ عدّةَ قراراتٍ تتعلقُ بمنعِ لقاءِ الطفلِ بمحاميهِ الخاص، وحرمانِه من الوصولِ إلى المساعدةِ القانونية، وجاء ذلك تأكيداً من المحامي إياد مسك بالقول:” المحققونَ يصيغوا الموضوعَ للطفلِ المعتقلِ بحيثُ لا يدركُ أهميةَ ما يطرحُه المحققُ، فعادةً يسألُ المحققُ الطفلَ، هل لديك محامي؟، فيجيب الطفل لا!، وهذا نابعٌ من عدمِ معرفةِ الطفلِ بحقوقِه القانونية”، إضافةً إلى تعرضِ الأطفالِ لحملةٍ من التضليلِ من قبلِ المحققين؛ لإجبارِهم على الاعترافِ.
وفي ذات السياقِ تشيرُ مؤسساتٌ حقوقيةٌ إلى أنّ حملةَ الاعتقالاتِ ضد الأطفالِ الفلسطينيين تتخذُ شكلاً عنصرياً، ويظهرُ ذلك جلياً بطريقةِ التعاملِ معهم في المحاكمِ، سواءٌ المدنيةَ أو العسكريةَ، بالمقارنةِ مع تعاملِ سلطاتِ الاحتلالِ الإسرائيلي مع الأطفالِ من أصلٍ يهودي، مع التأكيدِ على أنّ أطفالَ القدسِ يتعرضونَ لسياسةٍ تعسفيةٍ من قبلِ المحققينَ خاصةً في سجنِ المسكوبيةِ.
استنكارٌ وإدانةٌ :
ومن جانبه يؤكدُ نادي الأسير في الضفة المحتلةِ؛ بأنّ سلطاتِ الاحتلالِ الإسرائيلية تعتقلُ في سجونِها أكثرَ من (400) طفلٍ قاصرٍ فلسطيني، تتراوحُ أعمارُهم بين (12-17) عاماً، بينهم (16) فتاةً أصغرُهنّ ديما الواوي (12)عاماً، من محافظةِ الخليل، مشيراً إلى أنّ معظمَ المعتقلينَ محكومونَ بالسجنِ الفعلي، وآخَرونَ رهنُ التوقيفِ، وعددٌ آخرُ صدرَ بحقِه أوامرُ اعتقالٍ إداري، وهم موزّعونَ على اثنينِ من السجونِ المركزيةِ (عوفر، ومجدو)، مع التأكيدِ على أنّ معظمَ العقوباتِ التي ترفضُها محاكمُ الاحتلالِ، على الأطفالِ المقدسيينَ وفقاً للمحامينَ الذين يترافعونَ عنهم هي: فرضُ غراماتٍ ماليةٍ، وكفالاتٍ، أو ما تُعرفُ بكفالاتِ طرفٍ ثالثٍ، والإقامةِ الجبريةِ بالبيتِ، إضافةً إلى الإبعادِ عن مكانِ سكناهم.
ويجدّدُ نادي الأسير مطالبتَه للمؤسساتِ الحقوقية الدوليةِ ببذلِ جهودٍ أكبرَ لحمايةِ الأطفالِ الفلسطينيين، وعلى رأسِها منظمةُ الأممِ المتحدةِ للطفولةِ “اليونيسف”.
لقد أثبتتْ كلُّ الحقائقِ التي تمَ استعراضُها عبرَ شهاداتٍ للأطفالِ، إضافةً إلى عددٍ من شهاداتِ المحامينَ المدافعينَ عنهم؛ بأنّ ما يجري هو عمليةٌ مدروسةٌ وممنهجةٌ، وأنّ الأساليبَ المستخدَمةَ بحقِّ الأطفالِ تهدفُ لخلقِ طفلٍ فلسطيني يعيشُ حالةَ رعبٍ من الجندي الإسرائيلي، بالمقابلِ لقد رُصدتْ العديدُ من المطالباتِ الحقوقيةِ؛ تطالبُ بوضعِ حدٍّ لإسرائيلِ تُجاهَ هذه السياسةِ؛ إلاّ أنّ المطالباتِ لم تلقَ آذاناً، رغمَ وجودِ بعضِ الحقوقيينَ والمؤسساتِ الإسرائيليةِ، التي انتقدتْ تصرّفَ الشرطةِ والمحققينَ ومجرياتِ المحاكماتِ، التي تجري بحقِّ الأطفالِ، إلاّ أنّ الأمرَ السياسي الإسرائيلي القائمَ يفرضُ على أفرادِ الشرطةِ وكذلك المحقّقينَ، والقضاةِ، سياسةً معيّنةً، كما يجري تحديداً في القدسِ.