أحياء القلوب و الأرواح

إعداد: آصال أبو طاقية
في يومٍ ملأهُ الغمامُ الأسودُ في قلوبِ مَن أحبُّوهُ، وعدُّوا على أصابعِهم اليومَ بعدَ الآخَرِ ليتلاقوا معه حينَ الإفراجِ عنه ، ويتنسَّموا عبيرَ حديثِه، بعدَ أنْ زجّتْ به السلطةُ في سجنِ ” الوقائي ” ببيتونيا عام( 2002 )م، يدْعونَ اللهَ ليلَ نهارَ أنْ يمُنَّ عليهم بلقاءٍ يطفئُ لوعةَ الاشتياقِ إليه !
فُجأة قُصفَ المكان ” السجن ” ، ماذا حدث؟ كيف حدث؟ ماذا حلَّ به؟ أحَيٌّ هو أَم أضحى شهيدَ الحقِّ و الحريةِ؟
-
،،،
الأسير المحرر : أحمد عبد الكريم أبو طه.
الحكم : 27 عاماً .
المدّة التي قضاها في السجن : 10 أعوام .
،،،
الكُلّ يبكي ، يتساءلُ ، يصرخُ ، يهروِلُ هنا وهناك ، يستفسرُ ، هل فُقد فِلذةُ كبدي؟ لا لن يموتَ! كيف يموتُ وأنا الذي أتنفسُ بأنفاسِه!، بُنيَّ كنْ بخيرٍ، أرجوك يا إلهي لا توجعْ قلبي برحيلِه، بفقدانِ طلّتِه إلى الأبدِ! لكنه القدَرُ… و ليس لنا إلا الرِّضى.
قدّمَ الجميعُ لذويهِ واجبَ العزاءِ، لكنّ الأمرَ مازال خارجَ دائرةِ الاستسلامِ لفكرةِ الرحيلِ الموجِع، القلبُ يرفضُ الأمرَ، كلّما تطرّقَ الحديثُ إلى آذانِهم، نَفضوا رؤوسَهم، يُجبِرونَ العقلَ أنّ ” أحمد ” لايزالُ حياً، والصورةُ أمامَهم تخبِرُهم بعكسِ ذلك ! فهو حيٌّ في القلوبِ وفي العقولِ و في الأذهانِ.
مرَّ شهرٌ بالتمامِ والكمالِ ، والوجعُ يُكملُ فصولَه القاسيةَ على قلوبِ ذويهِ !
” أحمد لا يزالُ حيّاً ، وهو موجودٌ في السجونِ الإسرائيلية “رسالةٌ وصلتْ من الصليبِ الأحمرِ لوالدَي أحمد، سجدوا للهِ، أظهروا عظيمَ الامتنانِ لخالقِهم ، لم تُخذلْ قلوبُهم، لقد صدقَ القلبُ حينما هجرتْ أرواحُهم فكرةَ رحيلهِ للأبدِ .
المنعُ أكملَ حكايتَه مع ذوي أحمد، فلم يستطيعوا زيارتَه لعامينِ ونصف، حتى منّ اللهُ عليهم بلقائه بعدَ ذلك ، فكان تصريحاً لمرةٍ واحدةٍ فقط ، لم يكنْ تصريحاً بقدْرِ ما كان سماحاً للَّوعةِ والاشتياقِ والألمِ أنْ يسري في قلوبِهم جميعاً .
فتحتْ الأبوابُ المؤصَدةُ، لكنّ شِباكَ الظلمِ حجزتْ أنْ يرتميَ أحمد بحِضنِ مَن أَحبّها، وبرَّها، وأقسمَ على أنْ يكونَ نِعمَ الولدِ الصالحِ لها !
صمتٌ خيّمَ على المكانِ سِوى صوتِ البكاءِ الذي كان يتردّدُ على مسامعِهم ، يتفحصُ ” أحمد ” وجهَ والدِه، يراهُ قد كبِرَ عشرينَ عاماً على عمُرِه، وكذا والدته التي لم تفتأْ أنْ تُردِّدَ جملةً واحدةً ” حبيبي أحمد، هل أنت بخير ” ، تُريدُ أنْ تُشبِعَ عينيها من رؤيةِ ” أحمد ” ولكنْ هيهاتَ لأنْ يشبعَ القلبُ من الشوقِ! ، والألمُ يفتحُ أذرُعَه مُشرعاً لحكايةِ الألمِ أنْ تبدأَ من جديدٍ في هذه الزنازين !