بناتُنا والموضة !!

بقلم د. عطا الله أبو السبح
في شوارِعنا- وخاصةً في محيطِ الجامعاتِ – ترى مَشاهدَ لبعضِ الطالباتِ غريبةً ، وأحياناً مُستفِزَّةً ، أمّا من حيثُ غرابتِها ؛فعن المألوفِ من عاداتِنا وتقاليدِنا ، فالبناتُ في المرحلةِ الجامعيةِ – في المرحلةِ العمريةِ ما بينَ الثامنةَ عشرَ والثانيةِ والعشرينَ – حيثُ المراهقةُ والنضجُ والتقلُّباتُ العاطفيةُ والمزاجيةُ، وتأجُجُ المشاعرِ، نراهنُ وقد حشرنَ أجسادَهن في ملابسَ ضيقةٍ، لا تكادُ تتسِعُ لنصفِ جسدِ البنتِ ؛ سواءٌ البنطالُ أو البلوزةُ أو القميصُ ( التِي شِيرت ) تبدو فيه وكأنها قد ارتدتْ أوراقاً لاصقةً لا ملابسَ، وقد تأكّدَ أنّ لهذا النوعِ من اللباسِ أضراراً شتّى، يأتي في مقدمتِها ما يكونُ على الجسدِ نفسِه ، إذ تَكتُمُ المَسامَ؛ فتُقلّلُ من نسبةِ التهويةِ وتصريفِ العرَقِ، الذي يُحشرُ ما بين الجلدِ واللباسِ، فتفوحُ روائحُه الكريهةُ، ويفعلُ بأملاحِه وتراكيبِه الكيميائيةِ – في الجلدِ – الأفاعيلَ، ممّا يؤدّي إلى الإصابةِ ( بالأرتكاريا ) أو الالتهاباتِ غيرِ محمودةِ العاقبةِ ، فضلاً عن أنها تكونُ وسطاً مناسباً لنموِّ البكتيريا والفطرياتِ، خاصةً إذا كانت الملابسُ غيرَ قطنيةٍ، أو من مُركّباتٍ بتروليةٍ لا تتشرّبُ الإفرازاتِ .
كما أنّ لها أضراراً على الجهازِ التناسلي للمرأةِ؛ إذ تأكّدَ أنها تُفضي إلى إضعافِه؛ حتى الوصولِ إلى حالةِ البرودِ الجنسي ، الأمرُ الذي يُفضي إلى حالاتٍ من العقمِ ، وفقدانِها أهمَّ غريزةٍ تربطُها بالحياةِ ، وهي الأمومةُ ، فتعيشُ حسراتِ الواقعِ والمستقبلِ، وقد فقدتْ وظيفتَها الأهمَّ في بناءِ بيتٍ يكونُ لها فيه زوجٌ وذرِّيةٌ ، والتي هي بلا شكّ زينةُ الحياةِ الدنيا وبهجتُها .
ولها ضررٌ اقتصاديٌّ؛ فبيوتُ الأزياءِ والمُصمِّمونَ لا يتوقفونَ عن ابتكارِ الموديلاتِ والزخارفِ ، فيَنشُبُ الصراعُ بين الرغبةِ والإمكاناتِ ، فإذا انتصرتْ الرغبةُ؛ اضطُّرتْ الفتاةُ إلى مجاراتِها بلا إمكاناتٍ ، ممّا قد يقودُها إلى سلوكٍ مشينٍ من تقبُّلِ هدايا أو طلبِها ممّن لا يؤمَنُ جانبُه ، سواءٌ في الذكورِ أو الإناثِ، والذي يؤدِّي في النهايةِ إلى حالاتٍ من السقوطِ الأخلاقيّ أو الأمنيّ، وقد يدفعُها إلى الإلحاحِ في الطلبِ من أمِّها أو أبيها ، وأمامَ قيمةِ الدخلِ، وفراغِ اليدِ؛ تنشُبُ خلافاتٌ وشجاراتٌ وخصوماتٌ، ممّا يؤدّي إلى تعاسةِ الأُسرةِ وتفكُّكِها ، ممّا يضطَّرُها في نهايةِ المطافِ إلى الاستسلامِ للواقعِ الذي تشعرُ حِيالَه بالحرجِ والكسوفِ أمامَ صويحِباتِها الأكثرِ تنعُّماً ويُسرًا، فتعيشُ عُقدةَ الإحساسِِ بالدونيةِ، ممّا ينعكسُ سلباً على اندماجِها في المجتمعِ الجامعيّ، وعلى تفاعلِها أثناءَ الدرسِ ( استقبالاً وإرسالاً ) وبالتالي تدَنِّي التحصيلِ ومن ثَم الدرجاتِ، والتي قد تؤدي بصاحبتِها إلى النجاحِ ( بالزَّقِ ) أو حتى الفشلِ والرسوبِ ، فتميلُ إلى الانطواءِ والعزلةِ، ولا تتوقفُ عيناها عن متابعةِ كلِّ جديدٍ على أجسادِ الزميلاتِ وحتى الزملاءِ ، فتَكرَهُ نفسَها وتكرَهُ بيتَها ، ويستبدُّ بها القلقُ على مستقبلِها وعلاقاتِها ، وتصبحُ رفيقةً للدموعِ والبكاءِ … .
أمّا من حيثُ أنها مستفِزَّةٌ … فمَن لديهِ أدنَى إحساسٍ بالغَيرةِ على دينِه؛ إذ يرى في هذا اللباسِ مخالفةً صريحةً لشروطِ الالتزامِ الذي يُرضي اللهَ عزَّ وجلَّ ، فهو يرى فيها كاسيةً عاريةً ، ويُصنِفُها ضمنَ الفاسقاتِ الماجناتِ ، خاصةً إذا كان أخاها أو أحداً من أقربائها المُقرّبينَ فيبدأ الصراعُ بين الحقِّ والباطلِ ، وما يَتبَعُه من صراخٍ وعراكٍ؛ وقد يصلُ إلى التفاهمِ باللكماتِ لا بالكلماتِ ، وقد يمتدُّ الأمرُ إلى أبعدَ من ذلك أمامَ إصرارِ الأخِ، خاصةً إذا وجدَ رضاءً وسكوتاً من الأبِ أو الأمِّ على سلوكياتِ أختِه، وهنا تقومُ الدنيا ولا تَقعُدُ بعدَها؛ إلاّ بتمزيقِِ النسيجِ الاجتماعيِّ للأسرةِ، ما بينَ عنادِ البنتِ وعنادِ أخيها؛ الذي يشعرُ بأنّ العارَ قد جلَّلَه من قدَمِه حتى أعلَى رأسِه …
هذا إلى جانبِ نظراتِ الاشمئزازِ والتندُرِ التي تشوي وجهَها وقفاها في كلِّ خطوةٍ تخطوها ، ممّا يوَلدُ لديها ( بلادةً ) و ( لا مُبالاة) تَقتلُ لديها الرغبةَ في احترامِ هذا المجتمعِ الذي تُعايشُه، بعدَ أنْ يترَسَّخَ لديها قناعةٌ أنهم حفنةٌ من المتخلّفينَ الرجعيّينَ … ممّا يجعلُها تعيشُ تعاسةً لا حدَّ لها ولا نهايةَ ، كان يمكنُ تلافِيها بشيءٍ من الاعتدالِ …
وإلى هنا أتوقفُ لنستأنِفَ الحديثَ في ملتقىً قادمٍ إنْ أفسحَ اللهُ لنا في الأجلِ … فإلى المُلتقَى .