غير مصنف

نساء يصنعن مستقبلهن ويخضن غمار العمل عبر العالم الأزرق

تقرير- أمل زياد عيد

هي سيدةُ العالمِ بالصبرِ والتحدّي، نِصْفُ المجتمعِ هي؛ ولا نُبالِغُ إنْ قُلنا إنها كلُّ المجتمعِ ، وُجِدتْ في كلِّ الميادينِ ناجحةً وقائدةً ! هي أمٌّ وأختٌ وابنةٌ ، وبرغمِ كلِّ الظروفِ المحيطةِ بها؛ من حصارٍ وإغلاقٍ للمعابرِ، وقِلّةِ فُرصِ العملِ؛ إلاّ أنها صاحبةُ مشروعٍ خاصٍّ بها، فمِن مَوهبةٍ تمتلِكُها… إلى مشروعٍ تَقودُه،  ومن مواقعِ التواصلِ افتَتحتْ متجراً خاصاً بها، تُسوِّقُ وتَنشُرُ عن طريقِه أعمالَها وفنَّها اليدَويّ .
“السعادةُ” تقدّمُ في مساحتنا؛ نماذجَ  لنساءٍ أصبحنَ صاحباتِ مشاريعَ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي “الفيس بوك وتويتر “، البطالةُ وقِلّةُ فُرصِ العملِ، وحُبُّ الأشغالِ اليدويةِ؛ كانت عاملاً مشترَكاً بين المهندسةِ (منار البنا 28عاماً، وسُمية شاهين 30 عاماً) جعلَهُنَّ يبحثنَ عن عملٍ يتحدَّينَ فيه ظروفَ الحياةِ الصعبةِ .

تقول منار :” برغمِ امتلاكي شهادةً جامعيةً بِتَخصُّصِ الهندسةِ المعماريةِ ؛ إلاّ أنّ فُرصَ العملِ قليلةٌ جداً، وكانت عبارةً عن عقودِ بطالةٍ مؤقّتةٍ، وبِدَخلٍ ماديٍّ بسيطٍ! وكذلك الحالُ بالنسبةِ لصديقتي وشريكتي في العملِ “سُمية” خرّيجةِ لغةٍ انجليزية ، وهذا ما جعلَنا نبحثُ عن مشروعِنا الخاصِّ؛ لنوفِّرَ فيه كلُّ جُهدِنا ووقتِنا بدَلاً من انتظارِنا عقودَ البطالاتِ والعملِ المؤقتِ، ، ويكونَ مصدرَ دَخْلِنا الخاصِّ، ونحقّقَ فيه كلَّ أحلامِنا، ونعملُ بما نحبُّ ونَهوَى “.
وتتابعُ سُمية :” لأنَّ لدَينا القدرةُ على تصميمِ الملابسِ والأزياءِ؛ قُمنا بتدريبِ أنفسِنا على خياطةِ الملابسِ والتطريزِ والأشغالِ اليدويةِ؛ عن طريقِ أخذِ دوراتٍ و”كورسات” خاصةٍ بها، لنبدأَ عملَنا بقوةٍ ونجاحٍ “.

استقرارٌ مادّي :

ولقد حقّقتْ كلٌّ من “سُمية ومَنار” العديدَ من الأهدافِ من مشروعِهنَّ؛ كالاستقرارِ الماديّ والوظيفيّ والذاتيّ،  وتحقيقِ طموحِهما وتوصيلِ رسالتِهما وفنِّهِما لشريحةٍ كبيرةٍ جداً من المجتمعِ ، والحفاظِ على الهُويةِ الفلسطينيةِ والتراثِ الفلسطينيّ الذي أصبحَ في طريقِ الاندثارِ! بسببِ دخولِ المنتَجاتِ المستورَدةِ لأسواقِنا، فنحن نحاولُ أنْ نحافظَ على ثقافتِنا، وذلك من خلالِ تصميمِ الأزياءِ التي تَبرُزُ فيها الألوانُ والثقافةُ الفلسطينيةُ،  وعرضِها على الفتياتِ، ومن ثَم خياطتِها وتطريزِها .

كان لمواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ الأثرُ الكبيرُ في صقْلِ موهبتِهما، وتسويقِ منتجاتِهما، حيثُ ساعدتْهما على الوصولِ بشكلٍ أسرعَ وأكبرَ لعددٍ كبيرٍ من الزبائنِ، وقدرتِهما على نشْرِ أعمالِهما على أوسعِ نطاقٍ داخليّ وخارجيّ،  وترَى “منار” أنّ (فيس بوك)  ميزةٌ للزبائنِ أنفُسِهم ؛ فهُم قادرونَ على اختيارِ ما يريدونَ، وتحديدِ مواصفاتِ المُنتَجِ دونَ عناءٍ، لافتةً إلى أنّ جمهورَ (فيس بوك) يختلفُ كثيرًا عن الجمهورِ التقليديّ، إذ يحتاجُ دومًا إلى طرُقِ

عَرْضٍ وتسويقٍ جديدةٍ.

تمتلكُ المهندسةُ “فدوى نايف” خرّيجةُ بكالوريوس هندسه مناظر”35 عاماً ” هوايةً في فنِّ وتشكيلِ وصياغةِ الفِضّةِ منذُ أيامِ الدراسةِ، وبدأتْ طريقَها في عملِ الفِضةِ وصياغتِها منذُ أربعِ سنواتٍ .

ما تقومُ به “فدوى” هو عبارةٌ عن تصنيعِ وصياغةِ الحُلِيِّ الفضيةِ بالصَّهْرِ و التشكيلِ، و تصنيعِ الحُلِيِّ من الشرائحِ والأسلاكِ الفضيةِ، وباستخدامِ العددِ اليدويةِ و مشغل الَّلهبِ، وتشكيلِ المَصوغاتِ، وتنفيذِ عملياتِ الزخرفةِ و الرسمِ على المَصوغاتِ، وتركيبِ المجوهراتِ والأحجارِ الكريمةِ، وتشطيبِ الحُلِيِّ و تنظيفِها وتخزينِها، و إصلاحِ بعضِها، حيثُ يمرُّ عملُها بعِدّةِ مراحلَ تبدأُ بالتصميمِ ، وتَستخدمُ عِدّةَ أدواتٍ لإخراجِ عملِها الفنيِّ، و منها ما يكونُ خَطِراً يَتطلّبُ حِرصاً شديداً .

حلقةُ تَواصلٍ عالميةً :

كانت المعارضُ الوسيلةَ الأُولَى عند “فَدوى” للتواصلِ مع المجتمعِ؛ حيثُ شاركتْ بعِدّةِ معارضَ،  ثُم جاء (فيس بوك) ليزيدَ من هذا الانتشارِ،  وتقولُ :” الفيس بوك هو حلقةُ التواصلِ بيني و بين الناسِ، مِن خِلالِه أستقبِلُ الطلباتِ ، دونَ الحاجةِ إلى افتتاحِ محلٍ تجاريٍّ، أوِ المشارَكةِ في المَعارضِ ، وساعدَني على الوصولِ إلى شريحةٍ كبيرةٍ من الناسِ بكلِّ سهولةٍ، وإمكانيةِ الوصولِ إلى المُتابِعينَ على مستوى العالمِ كلِّه، وليس في غزةَ فقط”.
هذا العملُ بالنسبةِ “لفَدوى” هو الحُلمُ الذي يراوِدُها دوماً، ولهذا سَعتْ لتحقيقِه مُتحدِّيةً كلَّ الصعوباتِ التي تُواجِهُها! وبالفعلِ نجحتْ “نايف” في إبرازِ موهبتِها، وجَعلِها مصدرَ دخلٍ وعملٍ خاصٍّ لها، شعرتْ من خلالِها بالاستقلاليةِ والنجاحِ .

نِصفُ المجتمعِ :

المرأةُ الفلسطينيةُ ليست كغيرها من نساء العالم؛ فرغمَ الألمِ الذي مرّتْ فيه منذُ النكبةِ وإلى الآن: من وضْعٍ اقتصاديّ مُدقِعٍ، وفقدانِ الزوجِ والابنِ والأخِ… كلُّ هذه الظروفِ وغيرُها أجبرتْ الأمَّ الفلسطينيةَ علي التكيُّفِ والموائمةِ مع كلِّ هذه المتغيّراتِ، وتحمَّلتْ تبِعاتِ تغييرِ الدورِ الاجتماعيّ لها؛ من أُمٍّ ومُربِّيةٍ إلى عاملةٍ ومساعِدةٍ في شؤونِ الأُسرةِ، فبدأتْ من وقتٍ بعيدٍ في ابتكارِ كلِّ ما هو جديدٌ؛ لِتُعينَ مَن تعولُ، ولتستطيعَ أنْ تؤمِّنَ مستقبلَها ومستقبلَ أبنائها، للوصولِ لتحقيقِ آمالِها وطموحاتِها،  فما هي العواملُ التي تساعدُ المرأةَ على أنْ تكونَ مُبادِرةً وصاحبةَ مشروعٍ؟ .

يُحدِّثُنا عن تلكَ العواملِ الأخصائيّ النفسيّ “إسماعيل أبو ركاب” ويقول :” على صعيدِ البناءِ النفسيّ الداخليّ؛ فقد خلقتْ مصاعبُ الحياةِ وضعاً جديداً للمرأةِ الفلسطينيةِ , فلم تَعُدْ تقفُ أمامَ الحاجةِ الخاصةِ لها؛ كالحقِّ في الزواجِ وتكوينِ أسرةٍ  فقط، إنما تَعدّتْ ذلك إلي الاحتجاجِ على القيودِ النفسيةِ والاجتماعيةِ، فقد توَلّدتْ أمامَها مجموعةٌ من الاحتياجاتِ والاهتماماتِ التي جعلتْ منها كائناً متفرِّداً, حيثُ حلَّ الانضباطُ محلَّ الانفعاليةِ, وتقديرُ الذاتِ والاستقلالُ بدَلَ الخضوعِ وانعدامِ الشخصيةِ, وتأكيدُ الذاتِ بدَلَ الجهودِ الساذَجةِ للتمتعِ بالحياةِ،  وكانتْ قدرتُها على التكيّفِ مع الواقعِ من أعظمِ عواملِ صمودِها، لذلك يمكنُ الاعترافُ بحقيقةٍ مَفادُها أنّ المرأةَ الفلسطينيةَ دخلتْ ميدانَ العملِ نتيجةَ الضغوطاتِ الاقتصاديةِ والمتغيِّراتِ الأُسريةِ والاحتياجاتِ المتزايدةِ مقابلَ قلّةِ المواردِ”.

ويُلخّصُ “أبو ركاب” العواملَ التي تساعدُ المرأةَ للمبادَرةِ والنجاحِ في:” احترامُ الذاتِ الذي تَشعرُ فيه المرأةُ الفلسطينيةُ المنتِجةُ بقدرتِها على تَحمُّلِ المسؤوليةِ، وقدرتِها علي التكيفِ مع الواقعِ ، المكانةُ الاجتماعيةُ للمرأةِ العاملةِ والمُنتِجةِ  التي استطاعتْ تَحمُّلَ أعباءِ الحياةِ، واستطاعتْ أنْ تنقلَ أُسرتَها من الخطرِ إلى بَرِّ الأمانِ ، الشعورُ بالمسؤوليةِ والفخرِ بالمهنةِ, وتقديمُ شيءٍ مفيدٍ للمجتمعِ  ، اقتناعُ المرأةِ الفلسطينيةِ بأنها إنْ لم تكنْ مُبادِرةً ومبتكِرةً؛ فإنها لن تستطيعَ أنْ تؤمِّنَ نفسَها، ومَن تَعولُ من أفرادِ أسرتِها، الشعورُ بالأمنِ النفسيّ والاجتماعيّ، وذلك ما يزيدُ من دافعيةِ المرأةِ الفلسطينيةِ لِتَحدّي الصعابِ “.

نصائحُ لتكوني مُبادِرةً :

وينصحُ “أبو ركاب” جميعَ النساءِ اللواتي يرغبنَ في تكوينِ مشروعٍ خاصٍّ بِهِنَّ؛ بأنْ تستغلَّ التعاطفَ والرِّضا والدعمَ الاجتماعيَّ والثقافيَّ للمرأةِ المُنتِجةِ والمُبادِرةِ؛ في تكوينِ أفكارٍ للمشاريعِ، وتطبيقِها على أرضِ الواقعِ ، وأنْ تنظرَ إلى التجاربِ الناجحةِ لنساءِ تُشابِهُهنَّ في الوضعِ الاجتماعيّ والاقتصاديّ، واعتبارِ ذلك دافعاً للاقتداءِ والبدءِ بتنفيذِ مشروعٍ قد يُغيِّرُ من مسارِ حياةِ الأسرةِ بأكملِها  ، وكما يقولُ المَثلُ:  “الوقت مار بيك وبدونك ”
ويؤكّدُ أنّ  لِكُلِّ امرأةٍ طاقةً كامنةً للمُبادَرةِ والإنتاجِ، فإذا ما شعرتْ بقُدرتِها علي الإنتاجِ والعملِ؛ زادَ ذلك من قدرتِها على التخفيفِ من الأعباءِ النفسيةِ والاجتماعيةِ، وزادَ من قدرتِها علي تحقيقِ أُمنيّاتِها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى