مُبادَرةٌ لتعميمِ لغةِ الإشارةِ لدمجَ أصحابِ الإعاقةِ السمعيةِ بالمجتمعِ

تقرير:ديانا المغربي
على كافةِ المفترَقاتِ الرئيسةِ، و بكافةِ الأماكنِ العامةِ بقطاعِ غزة، تَواجدَ عددٌ من الشبانِ والشاباتِ من أصحابِ الإعاقةِ السمعيةِ؛ في محاولةٍ منهم لتوزيعِ أوراقٍ تحتوي على رسوماتٍ مصحوبةٍ بتوضيحاتٍ لكلِّ رسمٍ هي بالأساسِ رسوماتٌ وأشكالُ لِلُغةِ الإشارةِ التي يستخدمُها أصحابُ الإعاقةِ السمعيةِ؛ للتواصلِ فيما بينَهم في محاولةٍ منهم للبحثِ عن طريقةٍ تدمجُهم بالمجتمعِ دونَ الحاجةِ إلى التنقلِ بِمُرافقٍ أو برُزمةٍ من الأوراقِ وقلَمٍ؛ لتُمكِّنَهم من قولِ ما يريدونَ لمن لا يُجيدونَ لغتَهم .
وهى مبادرةٌ مُمَّولةٌ من مؤسسةِ “أوكسفام– بريطانيا” في محاولةٍ لنشرِ لغةِ الإشارةِ في كافةِ المَرافقِ العامةِ في القطاعِ؛ لتسهيلِ وصولِ الأشخاصِ ذوي الإعاقةِ السمعيةِ(الصُّمّ) ودَمجهِم في المجتمع.
“هيفاء” واحدةٌ من أصحابِ الإعاقةِ السمعيةِ؛ تَواجدتْ على مُفترقِ السرايا بغزةَ ضِمنَ طواقمِ المبادرةِ؛ لتعميمِ اللغةِ التي تتحدّثُ بها ، استطعنا ومن خلالِ مساعدةِ شقيقتِها أنْ نُجريَ معها مقابلةً :” تقولُ لـ” السعادة ” :” على الرغمِ من بلوغي “19 عاماً ” إلاّ أنّ عائلتي ترفضُ ذهابي إلى أيِّ مكانٍ وحدي؛ خوفاً عليَّ من عدمِ فَهمِ الآخَرينَ لي؛ لأنه لا أحدَ يجيدُ لغةَ الإشارةِ في الشوارعِ العامةِ، وبالعادةِ يطلبونَ من شقيقتي مرافقتي إلى أيِّ مكانٍ .
“عندما سَمِعتُ عن مبادرةِ تعليمِ لغةِ الإشارةِ؛ قرّرتُ المشارَكةَ فيها، وخاصةً لتعليمِ لغةِ الإشارةِ للسائقينَ في الشوارعِ؛ لأنهم أكثرُ فئةٍ نقومُ بالاحتكاكِ بهم، وعادةً ما نضطّرُ إلى حَمْلِ ورقةٍ مكتوبٍ عليها اسمُ المكانِ الذي ننوي الذهابَ إليه ، لكنْ للأسف! الكثيرُ من السائقينَ يرفضونَ الانتظارَ لقراءةِ الورقةِ، ويبحثونَ عن رُكابٍ آخََرين” .
وتتابعُ:” أريدُ أنْ أشعرَ أنني كأيِّ إنسانٍ آخَرَ داخلَ المجتمعِ، أتحرّكُ بحريةٍ دونَ مُرافقٍ! وأتحدّثُ إلى البائعِ والسائقِ والطبيبِ، وكلِّ أفرادِ المجتمعِ بإشاراتٍ بسيطةٍ سيتعلَّمونَها مع الوقتِ؛ لأنها سهلةٌ وسريعةٌ، وتخدمُ فئةً كبيرةً في المجتمعِ ، منوِّهةً أنها ستشاركُ في كلِّ حملةٍ لتعميمِ لغةِ الإشارةِ؛ حتى تنتشرَ وتصبحَ متداوَلةً .
بينما يقولُ الشابُّ “محمد أبو عليان” والذي يعاني من إعاقةٍ سمعيةٍ منذُ الولادةِ : إنه بفِعلِ المبادرةِ لم يَعُدْ يواجِهُ الكثيرَ من المصاعبِ في التعاملِ مع المجتمعِ ، وخاصةً التنقُلَ بين المحافظاتِ عبرَ التاكسياتِ العامةِ، فكافّةُ السائقينَ تعلَّموا إشاراتِ المَناطقِ بِسرعةٍ كبيرةٍ ، بفضلِ مبادرةِ “تعميمُ لغةِ الإشارةِ الفلسطينية” التي نظَّمتْها مجموعةٌ من المؤسساتِ الأهليةِ العاملةِ مع الأشخاصِ ذوي الإعاقةِ.
ويتابعُ: لغةُ الإشارةِ هي لغةٌ عالميةٌ؛ لأنّ أصحابَ الإعاقةِ السمعيةِ لا حَصْرَ لهم بالمُطلقِ على مستوى العالمِ! ولذا لغتُهم يجبُ أنْ تكونَ شائعةً وواضحةً في كثيرٍ من الأماكنِ، ولدَى الغالبيةِ العُظمى من المجتمعِ الفلسطينيّ ، فرُبما يكونُ شقيقُكَ أو صديقُكَ أو ابنُكَ واحداً من أصحابِ هذه الإعاقةِ ، داعياً إلى عدمِ تمزيقِ لافتاتِ الحَملةِ من قِبلِ بعضِ “المُستهتِرينَ” من المواطنينَ .
لغةٌ أساسيةٌ
من جانبِه يقولُ “جهاد أبو عَزّة” مديرُ مدرسةِ الحنانِ لتأهيلِ المُعاقين:” إنَّ لُغةَ الإشارةِ أساسيةٌ للتعاونِ في المجتمعِ، والمُبادَرةُ هي سياسةٌ لنشرِ هذه اللغةِ، وجَعلِ المجتمعِ الفلسطينيِّ بكافّةِ شرائحِه يتعاملُ مع أصحابِ الإعاقةِ السمعيةِ ، وقد تمَّ التنسيقُ مع الجهاتِ الحكوميةِ من أجلِ وضْعِ المُلصقاتِ على الجدرانِ العامةِ، وداخلَ المستشفياتِ والبنوكِ والمحلاتِ التجارية.
ويضيفُ:” هناك بعضُ الفئاتِ المُستهترةِ التي قامت بإتلافِ “بوسترات” ومُلصَقاتِ الحَملةِ دونَ أدنَى تقديرٍ لمشاعرِ أصحابِ الإعاقةِ ، إلاّ أنّ الكثيرَ من الفئاتِ استطاعتْ الاندماجَ مع المبادَرةِ، وتَعلُّمَ العديدِ من الإشاراتِ، وهناك تَوَجُّهٌ لتَكرارِ المبادَرةِ لأكثرَ من مرّةٍ؛ في حالِ توَفُّرِ الدعمِ اللازمِ لها.
من جانبِه يقولُ السائقُ “عبد الفتاح حلاوة “خمسونَ عاماً ، ويعملُ على الطريقِ الواصلةِ بينَ مدينةِ غزةَ، ومدينةِ رفح جنوباً :” إنّ المبادَرةَ أمرٌ مُهِمٌّ جداً، وعلى الجميعِ تَعلُّمُ لغةِ الإشاراتِ، لاسيّما وأنّ عدداً غيرَ قليلٍ في قطاعِ غزةَ من أصحابِ هذه الإعاقةِ، و يتنقلونَ بشكلٍ دائمٍ بينَ المُدنِ والمخيماتِ الفلسطينيةِ، فكافةُ المؤسساتِ تصاحبُ هذه الإعاقةَ بمدينةِ غزة .
ويضيفُ:” في السابقِ كنتُ أنتظرُ من بعضِ أصحابِ الإعاقةِ إعطائي ورقةً مكتوباً عليها المكانُ الذي يَنوونَ الذهابَ إليهِ ، وبعضُهم مع الوقتِ حفظتُ منازلَهم وأماكنَ تَنقُلِهم ، لكني مع المبادرةِ تعلّمتُ أنْ أُلقيَ عليهم التحيةَ، وأسألَهم عن وِجهتِهم، وأُمازِحَهم في كثيرٍ من الأحيانِ ، منوِّهاً إلى أنّ أصحابَ الإعاقةِ السمعيةِ؛ يتمتعونَ بذكاءٍ خارقٍ يُمكِّنُهم من معرفةِ ما تريدُ قولَه؛ حتى لو أخطأتَ بالإشاراتِ ! ولدَيهِم سُرعةُ بديهةٍ، و حُسنُ تَصرُّف .
لغةٌ عالميةٌ
الجديرُ بالذِّكرِ أنَّ لِكُلِّ دولةٍ إشاراتِها الخاصةَ؛ التي عادةً ما تكونُ ترجمةً لِحروفِها ، وأنّ تاريخَ توثيقِ لغةِ الإشارةِ؛ بدأَ عامَ (1620) في أسبانيا، وذلك عندما نشرَ “جوان بابلو بونيت” مقالةً تحتَ عنوان “اختصارُ الرسائلِ، والفنُّ لتعليمِ البُكمِ الكلامَ”، فكان عملُه هذا أوّلَ محاولةٍ جادةٍ للتعاملِ مع علمِ الأصواتِ، ومعالجةِ صعوباتِ النطقِ.
كما أنها أصبحتْ وسيلةً للتعليمِ الشفهيّ، للأطفالِ الصُّم، بحركاتِ الأيدي، التي تُمثّلُ أشكالَ الأحرفِ الأبجديةِ، لتسهيلِ التواصُلِ مع الآخَرِين، ومن خلالِ أبجدياتِ “بونيت” بدأتْ المحاولةُ لِتعليمِ أطفالٍ صُمٍّ في مدرسةٍ فرنسيةٍ مهارةَ استعارةِ تلكَ الأحرفِ وتكيّيفِها، وكانت تلك نواةَ ” دليلِ الأبجديةِ الفرنسيةِ للصُّم”، الذي نُشرَ في القرنِ “الثامن عشر” وبقيَ منذُ تاريخِه دونَ تغييرٍ.
وِفقاً لِمَسحٍ أجراهُ جهازُ الإحصاءِ المركزي الفلسطيني فإنّ عددَ المُعاقينَ في الأراضي الفلسطينيّة؛ بلغَ نحوَ( 113) ألفَ مُعاقٍ ، أمّا في قطاعِ غزّة، فيبلغُ عددُ المُعاقين نحوَ( 39 )ألفاً و(877 )معاقاً، أي ما نِسبتُه(2.6% )من السكّان، (21) ألفاً من الذكور،و( 18) ألفاً من الإناثِ، وذلك وِفقاً لنتائجِ تَعدادِ ذَوي الاحتياجاتِ الخاصةِ في قطاعِ غزّة للعامِ (2012).
وتُسجّلُ في قطاعِ غزّةَ خمسُ إعاقاتٍ رئيسةٍ هي: (الإعاقةُ البصريّةُ والحركيّةُ والسمعيّةُ والتذكُّرُ والتركيزُ بالإضافةِ إلى البطءِ في التعلُّم) ، وبحسبِ إحصائيّةِ الجهازِ المَركزيّ الفلسطينيَ، بلغَ عددُ ذَوي الاحتياجاتِ الخاصةِ في قطاعِ غزّةَ؛ ممّن تَخطّوا الثامنةَ عشرَ من أعمارِهم( 27) ألفاً و (750) مُعاقاً، في حين بلغَ عددُ الأفرادِ ذَوي الإعاقةِ؛ ممّن هم دونَ (18) عاماً، نحوَ (12 )ألفاً و(96) مُعاقاً في قطاعِ غزةَ.