فلسطينيو الشتات يعيشون رمضان بنكهته الفلسطينية

تقرير / عبد الرحمن الطهراوي
يختفي هلال ويطل آخر ليؤذن بميلاد شهر من صفوة الشهور التي خلقها المولى سبحانه شهر رمضان المبارك، وثمة شعب بعيونه الدامعة، وبقلبه المتوق للحرية والمنفطر بحنين العودة، يرقب هلال شهر البركة على أمل بركة العودة والتخلص من حياة غريبة في قارة باتوا فيها غرباء كشعب مشرد وثقافة غريبة أيضاً عن مجتمعات تسوده ثقافات أخرى، وينضم بذلك هذا الشعب للأقلية الثقافية والدينية بتلك البلاد .
” الثريا ” تفتح ملف الشعب الفلسطيني المشتت في الغربة الأوروبية، وتسلط الضوء على أهلها وشعبها هناك وتعد لقرائها التقرير التالي:
” حياة خاصة”
“ناصر عوض” فلسطيني مغترب في بريطانيا يروي ” للثريا ” أشياءً عن طبيعة حياتهم هنالك ويسلط الضوء على طبيعة الحياة التي تتمتع بها الجالية الفلسطينية في تلك البلاد بشهر رمضان المبارك فيقول: “الجالية الفلسطينية هي جزء من جالية أكبر وهي الجالية العربية التي تضم كافة الجنسيات العربية في البلاد، حيث تتمتع الجالية بمميزات مشتركة وثقافات متقاربة ، تخفف عنك كابوس الغربة الثقافية في بلاد يختلف سكانها ثقافياً ودينياً عنك “.
ويضيف ” عوض ” بالقول : ” ما يميز الجالية الفلسطينية عن نظيراتها العربية حجم الوعي التي يتمتع بها أفرادها ومشاركتهم السياسية والثقافية التي أسهمت في قدرتهم على التعايش السريع مع الجاليات والثقافات الـأخرى “.
ويعتقد ” عوض ” بأن ثمة الكثير من المزايا الخاصة التي يتفرد فيها الشعب الفلسطيني، لتجعل من حياته في البلاد مغمسة بكثير من الألم والشوق لبلاده الذي طرد منها ظلماً وعدواناً، حيث يقول: “الكثير من الخوف نشعر به في كثير من الأحيان حينما يتعلق الأمر باعتداءات وحشية يقوم الاحتلال بها بحق أهلنا في الداخل الفلسطيني، فالكثير منا يقلق على أهله وامتداده الأسري في الداخل المحتل “.
ويضيف أيضا: “وغني عن التعريف ما تتعرض له الجالية الفلسطينية من مضايقات من اللوبي الصهيوني ، والضغوط التي تمارسها الحكومة بحق الناشطين الفلسطينيين، وهو ما يمثل هاجساً للنخبة الفلسطينية في كثير من المحطات وشاهد على ذلك ما فعل بالشيخ رائد صلاح وتقديمه للمحاكمة في بريطانيا ، ومحاولة ترحيله هناك “.
في ظل هذه المكدرات والمنغصات التي رأيناها في حياة الفلسطينيون في الغربة الأوروبية لا شك أن ثمة أهداف عدوانيه لاستهداف الحق الفلسطيني ولكن كيف يقاومون ؟
يسترسل الفلسطيني “ناصر عوض” شارحاً عن طبيعة حياتهم في شهر رمضان المبارك وهو ما يستشف للقارئ الكريم شكل المعجزة في طبيعة الروح الفلسطينية وما تتمتع به من إصرار وثبات برغم الألم ، فيقول: “أن أهم ما يميز الشعوب العربية بالعموم والفلسطينية بالخصوص في شهر رمضان تتمثل بحجم التضامن وأجواء الألفة التي تتمتع بها ونشعر بها هناك “.
و يصف الأجواء قائلاً: “تقدم المساجد في بريطانيا الإفطار بما فيه من مقبلات وغيرها فتكون عامرة دائما وهو ما يميزها في الشهر الكريم، كما أنك لا تستطيع أن تطأ قدمك في المسجد في رمضان من كثرة المصلين فيها، كما أن المساجد تصلى فيها الصلاة ليأخذ الموظفون حقهم في الصلاة خصوصا من يمنعهم عملهم من الالتحاق بالصلاة الأولى فيدركون الصلاة الثانية، وتنشط العبادات ومجالس الذكر، وقراءة القرآن، والتزاور بين الجاليات والمعارف والأصدقاء مع بعضهم البعض، كذلك الإفطارات الجماعية حيث يتم دعوة أبناء الجاليات العربية والإسلامية على الإفطار، ونجلس على مائدة واحدة يجلسون على سفرة واحدة نتناول فيها الطعام بدفء و مودة تعوضنا القليل من غربة البلاد والمكان”.
وعن حجم الإقبال الكبير على الافطارات الجماعية يقول عوض: ” لا تتخيل حجم الإقبال نادراً ما يتخلف واحد لعذر شديد، فهي من الطقوس والأشياء التي لا يقبل الكثيرون من العرب والفلسطينيين أن يفوتوا الفرصة في مشاركتهم فيها ، وكذلك المشاركة في السحور في بعض الأحيان التي تنظمها دوائر وجمعيات في بريطانيا “.
” أجواء تضامنية وتعبدية”
وفي لقاء الثريا مع الناشط الفلسطيني في أوروبا “إدريس العشي” واللاجئ الفلسطيني في النرويج ، يصف ” للثريا ” عن شيء من طبيعة حياتهم في تلك البلاد التي تنتشر فيها تنظيمات متطرفة تدعو لنبذ الإسلام والكراهية الدينية في الآونة الأخيرة ، حيث يقول : “برغم موجات الكراهية التي تبثها بعض وسائل الإعلام والتنظيمات المتطرفة في النرويج بحق الجالية الإسلامية والعربية إلا أن المسلمين هناك والفلسطينيين بشكل عام يعكفون على ممارسة شعائرهم بإصرار كبير لما تحمله من رسالة سلام وحب للآخرين “.
ويضيف العشي: “تعكف الجالية الفلسطينية على تنظيم موائد إفطار لأبنائها، وتشارك نظرائها العرب والمسلمين، وكذلك تنظم بعض مراكز الدعوة في النرويج العديد من الندوات وحفلات السمر والسهر والمسابقات الدينية بعد صلاة التراويح “.
وتعلق الفلسطينية “سمية قادر” ماجستير “علوم أديان ومقارنة إسلامية ” التي تعيش في مدينة استوكهولم عن طبيعة الأداء الديني للفلسطينيين بالقول : ” إن أهم ما يميز شهر رمضان في النرويج خاصة وأوروبا بشكل عام يتمثل في الإقبال الشديد على صلاة التراويح وصلاة الفجر أيضا ، حيث يحرص المسلمون على تجديد هويتهم وثقافتهم وإعادة احتوائها من جديد في ظل مجتمعات منفتحة ولديها من السلوك الثقافي المخالف والمغاير لتعاليم الإسلام “.
وتضيف بأن أهم ما يميزه أيضاً “هو تبادل الزيارات بين العوائل بين الجاليات المختلفة وليس فقط بين الجالية الواحدة ، وهو ما أضاف باعتقادها زخم كبير وتعاطف مع القضية الفلسطينية “.
وتعبر عن فرحتها بقدوم الشهر الفضيل الذي يجمع أواصر الأسر ويعيد رونق الحياة المترابطة، التي تفتقدها بمشاغل الحياة حيث يعيد رمضان خيوط المحبة بين المعارف والأصدقاء.
هذه الأجواء جزء من واقع يحياه الفلسطينيين حيث يحيك شهر رمضان الفضيل خارطة فلسطين بكل فلسطينييها بخيوط الشوق والحنين والتواصل، ويعيد بذاكرتهم إلى رمضان بنكهته الفلسطينية، وعبق الطابون فيه، ورائحة المقلوبة، والملوخية، واجتماع الأحبة والأقارب وتزاورهم، فتستمر الحكاية وتتابع فصولها في انتظار النهاية الجميلة التي تجمع الشمل وتتعانق فيها القلوب و الأذرع في مشهد حرية وعز وكرامة سيأتي لا محالة.