لا، يا ابنتي!!

بقلم/ د. فتحية اللولو
جلست الفتاة بجانب جدتها وهي تبكي وتندب حظها العاثر الذي أوقعها بهذا الشاب غير العاطفي وغير المتحضر من وجهة نظرها،هدأتها جدتها وبدأت تحاورها لتفهم منها ماذا حدث؟، قالت لها يا ابنتي لقد كنت فرحة جداً في بداية الخطوبة وكذلك خطيبك، ماذا حدث؟ ما هو الخلاف الحقيقي بينكما؟.
بدأت الفتاة بالحديث عن خطيبها قائلة: إنه متزمت غير متحضر لا يفهم ماذا يمكن أن يحدث لها أمام صديقاتها وقريباتها وضحكهم عليها إذا أصر على رأيه،فهي الفتاة الجميلة المرغوبة التي يطمع الكثير من الشباب للارتباط بها، وأنها تنازلت من عرشها العالي وقبلت به زوجاً وهو لم يقدر هذه التضحية من جانبها، فهي تريد حفلة زفاف في أغلى فندق بالمدينة، و”تورتة” الفرح لا تقل عن عشرة أدوار من أغلى محلات الحلويات، وثوب الفرح و”الكوافيرة” والسيارة التي سوف تحملها للفندق، وخاتم الزواج المرصع وشقة فاخرة للسكن، ويجب أن تكون بعيدة عن أهله، فلقد أصبح أسيرها ويجب أن يلبي كل كطلباتها، لماذا ينكر عليها كل هذا؟ هل هي أقل من فلانة أو فلانة؟.
قالت لها الجدة- التي علمها الزمان الكثير والكثير-: يا ابنتي لقد حصرت كل تفكيرك في مظاهر فارغة لا تدل على نضج عقلي أو تفكير فتاة عاقلة تريد أن تبني بيتاً أو تؤسس أسرة مسلمة وتساند زوجها في السواء والضراء.
يا ابنتي، لقد ولدت وعشت في فترة تحسنت فيها ظروف حياتنا، ولكنك لم تعرفي كم التضحية والصبر والجلد الذي بذلناه حتى وصلنا إلى أن يكون لك بيت تعيشين فيه،إننا في فلسطين لسنا كبقية الدول الأخرى، والمرأة الفلسطينية التي تشتركين في احتفالات تكريمها، وتلبسين الشعارات والشارات التي تظهر بطولتها، وتأخذين لنفسك الصور مع أم الشهداء وزوجة الأسير وأخت المجاهد وبنت البطل المرابط؛ هي ليست الفتاة التي تسحق قلب زوجها وأحلامه وآماله في البيت الهادئ المستقر والزوجة الصالحة، وتغرقه بالديون عدة سنوات، وتقلب كل إحساس للفرح بقلبه فلا يعود بينهم مودة ورحمة، وليست الفتاة التي تفرض طلباتها بوقاحة وإذا رفض فالويل له سوف يخسر كل شيء وكما استولت على قلبه تستولي على نقودة وتخرجه من مشروع الزواج بذكرى سيئة يمكن أن يحملها طيلة حياته.
يا ابنتي، ما هذه الطلبات التي تتكلمين عنها، وتريدين أن تهدمي حياتك من أجلها؟ هذه ليست عاداتنا وتقاليدنا، لقد عشنا حياة صعبة وظروف احتلال قاسية تدمي القلوب، لقد عمل جدك ليل نهار، وكان لا يكسب إلا القليل؛ ليسد رمق أبوك وأعمامك، وكنت أقوم بالحياكة والتطريز؛ لأكسب قروشاً قليلة أستطيع أن أشترى بعض الملابس؛ لأستر أولادي، وكان أبوك وأعمامك يعملون بعد العودة من المدرسة وخلال الإجازات لتوفير نفقات دراستهم، رحلة كفاح وخوف طويلة استشهد خلالها اثنين من أعمامك، وحملت جرحى، وسرت في الطريق حتى استطعت أن أساعد والدك الذي تعب وعمل كثيرا حتى استطاع أن يكون له بيت وتجارة يكسب منها ويوفر لمستقبلكم ويساعد بقية إخوته على التعليم.
يا ابنتي، انظري خارج أسوار بيتك وشاهدي أحوال من يحيطون بنا، إننا في حصار ظالم وهناك الكثير من البنات التي هن أكثر منك جمالاً ودرجة علمية يعشن في بيوت بسيطة، ولكن مطالبهن وآمالهن أعلى وأسمى من مطالبك‘ يتمنين أن يتزوجن رجلاً في نصف مواصفات خطيبك من النضج والعقل والالتزام؛ لتبني أسرة وتربي أولادها ليحملوا الدين والوطن في قلوبهم ويذودوا عنهم بأرواحهم؛ لتكون فعلاً امرأة فلسطينية تستحق التقدير، قامت بدورها في خدمة دينها ووطنها، هذه هي المرأة الفلسطينية الصابرة المرابطة؛ أم الشهيد وأخت المجاهد وليست الفتاة المدللة الأنانية العابثة بمشاعر الآخرين التي تخاف كلام الناس وتعمل له ألف حساب، ولا تخاف الله ولا تقدر الأمور وتضعها بميزانها،وتعتقد أن محبة زوجها له جعلته أسيرا بين يديها تتحكم به وتأمره كيفما تشاء، أعيدى التفكير يا ابنتي وحاكمي نفسك واتركي الغرور والأنانية،وانظري لحياتك نظرة بناءة تساعدك على أداء دورك الحقيق في الحياة وابدئي حياتك بداية تساعدك على الاستمرار والسعادة.