الزوج الخائن هل يستحق فرصة تانية؟

تحقيق : ديانا المغربي
قيلَ قديماً أنّ الحياةَ تستوعبُ الفِراقَ والكراهيةَ؛ أكثرَ عشراتِ المراتِ من أنْ تستوعبَ الخيانةَ ، لكنّ النساءَ _وبصفةٍ عامةٍ_ عادةً ما يفضّلنَ قلبَ المعادلةِ رأساً على عقبٍ، وبِتْنَ يستوعبنَ الخيانةَ الزوجيةَ، ويضعنَها في زوايا القلبِ العميقةِ؛ من أجلِ سيرِ مركبةِ الحياةِ .
فالنساءُ بطبعهِنَّ معطاءاتٌ، يُشبِهنَ الأرضَ في كلِّ تفاصيلِها، بابتلاعِ السيء والجيدِ من أجلِ إخراجِ ثمرٍ طيبٍ لمجتمعٍ طيبٍ ، وكثيرٌ من النساءِ يغفرنَ خيانةَ الزوجِ من أجلِ الأبناءِ، والحفاظِ على بيتِ الزوجيةِ من الضياعِ والتشتُّتِ، وعملاً بالمقولةِ القائلة :” إنّ الزوجةَ سترٌ وغطاءٌ لزوجِها “.
فهل فعلاً يستحقُّ الزوجُ الخائنُ فرصةً ثانيةً ؟ وهل على المرأةِ أنْ تستوعبَ الخيانةَ_ رغمَ الجرحِ_ من أجلِ الأبناءِ ؟ وكيف هو شكلُ الحياةِ الزوجيةِ في الفرصةِ الثانية ؟.
رولا “34 عاماً ” تقولُ لـ”السعادة ” :” اكتشفتُ خيانةَ زوجي مع زميلتِه بالعملِ؛ بمُشاهدتي بعضَ الرسائلِ في جوّالِه؛ تشيرُ إلى وجودِ علاقةٍ لا أعرفُ طبيعتَها حتى اللحظةِ ! وقد كان هذا الموقفُ الأصعبُ الذي ألمَّ بي على مدارِ حياتي، وقد تعرّضتُ حينها لصدمةٍ عصبيةٍ؛ لأني كنتُ أكيلُ له كلَّ الثقةِ التي قد تعطيها امرأةٌ لرجلٍ.
وتضيفُ: وجودُ أهلي في السعوديةِ؛ حالَ دونَ مغادرتي للمنزلِ ، وبقيتُ عدّةَ أيامٍ مُهمِلةً بأبنائي و منزلي، وكان خلالَ هذه المدةِ يقنِعُني بأنها هفوةٌ لن تتكرّرَ .
و تتابعُ: قررتُ أنْ أبقَى في بيتي، وأنْ استوِعبَ حجمَ الخيانةِ، وأعطيه فرصةً ثانيةً؛ حفاظاً على حياةِ أطفالي بشكلٍ طبيعي ..
سترٌ وغطاء
أمّا أمُّ محمد “44 عاماً ” فتقولُ لـ”السعادة ” :”علّمتْني والدَتي قبلَ( 25) عاماً أنّ المرأةَ هي سترٌ وغطاءٌ على زوجِها ، وأنها لابدَّ أنْ تبذُلَ الغالي والنفيسَ؛ من أجلِ استمرارِ حياتِها ،حتى لو كان على حسابِ كرامتِها الشخصيةِ ، وعلّمتْني أيضاً أنّ الرجلَ لا ينظرُ إلى الخارجِ؛ إلاّ إذا شعرَ بنقصٍ داخلي.
وتضيفُ: كان زوجي كثيرَ السفرِ إلى مصرَ بحُجةِ العملِ ، لم أكنْ أعطي الأمرَ أهميةً ، إلى أنْ أخبرتني إحدى قريباتي عن مشاهدتِها لزوجي مع امرأةٍ أُخرى أثناءَ وجودِها بالقاهرةِ ، صُعقتُ في بدايةِ الأمرِ، وبكيتُ كثيراً، لكنني تذكّرتُ كلماتِ والدَتي، ولم أنَمْ ليلتَها، وأنا أفكّرُ بالنقصِ الموجودِ لديّ، والذي دفعَه إلى خيانتي.
وتتابعُ: عندَ عودتِه من السفرِ؛ فاتحتُه بالموضوعِ، واعترفَ بخيانتِه ، وأخبرني أنّ الأمرَ نَزوةٌ، و أنني المرأةُ الوحيدةُ التي احتلّتْ قلبَه وحياتَه ، فتعاطفتُ مع كلماتِه ، وانتهتْ القصةُ.
وتُواصِلُ: لكنْ مع الأيامِ اكتشفتُ أنّ الرجلَ الخائنَ لا يستحقُّ فرصةً ثانيةً ، لأنّ والدَتي لا تعرفُ أنّ هناك رجالاً عيبُهم أنّ عيونَهم فارغةٌ، لا يملأُها إلاّ الترابُ ، حتى باتَ يجاهرُ بكلِّ تصرفاتِه المراهقةِ، وبات الجميعُ يعرفُ مغزَى أسفارِه المتكررةِ، حتى الأبناءُ ، وفى هذه اللحظةِ؛ قرّرتُ أنْ أغادرَ حياتَه ؛على أنْ أبقَى في حياةِ أبنائي، ومنذُ أكثرَ من أربعِ سنواتٍ؛ لا يَجمعُني فيه مكانٌ، ولا حديثٌ ولا طاولةُ طعامٍ.
من جانبِها تقولُ الأخصائيةُ الاجتماعيةُ “عروب الجملة” : “الخيانةُ الزوجيةُ لا تقتصرُ على النظرةِ التقليديةِ القديمةِ المحدَّدةِ بالاتصالِ الجنسيّ، فالخيانةُ تشملُ كلَّ ما من شأنِه أنْ يوجِدَ علاقةً غيرَ شرعيةٍ؛ سواءٌ بالكلماتِ أو المراسلاتِ أو اللقاءاتِ ذاتِ الأهدافِ المشبوهةِ، والتي يترتبُ عليها مشاعرُ جنسيةٌ وارتباطاتٌ عاطفيةٌ .
وتضيفُ: إنّ سكوتَ المرأةِ على خيانةِ الزوجِ؛ ليس عدلاً، و لستُ أحرِّضُ على خرابِ الأسرةِ؛ بقدْرِ ما أدعو إلى عدمِ الخضوعِ، فمن حقِّ الزوجةِ ألاَّ تَقبلَ ما يهينُها أو يعذّبُها، ومن حقِّ أولادِها أنْ تَحيا كريمةً؛ بما منحَها الإسلامُ من كرامةٍ واحترامٍ.
الرجلُ ميّالٌ
وتضيفُ: الرجلُ معروفٌ بالميلِ إلى الطرَفِ الآخَرِ ، لذا فالشعورُ بالرضا في حياتِه أمرٌ مُهمٌّ، فإنْ لم يشعرْ بت؛ سيبحثُ عنه لدَى أُخرى،مع العلمِ أنّ ليس كلُّ الأزواجِ الذين يعانونَ من هذه الحالةِ؛ يلجئونَ إلى الخيانةِ، لكنّ بعضَهم يشعرُ بالضعفِ أمامَ تلبيةِ احتياجاتِهم وغرائزِهم ، كما أنّ الشعورَ بالملَلِ، وانشغالَ الزوجاتِ بالهمومِ اليوميةِ ، وتراجُعَ مكانةِ الزوجِ عند زوجتِه _دونَ قصدٍ منها_ تدفعُ بعضَ الرجالِ إلى البحثِ عن راحتِهم .
وهناك بعضُ الزوجاتِ يدفعنَ بأزواجِهنَّ _دونَ أنْ تدري_ للبحثِ عن امرأةٍ أخرى؛ من خلالِ التذمُّرِ الدائمِ، والصوتِ العالي، ولومِه على أتفَهِ الأسبابِ، عِلاوةً على إهمالِ الزوجةِ مَظهرَها وملابسَها، فيَرى في المرأةِ الأُخرى ما يحبُّ ويتمنّى أنْ يراهُ في زوجتِه ،وأحياناً قد لا يكونُ هناك سببٌ منطقيٌّ لخيانةِ الرجلِ، وانغماسِه في علاقاتٍ خارجَ إطارِ الزواجِ؛ سِوى الرغبةِ في تغييرِ المشهدِ، وقضاءِ بعضِ الوقتِ.
ويجبُ على الزوجِ أنْ يدركَ أنّ الخيانةَ الزوجيةَ لا تؤدّي فقط إلى دمارِ الأسرةِ؛ بوقوعِ الطلاقِ إذا اكتشفَ الطرَفُ الآخَرُ الخيانةَ، ولا تؤدي إلى فقدانِ الانسجامِ العاطفيّ والنفسيّ فقط، بل إلى فقدانِ الثقةِ في حالِ بقاءِ الوضعِ كما هو عليه، لكنّ آثارَها تمتدُّ إلى المجتمعِ .
وتواصلُك من الصعبِ جداً أنْ تستيقظَ الزوجةُ من حُلمِ السعادةِ الزوجيةِ، على كابوسِ الخيانةِ الزوجية، فليس هناك مبرِّرٌ للخيانةِ، ولكنْ في حالةِ حدوثِها؛ لا بدّ أنْ تتعلّمَ المرأةُ كيف تروّضُ نفسَها؛ فالموقفُ رهيبٌ، ويحتاجُ إلى عقلٍ وتفكيرٍ عميقٍ؛ لما سيترتبُ على هذا التفكيرِ من قراراتٍ مصيريةٍ.
لستُ ضحيةً
يجبُ على الزوجةِ أنْ تتأكدَ من وقوعِ الخيانةِ، فمن غيرِ المعقولِ أنْ تَستنتجَ الزوجةُ خيانةَ زوجِها دونَ دليلٍ واضحٍ؛ فالمشاعرُ الداخليةُ للزوجةِ_ مَهما بلغَ صِدقُها_ لا يجبُ الاعتمادُ عليها، وفى حالِ التأكُّدِ من الخيانةِ.
وتتابعُ “الجملة” قائلةً :” لا بدَّ أنْ تعلمَ الزوجةُ أنّ إقدامَ الزوجِ على الخيانةِ؛ بالتأكيدِ أمرٌ لها دورٌ فيهِ بصورةٍ مباشرةٍ أو غيرِ مباشرةٍ، لذا لا داعيَ أنْ تتظاهرَ الزوجةُ بمَظهرِ الضحيةِ، فبالتأكيدِ هناك خطأٌ متبادلٌ أدَّى للخيانةِ، لذا لا بدَّ أنْ تتقبّلَ الزوجةُ فكرةَ أنّ جزءاً من خيانةِ الزوجِ؛ بسببِ قصورِها، وعليها مناقشةُ الأمرِ مع الزوجِ بهدوءٍ، بعدَ فترةٍ من التفكيرِ؛ لاستردادِ رباطةِ الجأشِ، والقدرةُ على التفكيرِ بعقلانيةٍ لدراسةِ الأسبابِ، والبحثُ في سبُلِ إدارةِ الحياةِ بعدَ هذا الموقفِ .
يجبُ على الزوجةِ أنْ تَحذرَ من اتخاذِ أيِّ قراراتٍ تحتَ الضغطِ النفسي، سواءٌ بالسلبِ أو بالإيجابِ، فلا بدَّ أنْ تعطيَ الزوجةُ لنفسِها وقتاً كافياً؛ تستطيعُ خلالَه تقييمَ الأمورِ، حتى لا يتمَّ اتخاذُ قراراتٍ متسرّعةٍ، تندمُ عليها لاحقاً، ومن الجيدِ منحُ فرصةٍ أخرى للزوجِ ، في حالِ شعرتْ أنّ الأمرَ مجردُ خطأ لن يتكرَّرَ، فالزمنُ كفيلٌ بمداواةِ الجروحِ.
وأنصحُ المرأةَ بضرورةِ كتمانِ الأمرِ؛ حتى عن الأبناءِ، فهذه تجربةٌ مؤلمةٌ لا تستطيعُ عقولُ الأبناءِ إدراكُها، ولتعلمَ الزوجةُ أنها لن تستفيدَ من تشويهِ نفسيتِهم، فالمتّهمُ بنظرِها هو الزوجُ؛ فلا داعيَ للانتقامِ من الزوجِ في صورةِ الأبناءِ.