غير مصنف

دَورُ الأسرةِ في التفريغِ النفسي عند الأطفال

د. جواد محمد الشيخ خليل

تُعَدُّ شريحةُ الأطفال والمراهقين من أكثرِ الفئاتِ تأثراً بالأحداثِ الصادمةِ؛ نتيجةً لقِلّةِ خبراتهم وضعفِ آلياتِ التكيّفِ لديهم، ومن البديهي أنْ يعاني الأطفالُ من أشكالٍ متعددةٍ من ردودِ الفعلِ النفسيةِ الحادةِ؛ نتيجةَ الحربِ والعدوانِ الهمَجيّ الذي شنّه العدوُّ الصهيونيّ على قطاع غزة، والذي استهدفَ الأطفالَ بشكلٍ خاص؛ ممّا عرّضهم للأحداثِ الصادمةِ للحرب.

    يُعدُّ التفريغُ النفسي المباشرُ بعدَ وقوعِ الأحداثِ الصادمة الأكثرَ شيوعا وتأثيراً لإزالةِ أثرِ الأحداثِ الصادمة، حيث تجري عمليةُ التفريغِ النفسي من خلالِ إتاحةِ الفرصةِ للأطفالِ لسردِ ما جرى أثناءَ وبعدَ الحرب، ويشملُ الحديثُ عن المشاعرِ والاستجاباتِ التي وردتْ بعد وقوعِ الحرب، كما ويشملُ الحديثُ أيضاً عن وسائلِ التكيّف، ويتمُّ فيها إعطاءُ معلوماتٍ عن وسائل التكيّفِ الصحيةِ والمَرضية، ويتمُّ فيها التركيزُ على وسائل التكيّفِ؛ التي قام بها الطفلُ نفسُه استجابةً للأحداثِ السابقة، ثم يتمُّ الانتهاءُ من الحديث عن الموضوعاتِ التي فُتحتْ في النقاشِ،والتحضيرُ إلى مرحلةِ العودةِ إلى ما قبلَ الحربِ، تتمُّ هذه الإجراءاتُ من قِبلِ أفرادِ الأُسرةِ بشكلٍ متكرّرٍ بعدَ انتهاءِ الحربِ، وتجهيزِ الأطفالِ للعودة تدريجًا للحالةِ الطبيعةِ التي كانوا عليها قبلَ الحرب.

    يجبُ على الأُسرةِ أنْ تلعبَ دوراُ مُهمّاً في استيعابِ الطفل الذي تعرّض للأحداثِ الصادمةِ أثناءَ العدوان، والتعاملِ مع التغيّراتِ السلوكيةِ التي تطرأُ عليه بعد الانتهاءِ من هذا العدوان ، وألاّ تكونَ هذه الإجراءاتُ بشكلٍ جَبرِيٍّ، ويجبُ أنْ يكونَ التدخُلُ بحذرٍ، والتركيزُ على إعطاءِ الأطفالِ العنايةَ الملائمةَ لتخفيضِ درجةِالانضغاطِ والاستثارةِ الزائدةِ عندهم، والتأكُد من أنّ الأطفالَ الذين تعرّضوا لأحداثِ العدوانِ الصادمةِ، قد زُوِّدوا بالمعلوماتِ الكافيةِ للتكيفِ والتأقلُمِ والعودةِ إلى الحالةِ الطبيعيةِ السوَيةِ؛ التي كانوا عليها قبلَ الحرب، كما ويجبُ على الأسرةِ توفيرُ الرعايةِ الصحيةِ والمأكلِ والملبسِ، والشعورِ بالحمايةِ والأمانِ أثناءَ عمليةِ التفريغِ النفسي.

    يمكنُ للأُسرةِ أنْ تتّبعَ أحدَ الأساليبِ المناسبةِ للتعاملِ مع الأطفالِ، والخروجِ من الأزمةِ الناجمةِ عن العدوانِ الصهيوني، فمَثلاً يمكنُإتباعُ الأسلوبِ القصصي مع الأطفالِ،حيثُ يميلُ الأطفالُ لسماعِ القصص التي تنمّي الخيالَ لديهم، وتقدّمُ معلوماتٍ وخبراتٍ يمكنُ الاستفادةُ منها في تعلّمِ أساليبِ تكيّفٍ جديدةٍ بطريقةٍ غيرِ مباشرة، كما أنها وسيلةٌ لإشباعِ رغباتِ الأطفال، كما يمكنُ للأسرةِ أنْ تعتمدَ على أسلوبِ الرسمِ الحرِّ، وتشجعَ أطفالَها على الرسمِ، وهي وسيلةٌ للتعبيرِ عن المشاعرِ والانفعالاتِ، خاصةً عن الأطفالِ الذين لا يستطيعون التعبيرَ عن مشاعرِهم بطرُقٍ لفظيةٍ شَفهية، ويعدُّ الرسمُ على الورقِ وسيلةً لتفريغِ طاقاتِ الأطفال والتعبيرِ عن مشاعرِهم، حيث يفرّغون ما يجولُ بداخلِهم، ويرسمونَ أحلامَهم ومستقبلَهم الذي يتمنّون، ومن هنا يمكنُ التعاملُ مع الأطفالِ بالطريقةِ التي تناسبُهم.

    هناك بعض الأمورِ يجبُ أخذُها بعينِ الاعتبارِ عند التعاملِ مع الأطفالِ؛ مِثلَ دورِ الوالدين المُهِم جداً في إعادةِ بناءِ جدارِ الأمنِ والحمايةِ والثقةِ عند الطفل، وإشعارِ الطفلِ بالأمانِ العضوي والنفسي؛ يسرّعُفي إعادةِ دمجِ الطفلِ مع البيئةِ المحيطةِ به، والعودةِ السريعةِ إلى مرحلةِ ما قبلَ الحربِ والسلوكِ السوي، ويلعبُ أيضاً الأصدقاءُ دوراً له التأثيرُ الأكبرُ في حياةِ المراهقين والأطفالِ في مرحلةِ ما قبلَ مرحلةِ المراهقةِ، وقد يكونُ لهؤلاء الأصدقاءِ دورٌ(إمّا مساعدٌ أو غيرُ مساعدٍ) في تكيّفِ الطفلِ أو المراهقِ مع الأحداثِ التي مرّ بها أثناءَ العدوان، كما أنّ نُضجَ الطفلِ من عدمِه يلعبُ دوراً كبيراً في عمليةِ الخروجِ من الأزمةِ التي يعاني منها الطفلُ،حيثُ أنّ الطفلَ الأكبرَ يكونُ لديهِ كميةٌ أكبرُ من الغضبِ؛ بسببِ فَهمِه لأبعادِ الحدَثِ الصادمِ والملابساتِ المتعلّقةِ به، وبالتالي فإنّ التفريغَ النفسيَّ مع الأطفالِ الأصغرِ سنّاً، يجبُ أنْ يركّزَ على شرحِ الحدَثِ وتفاصيلِه بشكلٍ واقعي، بينما يجبُ التركيزُ على الاستجابةِ الناتجةِ عن ردّةِ الفعلِ الموجودةِ، والتعاملِ مع الحدَثِ عندَ التعاملِ مع الأطفالِ الأكبرِ سِنّاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى