نحو حياة أسرية ناجحة

بقلم: أ. عبد الفتاح رجب غانم محاضر بقسم الدراسات الإسلامية جامعة الأقصى
يحرص الإسلام على أن يكون الإنسان ناجحاً، في نفسه، وفي أسرته وفي مجتمعه، في دنياه وفي آخرته، والنجاح يكون في أمور كثيرة، من أهمها:
1 ـ تقوى الله سبحانه، فهذا مفتاح كل نجاح، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [الطلاق: 2، 3]، عن أبي ذر قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو عَلَيَّ هذه الآية، حتى فرغ من الآية، ثم قال: “يا أبا ذر، لو أن الناس كلهم أخذوا بها كفتهم”، وتقوى الله تعني مخافته سبحانه، التي تجعل الإنسان مطيعاً لله، متجنباً ما حرم، فمن يتّق اللّه فيما أمره به وترك ما نهاه عنه، ويقف عند حدوده، يجعل له مخرجا أو مخلصا مما وقع فيه، ويرزقه ما يطعم أهله ويوسع عليه، على وجه لا يخطر بباله، ولا يكون في حسابه.
هل المال أو المنصب أو الجاه، يجلب السعادة؟ هذه أمور مهمة فعلاً، لكن إذا لم تتوج بالتقوى تكون مصدر تعاسة وشقاء لا مصدر سعادة ونجاح، فلا سعادة بغير هداية: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ } [محمد:12]، وكم من أناس ليس عندهم مال أو غير ذلك، ومع ذلك يشعرون بالسعادة، وهم فعلاً كذلك لآنهم حصلوا على السعادة من مصدرها الحقيقي، وهو تقواهم لله سبحانه، فقد يغدق الله على أهل الشر استدراجاً لهم ليزدادوا سوءاً وبطراً وإفساداً، ويتضاعف رصيدهم من الإثم والجريمة، ثم يأخذهم في الدنيا أو في الآخرة وفق حكمته وتقديره بهذا الرصيد الأثيم! قارون كان من أثرى أهل الأرض، مفاتحه { لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ } [القصص:76] أي: إن العصبة الرجال لا يستطيعون أن يحملوا مفاتيح المخازن، فلما خرج متبختراً متزيناً مفتخراً بهذا المال، خسف الله به الأرض.
وقد يغدق الله على أهل الخير، ليمكنهم من أعمال صالحة كثيرة ما كانوا بالغيها لو لم يبسط لهم في الرزق، وليشكروا نعمة الله عليهم بالقلب واللسان والفعل الجميل؛ ويذخروا بهذا كله رصيداً من الحسنات يستحقونه عند الله بصلاحهم، وبما يعلمه من الخير في قلوبهم. وقد يحرمهم فيبلو صبرهم على الحرمان، وثقتهم بربهم، ورجاءهم فيه، واطمئنانهم إلى قدره، ورضاهم بربهم وحده، وهو خير وأبقى؛ وينتهوا بهذا إلى مضاعفة رصيدهم من الخير والرضوان.
2ـ إن سعادة الإنسان تكمن داخل ذاته، في طريقة تفكيره، في إيمانه بقضاء الله وقدره، في رضاه بما قسم الله له، في تكيفه مع الضغوط والأحداث، في تهوينه للعقبات والمشكلات، وهنا سيحصل على الراحة النفسية بيسر وسهولة، وسيجد السعادة في الحياة الموصلة بالله تعالى، سيجدها في واحة الإيمان وتحت ظلال القرآن، وفي الرضا بأقدار الرحمن، والصبر على ما قضاه المنان، سيجدها في تحويل التفكير السلبي إلى تفكير إيجابي مثمر، سيجدها في تعامله مع الأحداث من حوله بواقعية، سيجدها في القدرة على مواجهة الضغوط والتكيف معها من خلال التحكم بالانفعالات والأعصاب والمشاعر بكل عقلانية واتزان، سيجدها في القناعة فيما قسمه الله تعالى له، والاستمتاع بما بين يديك، وعدم إشغال النفس فيما سوى ذلك.
يقول أهل العلم: كان هناك رجل فقير، لكنه عاقل ولبيب، لم يستطع أن يجمع عبر شهور مبلغاً من المال ليشتري به حذاءً، فنزل إلى السوق يمشي على قدمين حافيتين، ومعه درهمين في جيبه قد رصدهما لشراء الحذاء، وفي الطريق التقى برجل يسوق أمامه أربعين حماراً، وكانت الحمير هي وسائل النقل الشائعة، وكان ذلك الرجل خلف الأربعين حماراً يضربها ويطردها من هنا إلى هنا، فلحقه الفقير قائلاً: يا أخ العرب! لمن هذه الحمير؟ قال: لي. قال: كلها لك. قال: نعم. كلها لي، فقال: هلا ركبت واحداً منها، لماذا تمشي وهي أمامك وكلها لك؟ قال الرجل: يا أخي! أنت لا تعلم ما هي المشكلة، قال: وما هي؟ قال: إذا ركبت عليها صارت تسعة وثلاثين حماراً، وإذا نزلت زادت وكانت أربعين حماراً. فتعجب هذا الرجل الحكيم وقال: سبحان الله! هذا الرجل لا يعرف أن يعد حميره وعنده أربعين حماراً، وأنا عندي عقلية عظيمة وليس لدي أحذية ألبسها.
3ـ لنتأمل ما نحن ـ كل واحد منا ـ فيه من النِّعم، فسيجد كل واحد منا أنه أسعد الناس، وأغنى الناس، فإن السعادة والحب صنع أيدينا، فمتى أشعرنا أنفسنا أننا بخير، وأن ما نمر به من أزمة إنما هي سحابة صيف، وأن غيرنا الكثير مروا بمثل أزماتنا أو أشد، ثم فرج الله تعالى عنهم بالصبر والدعاء والعلاج، فعادوا بأحسن حال، إذ إن مجرد التفاؤل والاقتناع بإمكانية علاج الأزمات التي تعترضنا، وأنها أمور عابرة، بل وهي كمثل غيرها من العقبات الأخرى؛ جدير بتهيئة النفس للخروج من الأزمة بإذن الله تعالى، فعندما نتفاءل بالخير نجده بإذن الله، يقول الله تعالى: {منْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، حياة طيبة: برزق حلال، وبرزق العافية، وهي تشمل كل وجوه الراحة، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَعَهُ اللَّهُ بِمَا أَتَاهُ».
إن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض، لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال. فقد تكون به، وقد لا يكون معها. وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية: فيها الاتصال بالله والثقة به والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه. وفيها الصحة والهدوء والرضى والبركة، وسكن البيوت ومودات القلوب. وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة. . . وليس المال إلا عنصراً واحداً يكفي منه القليل، حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند الله.
4ـ وختاماً، فإن الإسلام أرشدنا إلى أن الحياة الدنيا لا تخلو من المصائب والأكدار، والأمراض والآلام والأحزان …، لذا لفت نظرنا إلى أن السعادة الحقيقية في الدار الأبدية التي لا تنقضي، في دار الجنان التي وعد بها الرحمن عباده الصالحين، فإنها وحدها التي تخلو من الضغوط والهموم، قال تعالى: “لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ” [الحجر:48]، فلنعمل بطاعة الله، ننجح، ونفلح، ونسعد، في الدنيا والآخرة، والله هو الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.