ثقافة وفن

القواعدُ والأُسسُ الصحيحةُ لتصميمِ المطابخِ

إعداد: المهندسة ميادة حبوب

فراغٌ صغيرٌ، وجدرانٌ ملساءُ مبلّطة، قِدرٌ على النارِ تغلي؛ يتصاعدُ منها بخارٌ؛ يملأ البيتَ رائحةً زكيةً؛ تَجمعُ أفرادَ العائلةِ على طبقٍ لذيذٍ؛ تبتسمُ له الوجوهُ؛ وتردِّدُ له الألسنةُ (تِسلَم الأيادي) هذه قصةُ كلِّ يومٍ في هذه المملكةِ؛ التي تتربعُ فيها المرأةُ، وتشعرُ بذاتِها، تقودُ وتديرُ القدورَ والأطباقّ، كأنها تلعبُ وتلهو بعالمِها الصغيرِ الممتِعِ، لتصنعَ ما لذَّ وطابَ لأسرتِها الصغيرةِ بحنانٍ وعطاءٍ، فالمطبخُ هو نبضُ المنزلِ، ومملكةُ الأمِّ، و وهو المكانُ الذي يجمعُ العائلةَ لتتناولَ الوجباتِ، ومُلتقَى أفرادِها لشُربِ كوبٍ من الماءِ، أو احتساءِ فنجانٍ من الشاي، وتجولُ “السعادة” في زوايا هذا الفراغِ الصغيرِ؛ لتكشِفَ أُسُسَ تصميمِها، وأهمَّ متطلباتِها  مع نخبةٍ من المهندسين ومُصمِّمي الديكور.

تُصنّفُ المطابخُ في عالمِ التصميمِ ضِمنَ الفراغاتِ الخدماتيةِ في المنزلِ جنباً إلى جنبِ مع دوراتِ المياهِ والمخازنِ والمصاعدِ والسلالمِ، وتوضّحُ المهندسةُ المعمارية “هِبة صبيح”  بأنّ خدماتِ المنزلِ بشكلٍ عام، والمطبخِ بشكلٍ خاصٍّ؛ يعدُّ جزءاً لا يتجزأ، وفراغاً لا يمكنُ إهمالُه أو إلغاؤه ، فهو عصَبُ من أعصابِ المنزلِ لا يقومُ بدونِه، لذلك فمن المُهمِّ أنْ يحظَى بالاهتمامِ في تصميمِه وترتيبِ متطلباتِه؛ ليوفّرَ الراحةَ والأمانَ، وتتحدثُ “وفاء صالح” ربّة منزلٍ، وأمٌّ لثلاثةِ أطفالٍ، بأنّ جُلَّ وقتِها تقضيهِ بين زوايا مطبخِها الصغيرِ، والذي تعدُّه عالمَها المُسلّي،حيثُ ترتّبُه وتنظّفُه، وتحضّرُ المأكولاتِ، وتجلسُ على منضدةِ المطبخِ مع أطفالِها؛ للإشرافِ على كتابةِ واجباتِهم المدرسيةِ، رَيثما تنتهي من مسؤولياتِها، فهو المكانُ الأساسُ للأمِّ، وأكثرُ ما تقضي وقتَها في هذا المكانِ.

 متطلّباتُ المطبخِ:

ولذلك يجبُ الاهتمامُ بتوفيرِ متطلباتِ المطبخِ، ووضْعُ كلِّ متطلبٍ في مكانِه المناسبِ؛ ليسهلَ معه الحركةُ والأداءُ، وتتحققُ السرعةُ في التحضيرِ، والسهولةُ في الحركةِ، داخلَ هذه المملكةِ الصغيرةِ، وعن هذه المتطلباتِ تتحدثُ مهندسُ الديكورِ “داليا أبو كميل” قائلة: ” يوجدُ متطلباتٌ أساسية لا يتمُّ تصميمُ المطبخِ بدونِها وهي: حوضُ غسيلِ الأواني، وغازُ الطهي، وثلاجةُ الطعامِ، فلا يجوزُ أنْ توضعَ أحدُ هذه المتطلباتِ خارجَ المطبخِ، كأنْ يتمُّ وضعُ الثلاجةِ في ممرٍ بجوارٍ المطبخِ، أو أنْ يتمَّ وضعُ غازِ الطهي في عليةِ المنزلِ؛ لأنّ هذا يعيقُ من تسهيلِ عمليةِ الطهي، ومن المتطلباتِ الأساسيةِ أيضاً سطحُ العملِ، أو مكانِ إعدادِ الطعامِ، وهذا السطحُ يجبُ أنْ يكونَ بارتفاعٍ مناسبٍ، وأنْ يكونَ قريباً من غازِ الطهي، وحوضِ غسيلِ الأواني في نفسِ الوقت.

وكذلك يوجدُ متطلباتٌ أخرى تكميليةٌ؛ مِثلَ خَزاناتِ الأواني والأكوابِ والأطباقِ، وغيرِها من أدواتِ المطبخِ، ويجبُ أنْ تكونَ هذه الخزاناتُ مُحكََمة الإغلاقِ؛ لتمنعِ دخولِ الأتربةِ للأواني النظيفةِ، وفي الوقتِ نفسِه سهلةَ الفتحِ، ولا تتعارضُ مع مساراتِ الحركةِ الأساسيةِ في المطبخِ، ولا تصطدمُ بأيِّ عناصرَ أخرى موجودةٍ في المكانِ أثناءَ فتحِها وقفلِها، وهذه الخزاناتُ تتنوعُ بين خزاناتٍ سفليةٍ، وأخرى علويةٍ، بهدفِ استغلالِ المساحةِ الرأسيةِ لتوفيرِ أكبرِ مساحةٍ ممكنةٍ للتخزين، كما أنّ وجودَ طاولةِ طعامٍ صغيرةٍ داخلَ المطبخِ؛ يكونُ شيئاً إيجابياً لتناولِ الوجباتِ الخفيفةِ عليها داخلَ نفسِ الفراغِ، وهذا طبعاً إنْ أتاحتْ مساحةُ المطبخِ ذلك”

مثلثُ الحركةِ:

وتشرحُ م. “صبيح” بأنّ موضعَ غازِ الطهي بالنسبةِ للثلاجةِ وحوضِ غسيلِ الأواني؛ من أهمِّ الاعتباراتِ التصميميةِ؛ التي يجبُ أخذُها بعينِ الاعتبارِ، لتسهيلِ عمليةِ إعدادِ الطعامِ، حيثُ أنّ المثلثَ الواقعَ بين هذه العناصرِ الثلاثةِ، يجبُ أنْ تكونَ مساحتُه صغيرةً نوعاً ما؛ حتى لا تكونَ المسافاتُ بين تلكَ العناصرِ كبيرةً، فيسبّبُ الإجهادَ أثناء التنقلِ بينها، فالحركةُ في المطبخِ في معظمِ الأوقاتِ تكونُ كالتالي: جلبُ الخضرواتِ من الثلاجةِ، والتوجُهُ لحوضِ غسيلِ الأواني، لغسلِ الخضراواتِ، ومن ثَم إعدادُها على سطحِ العملِ القريبِ من حوضِ الأواني، ثُم وضعُها على غازِ الطهي، فهذه الحركةُ تكونُ داخلَ مساحةٍ مثلثةِ الشكلِ، ويفضّلُ أنْ تكونَ صغيرةً قدْرَ الإمكانِ، وخاليةً من أيِّ عوائقَ أو عناصرَ أخرى؛ تخترقُه وتعيقُ تدفُقَ العملِ.

أشكالُ المطابخِ:

وتتنوعُ أشكالُ المطابخِ بتنوُعِ أشكالِ أسطحِ العملِ؛ بناءً على المساحةِ المتوفرةِ في المكانِ، وتشيرُ م.”أبو كميل” بأنّ أشكالَ المطابخِ تتنوعُ حسبَ شكلِ سطحِ العملِ، والذي عادةً ما يكونُ مصنوعاً من الرخامِ، ففي حالِ المطابخِ الصغيرةِ يكونُ سطحُ العملِ في المطبخِ أحادياً على أحدِ جانبي المطبخِ، وفي حالِ المطبخِ المتوسطِ؛ يكونُ سطحُ العملِ على شكلِ حرفِ (L) أمّا في المطابخِ الكبيرةِ يكونُ سطحُ العملِ على شكلِ حرفِ (U)، كما يجبُ الانتباهُ إلى أبعادِ هذه الأسطحِ وارتفاعِها عن الأرض.

وتبيّنُ أنّ  العمقَ المناسبَ لهذه الأسطحِ؛ يجبُ ألاّ يقلَّ عن (60)سم ليتسعَ لوضعِ الأجهزةِ الكهربائيةِ، والميكروويف وغيرِها من المُعداتِ، أمّا الارتفاعُ الأمثلُ لسطحِ العملِ هو( 90) سم عن سطحِ الأرضِ، وترتفعُ الخزاناتُ العلويةُ عن هذا السطحِ مسافةَ( 50سم) وتُصمّمُ بعمقِ لا يزيدُ عن( 45سم) حتى لا يؤذي المستخدمَ أثناءَ حركتِه، ومن الأُسسِ التصميميةِ التي يجبُ إتباعُها؛ أنْ يكونَ موضعُ الثلاجةِ أقربَ ما يكونُ من مدخلِ المطبخِ، أي في بدايةِ المطبخِ، وليس في نهايتِه؛ حتى لا يضطرَّ الشخصُ للعبورِ لعمقِ المطبخِ، كلما ما أرادَ تناولَ شيءٍ من الثلاجة، وللتخلصِ من النفاياتِ؛ يفضّلُ تصميمُ حوضِ غسيلِ الأواني بحوضَينِ، أحدُهما للتخلصِ من بقايا الطعامِ، والثاني لغسلِ الأواني، كما وينصحُ بوضعِ حاويةِ النفاياتِ في مكانٍ قريبٍ من هذا الحوضِ.

الموادُ والخاماتُ:

وتتحدث م. “صبيح” عن كيفيةِ اختيارِ الخاماتِ والموادِ في المطابخ، فتقول:” “إنّ الموادَ والخاماتِ المستخدمةَ في المطابخِ؛ يجبُ أنْ تتمتعَ بعاملٍ مُهمٍ جداً، وهو عاملُ الأمانِ، وبالطبعِ هذا إلى جانبِ المتانةِ والمقاومةِ للرطوبةِ والمياه، فعلى سبيلِ المثالِ لا الحصرِ؛ من المهمِ صناعةُ سطحِ العملِ من مادةِ الرخامِ، التي تتحملُ الحرارةَ والأحماضَ، ويفضلُ استخدامُ موادٍ غيرِ قابلةٍ للاشتعالِ؛ خصوصاً في المنطقةِ القريبةِ من غازِ الطهي، وعدمُ وضعِه بالقربِ من الأقمشةِ أو الأخشابِ، ويفضلُ استخدامُ خزاناتِ المطبخِ من الألومونيوم”.

الإضاءةُ والتهويةُ:

أمّا بالنسبةِ للإضاءةِ في المطابخ؛ توضّح م. “أبو كميل” بأنّ النشاطاتِ المقامةَ في المطبخِ؛ بحاجةٍ إلى إنارةٍ شاملةٍ وقويةٍ؛ خصوصاً في منطقةِ تحضيرِ الطعام، وتنصحُ باستخدامِ الإنارةِ المركزةِ على أسطحِ العملِ، كأنْ توضعَ الإنارةُ تحت الخزاناتِ العلويةِ؛ لتضيءَ تلك الأسطحَ، وتقللَ الظلالَ الساقطةَ عليها، واستخدامِ إنارةٍ مخفيةٍ فوق الخزاناتِ؛ يزيدُ من الإنارةِ العامة في الفراغِ، ويعطي جمالاً، وإذا احتوى المطبخُ على طاولةِ طعامٍ؛ فينصحُ بوضعِ إنارةٍ شاملةٍ أو غيرِ مباشرة.

فمن المهمِ أنْ نولِيَ الاهتمامَ للمطابخِ بتصميمِ عناصرِها بطريقةٍ مدروسةٍ بعيدةٍ عن الارتجالِ، واختيارِ الخاماتِ والموادِ المناسبةِ، والموصَى بها من ذوِي الخبرةِ والكفاءةِ، وإتباعِ سُبلِ الوقايةِ والسلامة، لتنعمَ ربّةُ المنزلِ بالراحةِ والسهولةِ في إنجازِ المَهامِ المتعلقةِ في هذا الفراغِ النابضِ، وتشعرَ بالسعادةِ في مملكتِها الصغيرةِ؛ التي تقضي جُلَّ وقتِها تجولُ بين زواياها، فهو لعبتُها الجميلةُ، ومكانُها المحتمُ الذي لا غِنى عنه كلَّ صباحٍ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى