كتاب الثريا

وللزواجِ مراحلُ

بقلم: د. عطا الله أبو السبح النائب في المجلس التشريعي..

من أسعدِ أيام العمر لأيّ أسرةٍ؛ أنْ تُخطَبَ إحدى بناتها، أو يَخْطِبَ أحدُ  أبنائها، تبدأ بمرحلةِ بحثٍ مرهِقة عن العروس، التي يجتمعُ فيها شروط الخاطب، وما يوافق مزاجَ أمّه وأخَوَاتهِ وزوجات أخوته، أو حتى صاحبات والدته، لتبدأ بمرحلة أخرى _ وأيضًا _ مرهِقة، هي موافقةُ العروس _من عدمِها_ على الخاطب، فقد لا تجتمعُ فيه شروط المخطوبة! أو قد لا يروقُ لأمّها أو أخوتِها أو أبيها! وكل ما سبق من حيثُ الشكل والمنطق، لتبدأ مرحلة ثالثة، تتمثل في السؤال عن الخاطب، والسؤالِ عن أهل المخطوبة، وقد تأخذُ هذه المرحلة مدّة ليست بالقصيرة، فإذا تجاوَز الخاطب، وتجاوزت المخطوبة كلَّ هذه المراحل بالموافقةِ؛ جاءت المرحلةُ الرابعة، والتي تتضمّن “الطلبات” من مهرٍ وشقةٍ وصالاتٍ (واحدة للإشهار، والثانية للحِنّة، والثالثة للزفاف) وهي غالبًا ما تكونُ مرحلةً صعبة جدًا، خاصة لمن يبدأ في تكوينِ حياته، ولم ينبتْ له ريش _بالقدر الكافي_ بعد… فإنْ قدّرَ اللهُ الموافقةَ؛ كانت المرحلةَ الخامسة، وهي عقْدُ القران… وما يَعقُبه من أيامٍ أو أشهر أو سنواتٍ من انتظار ليلةِ الزفاف، وإلى هنا وأقول: لي رأي في كلِّ مرحلةٍ من المراحل السابقة:

ففي الأولى: يجب أنْ يتواضعَ كلٌّ من (العريس والعروس) فيما ينبغي أنْ يتوفّرَ من شروطٍ في أحدهِما؛ ليَحظى بقَبول الآخَر، ويكفي الدِّين والخلُق بالحدِّ الذي يمنعُ من الانحرافِ وسوءِ العِشرة، ويُلْزِمُ الطرَفينِ بالاحترامِ المتبادل، فلو توفّر لكلٍّ منهما ما يحقِّق ذلك؛ فهذا يكفي لينالَ رضا الطرَف الآخَر، إلى جانب توفُّرِ مقاساتٍ متواضعةٍ للجمالِ والأناقة، والقدرةِ على التكيفِ، والإلمامِ بمبادئ الإتيكيتْ والمدَنيّة، ولا داعيَ للجنوحِ إلى الخيالِ وأحلامِ اليقظة.

وفي الثانية: يجب أنْ يخِفَّ التدخُل في مزاجِ العريس، وفي مزاج العروس، على السواءِ، من قِبلِ الأهل، فقد بلغَ كلٌّ منهما مبلغًا من القدرةِ على التمييزِ وحُسنِ الاختيار، ما يؤهِلُهما لتحمُّلِ المسئولية. وأقول: التخفيف، ولا أقول: الامتناع أو الإقلاع، سَدًا للثغراتِ، أو لإكمالِ قصورٍ أو تصوُّر، ولكنْ ليس بِفَرْضِ الرأي بالإكراهِ، أو بسيفِ الحياء، فأذواقُ الناسِ متباينةٌ إلى حدٍّ بعيد…

وفي الثالثة: وهذا حقٌّ… فمِن حقِّ كلِّ طرَفٍ أنْ يَطْمَئنَ للطرَفِ الآخَر، من حيثُ حُسنِ سلوكِ أفرادِ العائلة، وعدمُ وجودِ شائبةٍ فاضحةٍ في تاريخها … وخاصةً الدائرةَ الأضيقَ (الأم، الأب، الأخوة، الأخوات) بعد الدائرةِ الأهمِّ وهي ( العريسان).

وأمّا الرابعة: فأؤكّد أنّ على الطرَفين، وخاصةً العروس، ألا تُثقِلَ كاهلَ العريسِ بطلباتِها، حتى لا يغرقا في ِبرْكةٍ من الديون، مما يؤدّي إلى ضيقٍ وتَبَرُّمٍ ونفورٍ من جانبِ ذَوي العريسِ تُجاهَ العروس؛ الأمرُ  الذي يؤسِّسُ لعلاقةٍ غير سوية، قد تؤولُ إلى خصوماتٍ ونزاعٍ وكراهيةٍ، وقيلٍ وقال، ونميمةٍ وغيبة ( وتلقيح كلام) ينبغي للجميع أنْ يتلافَوا أسبابَه ودواعيه.

أما الخامسة: فأؤكد _ أيضًا _ على (وجوب) ألاَّ تَطولَ فترةُ انتظارِ ليلة الزفافِ بعد العَقد… فهي فترةٌ حرِجة جدًا، وخاصة إذا تخلَّلها زياراتٌ وطلعاتٌ ونزلاتٌ (وطشّات) وتأخيرٌ حتى المساء، وأين فلانة؟… مع عريسها (بيعملوا shopping) أو في المطاعم… مما يُفقِدُ هذه العلاقةَ هيبتَها واحترامَها، فضلاً عمّا يتولّدُ عن ذلك من سلبياتٍ حادةٍ في الحواراتِ والرغبات… قد تُفضي إلى تجفيفِ مياه المودّةِ والرحمة، لتحلَّ محلَّها النّديةُ والعنادُ والزَّعلُ المتقطّعُ أو المتّصِل، واكتشافُ عيوبٍ ما كان لها أنْ تَظهرَ؛ لو لم تَطُلْ مدّةُ الخطوبةِ (حسبَ الخطأ الشائع).

فلْيتريّثْ الجميعُ في المراحلِ الأربع، ولْيَعَجَلْ في المرحلةِ الأخيرةِ؛ قطْعًا للطريقِ عن سلبياتِ الانتظارِ التي – لا سمحَ اللهُ – قد تُفضي إلى الطلاقِ قبلَ الدخولِ!ِ}
(وإلى المُلتقى في مقالٍ آخَرَ؛ إنْ أفسحَ اللهُ لنا في الأجَلِ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى