في بناءِ اسمِ “دلال باجس”

دلال باجس.. وباجس هو اسمُ أبي، وليس اسمَ العائلةِ، ولكنْ لأني يُتِّمتُ منذُ كان عمري (9) سنواتٍ، أحببتُ أنْ أُعرَفَ باسمِ والدي؛ حتى أرفعَ ذِكرَه، كنتُ منشِدةً في صغري، وبدأتُ النشيدَ في عامي السادسِ، وتوقفتُ في عامي الثالثَ عشرَ.
أُمي هي الأسطورةُ والقدوةُ والملهِمةُ ، ربّتنا أيتاماً، وكنا (4 )بناتٍ وصبي ، الكُبرى “ريما” درستْ علمَ الاجتماعِ، ثم “فاطمة” درستْ الكيمياءَ، وهي الآن تُحضِّرُ نفسَها للدكتوراه في الكيمياءِ، أمّا أخي “مصطفى” درسَ الديكورَ والتصاميمَ الداخليةَ في الأردن، وهو يكملُ دراستَه في أمريكا الآن؛ تخصُّص “قضاء جنائي” أمّا “نقاء” درستْ بكالوريوس إعلام، وماجستير علم اجتماع، وهي تحضّرُ نفسَها الآن للدكتوراه في الدراساتِ الإسلاميةِ.
وكان عمرُها عندما ترمّلتْ( 32 )عاماً، فكانت الأمَّ والأبَ والدرعَ الحاميَ، كان شِعارُها في الحياةِ: ” أنتم متميّزونَ، افعلوا كلَّ شيءٍ ما دام حلالاً، وابتعدوا عن أيِّ شيءٍ إذا كان حراماً، ولا تكترِثوا كثيراً لنظرةِ المجتمعِ، فالمجتمعُ يعيشُ فيه الصالحُ والطالحُ.. المُحبُّ والحاقدُ.. العادي والمميَّزُ.. فكونوا من الفئةِ الأخيرة” .
نشأتُ وتربيتُ في المساجدِ، زرتُ كافةَ الجامعاتِ الفلسطينيةِ في الضفةِ، وكنتُ مبهورةً دائماً بطلبةِ الجامعاتِ؛ لاسيَّما أبناءُ التيارِ الإسلاميِّ، وبالمناسبةِ أنا من “رام الله” أصلي من قريةِ “بيتين” شرقي رام الله، وهي القريةُ التي تقعُ (مستوطنة بيت إيل) الشهيرةِ على جزءٍ من أراضيها، وأبي من “بيتين” وأُمي من الُّلد.
فلسطينُ هي مائي وهوائي، أرضي وسمائي، وما خرجتُ منها إلاّ لطلبِ العلمِ ، على الرغمِ ممّا لي فيها من آلامٍ وذكرياتٍ؛ رأيتُ فيها جيشَ الاحتلالِ؛ يعتقلُ والدتي من منتصفِ الشارعِ في الانتفاضةِ الأولى، وتركوني في الشارعِ وحدي، ولم أكنْ قد بلغتُ أعوامي الثلاثةَ بعدُ، وفيها رأيتُ الأجهزةَ الأمنيةَ تنتزعُ زوجي من بيتِنا الصغيرِ؛ الذي لم يمضِ على وجودِنا تحتَ سقفِه أقلُّ من شهرٍ، و فيها رأيتُ “الأباتشي” تقصفُ بالصواريخِ التي مرّت من فوقِ رؤوسِنا على حاجزِ “سردا” الشهيرِ؛ بينَ رام الله وبيرزيت، وسمعتُ صوتَ ارتطامِ الصاروخِ بالحجرِ لأولِ مرةٍ.
أبي كان مَن أطلقَ عليَّ اسمَ “دلال” تيَمُناً بالشهيدةِ “دلال المغربي” ولدتُ في أمريكا، في قريةٍ جميلةٍ تسمّى “كانوشا” في ولايةِ “ويسكانسن” وكان أبي حينها مهووساً بالمقاومةِ الفلسطينيةِ ، وهو إسلاميُّ الهوَى ، تُوفّي في أمريكا أثناءَ عملِه في إحدى الشركاتِ، دونَ سابقِ إنذارٍ، وقد كان عمرُه حينها (40) عاماً.
بدأتُ الكتابةَ الأدبيةَ منذُ كنتُ طالبةً في المدرسةِ الإسلاميةِ، وحصلتُ على العديدِ من الجوائزِ في المسابقاتِ المدرسيةِ على مستوى المحافظةِ والوطنِ، أبرزُها كانت الجائزةَ التي حصلتُ عليها نتيجةَ اشتراكي في مسابقةِ كتابةِ أفضلِ رسالةٍ، وقد وجّهتُ رسالتي حينها “لريتشل كوري” التي قضتْ تحتَ جنازيرِ الدباباتِ الإسرائيليةِ.
ثُم التحقتُ بمؤسسةِ “تامر” للتعليمِ المجتمعي، وكنتُ عضواً فاعلاً في فريقِ “يراعات” الذي يُصدِرُ جريدةً دوريةً؛ تحوي كافةَ إبداعاتِ الموهوبينَ والطامحينَ بمستقبلٍ أدَبيّ ، وعلى الرغمِ من كوني تخرّجتُ من الثانويةِ العامةِ _الفرع العلمي_ بُمعدّلِ (94) إلاَّ أنني اخترتُ أنْ أدرُسَ اللغةَ العربيةَ لِعشقي لها.
في سنَتي الجامعيةِ الثانيةِ؛ أصبحتُ عضواً في مجلسِ طلبةِ جامعةِ “بيرزيت” وقد كان المجلسُ في ذلك العامِ مميَّزاً جِدّاً _ولله الحمد_ بشهادةِ الطلبةِ والمدرِّسينَ على حدٍّ سواء ، أنهيتُ لقبي الأولَ في الجامعةِ بثلاثةِ أعوامٍ، ثُم بدأتُ مرحلةَ التدريسِ في نفسِ المدرسةِ التي كنتُ طالبةً فيها؛ أدرِّسُ العربيةَ بدلاً من معلّمتي وقدوتي التي أصبحتْ في ذلكَ الوقتِ نائبةً لمديرةِ المدرسةِ.
تزوّجتُ بعدَ ذلك برفيقِ دربي، وشَطرَ رُوحي “حسن القدومي” بكالوريوس هندسةٍ كهربائيةٍ، وماجستير علمِ اجتماع، ودكتوراه علومٍ سياسيةٍ، وما لبثَ أنْ اعتُقلَ بعد زواجِنا بأسابيعَ؛ ليقبعَ في أقبيةِ الوقائي قرابةَ نصفِ العامِ، كانت من أصعبِ أيامِ عمُري.
التحقتُ ببرنامجِ الماجستير في الدراساتِ الدوليةِ بجامعةِ “بيرزيت” وأنهيتُه في عامٍ ونصفٍ، بعدَ أنْ قدّمتُ أطروحَتي التي فازتْ في حينِه بمسابقةِ أفضلِ رسالةِ ماجستير من مؤسَّسةِ مواطن؛ لتصبحَ بعد ذلك أولَ كُتبي المنشورةِ الدبلوماسيةِ العامةِ الفلسطينيةِ، بعدَ الانتخاباتِ التشريعيةِ الثانيةِ .
وفي نفسِ اليومِ الذي حصلتُ فيه على لقبي الثاني في الجامعةِ؛ رزقَني اللهُ بأجملِ الأطفالِ وأذكاهم” طيبة” منذُ أنْ حصلتُ على شهادةِ الماجستير؛ وضعتُ خُطةً خمسيةً_ إذا جازَ لنا التعبيرُ_ وأخرى بعيدةَ المدَى، وتمثّلتْ خُطتي الخمسيةَ بحصولي على اللقبِ الثالثِ “الدكتوراه” قبلَ أنْ أبلُغَ الثلاثينَ! وإنتاجِ كتابٍ في كلِّ عامٍ.
وبفضلِ اللهِ، و عَونِ زوجي الرائعِ، وعائلتي المميَّزةِ بشقّيها، عائلتي الأصيلةِ، وعائلةِ زوجي، هاأنذا أقتربُ من الانتهاءِ من خطتي الخمسيةِ بحذافيرِها_ وللهِ الحمدُ_ صدرَ كتابي الثاني؛ الحركةُ الطلابيةُ الإسلاميةُ في فلسطينَ “الكتلة الإسلامية نموذجا ” عامَ 2012 وطُبعَ طبعتَان .
أمّا كتابي الثالثِ “النساءُ الإسلامياتُ في الوطنِِ العربي، من ردّةِ فعلٍ إلى واقعٍ جديدٍ” فصدرَ عن دارِ السلامِ للنشرِ والتوزيعِ( 2013) في القاهرةِ.
وكتابي الرابع “اللحنُ والبارودُ” دورُ الأنشودةِ في التنشئةِ السياسيةِ للحركاتِ الإسلاميةِ حماس، وقريباً أنتهي من أطروحةِ الدكتوراه في العلومِ السياسيةِ .
الكاتبة / دلال باجس