الزاوية الأمنية

من فيسبوك إلى وحلِ العَمالةِ

من فيسبوك إلى وحلِ العَمالةِ

لم يكنْ (الفيس بوك) بالنسبةِ “لمحمد” مُجردَ عالَمٍ افتراضي فحسبْ، بل كان جُزءاً أساساً في حياتِه، يحاولُ من خلالِه الهروبَ من واقعِ العزلةِ الاجتماعيةِ التي يُعاني منها، فكان يقضي معظمَ وقتِه خلفَ الشاشةِ الصغيرةِ؛ يحاورُ الأصدقاءَ والصديقاتِ؛ بلا أيِّ قيودٍ وبكلِّ المواضيعِ، ينشرُ الأخبارَ والتعليقاتِ والصورَ والخواطرَ و الأحداثَ، وكلَّ ما يجولُ في خاطرِه.

تعدادُ أصدقائه وصلَ إلى قُرابةِ أربعةِ آلافِ صديقٍ ، لم يكنْ يتوانَى في إضافةِ أيِّ شخصٍ؛ سواءٌ على (الفيس بوك) أو على أيِّ وسيلةِ تَواصلٍ أُخرى ، في إحدِ الأيامِ وصلَ إليه إضافةٌ من فتاةٍ تدَّعي أنها من سوريا، لكنها مقيمةٌ في جنوبِ أفريقيا، و أنها تتواصلُ معه لشعورِها بأنه إنسانٌ بالدرجةِ الأولى، وطلبتْ منه أنْ يضيفَها على (الإيميل) فلم يجِدْ “محمد” في ذلك مشكلةً، بل أرسلَ رقمَ هاتفِه، وكافةَ وسائلِ التواصلِ معه.

بعدَ شهرٍ ونصفٍ؛ أُرسلتْ له رسالةٌ؛ راجع صندوقَ البريدِ ، وعندما فتحَ “إيميلَه” وجدَ “إيميل” من صديقتِه السوريةِ ، وعند فتحِه تفاجأ برؤيةِ صورِه الشخصيةِ في أوضاعٍ مُخِلّةٍ للآدابِ، مع نساءٍ عارياتٍ محكومةَ “الدبلجة” ولا يمكنُ أنْ يكشفَ دبلجتَها إلا بعضُ المُختصّين .

انهارَ عندَ رؤيتِه لهذه الصوَرِ ، وعند قراءتِه  “إيميلات” كلِّ أفرادِ عائلتِه.. والدُه صاحبُ المركزِ المعروفِ في غزةَ ، وما هي إلا سويعاتٌ؛ حتى كانت تتواصلُ معه عبرَ (الفايبر) وتُخبرُه بأنها إحدى مجنّداتِ الجيشِ الإسرائيلى، وأنّ عليه أنْ يتعاونَ معها؛ و إلا بضغطةِ زرٍّ واحدةٍ ستكونُ الصورُ قد وصلتْ إلى العديدِ من أصدقائهِ وعائلتِه.

عاودَ الاتصالَ بها ، وأخبرها أنّ الصورَ مفبرَكةٌ ، فأخبرتهُ أنّ صورَ الفضائحِ لا أحدَ يدقّقُ فيها، والجميعُ ينشرُها دونَ معرفةِ حقيقتِها أصلاً ، فدخلَ في حالةٍ من الصدمةِ والهستيريا والصراخِ ، حاولتْ المجنّدةُ اللعبَ بأعصابهِ وتهدئتِه من خلالِ بعضِ الكلماتِ المعسولةِ ، ثُم أخبرتهُ أنها لن تحتاجَ إلى معلوماتٍ ضخمةٍ، وكلُّ ما ستحتاجُه بعضَ المعلوماتِ عن (فيس بوك) وأنها بالمقابلِ ستَعِدُه ببعضِ السعادةِ ، فانهارَ أمامَ كلماتِها، ووافقَ على العملِ معها؛ شريطةَ أنْ تكونَ المعلوماتُ عامةً .

في الأيامِ التاليةِ لحادثةِ الصور ، عكفتْ على محادثتِه في أوقاتٍ متأخرةٍ من الليل ، واستثارتهُ ببعضِ الألفاظِ والعباراتِ، حتى باتت هذه المحادثاتُ تتخطّى الخطوطَ الحمراءَ ، وانتقلتْ من الهاتفِ إلى محادثاتِ الفيديو ، وما هي إلا أيامٌ؛ حتى بدأتْ تطلبُ منه بعضَ المعلوماتِ عن المقاومينَ، والأشخاصِ القاطنينَ بالحي.

و لولا رعايةُ اللهِ، وقبلَ أنْ يعطيهم “محمد” معلومةً واحدةً؛ لاحظَ والدُه بعضَ التصرفاتِ الغربية ، التي دفعتْ بمراقبةِ “محمد” لعدةِ أيام، عبرَ أخيهِ الأكبر ، حتى اشتبهوا بغرابةِ تصرفاتِه! فقامَ والدُه بمصادرةِ هاتفِه النقال، وجهازِ اللاب توب؛ ليتفاجأ بالأرقامِ الإسرائيليةِ الملِحّةِ بالاتصالِ، فما كان منه إلا أنْ واجَه ابنَه الذي انهارَ باكياً، وأخبرَ والدَه بكل التفاصيل .

تواصلَ الأبُ مع الجهاتِ المعنيةِ، وأخبرهم بما حدثَ مع الابنِ ، ولولا رعايةُ اللهِ؛ لكان “محمد” واحداً من القابعينَ في وحلِ العمالة .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى