الزواجُ عَبْرَ الفيس !

بقلم د. عطا الله أبو السبح
حالاتٌ كثيرةٌ ،وفي بلدانٍ كثيرةٍ ، وفي كلِّ يومٍ، بل في كلِّ لحظةٍ، يَتِمُّ التعارفُ بينَ فتياتٍ وشبّانٍ عبرَ شبكةِ التواصلِ الاجتماعيّ ( الفيس بوك ) تكونُ البدايةُ إعجاباً بالصفحةِ ، ثُم استعراضاً لِما ينشرُ عليها ، ثُم السلام عليكم ،وعليكمُ السلامُ ، ثم كيف الأحوال ، كيفك ( بكلِّ اللهجاتِ المَحليّةِ وحتى الأجنبيةِ ) ….وما هي إلا أيامٌ أو بضعةُ أيامٍ؛ حتى يَنتقلَ المتعارفونَ إلى الخاصِّ ، وهناك يكونُ الحوارُ أكثرَ صراحةً وأريَحيةً ، يؤدّي إلى تبادُلِ أرقامِ الجوالاتِ ، وهنا أقفُ عندَ النقاطِ الآتيةِ :
الأولى : لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يمنعَ ذلك ، فوسائلُ الاتصالِ سهلةٌ ومَيسورةٌ ، فلَدَى كلِّ شابٍّ وشابّةٍ حاسبٌ آليٌّ مُتنقلٌ ( لاب توب ) ويقومُ مقامَه أجهزةٌ أصغرُ حجماً، وأخَفُّ وزناً ( الأجهزة الذكية ) من التاب وأخواتِه ، وإلاّ فالجوالُ بكلِّ أجيالِه ، وإمكاناتِه التي تصلُ إلى درجةِ الإعجازِ ..
الثانية : لدَى شبابِنا وشابّاتِنا قدرةٌ خارقةٌ متزايدةٌ في التعاملِ مع هذه الأجهزةِ ، ما لا يستطيعُه أبٌ ( دَقّة قديمة ) ولو حاولَ ذلكَ لعشراتِ السنينَ ، وتتَّسِمُ هذه القدرةُ بمهاراتٍ متنوعةٍ من التخَفّي والمُناورةِ والتبريرِ – وهنا تكمُنُ الخطورةُ – إذا أُسيءَ استعمالُ هذه الأجهزةِ ؛ ويتمثلُ ذلكَ في النقاطِ الآتيةِ :
أولاً : سيطرةُ الرغبةِ في المتابعةِ لدرجةِ الإدمانِ ،وبما يضيّعُ الوقتَ والجهدَ والتركيزَ ..
ثانيا : التأثيرُ على السلوكِ العامِّ ، بما يزرعُ من مفاهيمَ غريبةٍ ، ويوقظُ أحاسيسَ ومشاعرَ وغرائزَ ..
ثالثاً : المَيلُ إلى العزلةِ والاندماجِ في عالمٍ وهميٍّ؛ لا علاقةَ له بالواقعِ ، والانقطاعُ التدريجيُّ عن الأُسرةِ وتعاليمِها، وعن القِيمِ الموروثةِ ، والعاداتِ والأعرافِ الاجتماعيةِ ،وخاصةً الإيجابيةَ منها ، دونَ السلبيةِ ..
رابعاً : الفقدانُ التدريجيُّ للشجاعةِ الأدبيةِ ، والخوفُ المتزايدُ من اكتشافِ حقيقةِ الانشغالِ بهذا العالمِ الوَهميِّ والافتراضيّ ، والمَيلُ إلى الكذبِ والوقاحةِ؛ بدَلاً عن الصدقِ والصراحةِ ..
خامساً : الوقوعُ التدريجيُّ في شِباكِ (الرغبة ) والكلامِ المعسولِ ، والثرثرةِ مع مجهولٍ ،الأمرُ الذي قد يتطوّرُ إلى ( التعلُّقِ ) الزائدِ ، والاستسلامِ للسَّرحانِ ، واحتدامِ الصراعِ بينَ العقلِ والعاطفةِ ، فإنْ انتصرتْ الثانيةُ؛ فقد وقعَ المحظورُ، وتَحقّقَ الفشلُ في كلِّ عملٍ، وخاصةً (الدراسة) ..
سادساً : الخوفُ المتزايدُ من المستقبلِ؛ بعدَ كلِّ إخفاقٍ في تحقيقِ ( وعدٍ ) أو حُلمٍ؛ بما يؤدّي إلى اضطرابٍ في المزاجِ العامِّ، ورغبةٍ دائمةٍ في البكاءِ ..
سابعا : عدمُ القدرةِ على مواجهةِ الصدمةِ الكبرى، حالَ اكتشافِ أنّ الطرَفَ الآخَرَ؛ لا يَرغبُ إلاّ في التسليةِ ودَغدغةِ العواطفِ ، والجنوحِ إلى الاستمتاعِ بالّلذةِ المُحرّمةِ، في حين أنّ شريكَه قد حمَلَ الأمرَ على مَحمَّلِ الجَدِّ ، وغرقَ في الأحلامِ حتى أُذنَيهِ …
وتزدادُ هذه الحالةُ سوءاً، إذا حالتْ دونَ اللقاءِ بينَهما حواجزُ الجغرافيا أو السياسةِ ، التي يستحيلُ اجتيازُها أو اختراقُها ..
ولكنْ قد تصيبُ أحياناً؛ فيتحقَّق المأمولُ وهُنا :
1- تكونُ الصدمةُ أشدَّ؛ إذا تبيَّنَ التناقضُ بينَ الصورةِ الذهنيةِ والقلبيةِ، وبينَ الصورةِ الحقيقيةِ والواقعيةِ لواحدٍ منهِما أو كليهِما .
2- في حالِ التطابُقِ ما بينَ الخيالِ والواقعِ، فقد تَبرُزُ معوّقاتٌ أُخرى؛ بسببِ عدمِ إمكانيةِ المُضيِّ في تحقيقِ الهدفِ، أو بسببِ الفروقِ الاجتماعيةِ ، والكفاءةِ أو السِّن أو الارتباطِ بطرَفٍ ثالثٍ ( زوجٌ أو زوجةٌ أو مشروعُ زواجٍ آخَرَ ) أو ثقافةٍ ، أو عدمِ القدرةِ على ( فتحِ بيتٍ ) بما عبَّرَ عنه النبيُّ الأكرمُ – صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم – بـ(الباءَة) ..
3- قد يكونُ مناسِباً من كلِّ الوجوهِ، ويتحقّقُ الهدفُ – وهذا نادراً ما يكونُ – ولكنْ قلَّما تستمرُّ الحياةُ على أساسٍ من التفاهمِ والاحترامِ المتبادلِ ، وتَوفُّرِ عواملِ الصمودِ أمامَ القيلِ والقالِ ،والغيبةِ والنميمةِ والتندُّرِ والهمزِ واللمزِ (لقد تزّوجتْ عبرَ الفيس)!! …
وهنا أتوَقفُ لعلَّ اللهَ يَجمعُنا في لقاءٍ آخَرَ؛ إنْ أفسحَ اللهُ لنا في الأجلِ ، بمشيئتِه تعالَى … فإلى المُلتقَى …