دين ودنيامركز الاستشارات

يَمينُ الطلاقِ سلاحٌ لإضعافِ المرأةِ والضغطِ عليها!

لا تَعلم “بثينة ” إنْ كانت على ذِمّة زوجها أم لا! فهي في حَيرة من أمرها ! وذلك بسبب سماعها يمين الطلاق من زوجها بشكلٍ يومي، وعلى أتفَهِ الأسباب! حيث أنّ زوجها استخدم العصمة التي منحها الله له؛ سيفا على رقبتها؛ ليعبث بحياتها بأرخص الكلماتِ وأهزلها، ولينفّذ رغبته، يمين الطلاق الهزلي؛ يمينٌ يستسهِلُه الكثيرُ من الرجال بالقول؛ لتأكيد كلامِه أو للإصرار على رأيه , في حين تقع زوجاتُهم رهائن تحت هذا الشعار ، “السعادة” في تحقيقها التالي؛ تناقش خطورة التهديد بالطلاق على عُش الزوجية .

“عليَّ الطلاق ما بتطلعي من البيت اليوم،  عليَّ الطلاق ما بتروحي على السوق ، عليَّ الطلاق ما بتعملي هيك وهيك  ”  يمينٌ تِلو اليمين؛ تسمعُه الثلاثينية “أم عمر” ربة منزل، ولديها بنتان وولد، كلما أرادت أنْ تفعل شيئاً؛ يعترض عليه زوجها ، ما يجبِرُها على الرجوع عن رغبتها؛ خوفاً من أنْ ينفِّذَ هذا اليمين .

وتقول :” ينطق زوجي يمين الطلاق أكثر من اسمي ، فكلما أردتُ أنْ أفعل أيَّ شيء، هو لا يريده، فورا بلا تردُّد أسمع منه “عليَّ الطلاق ” ويجبرُني عن التراجع عما أريدُ بهذا اليمين ، فهو طريقته الوحيدة؛ لمنعي وتنفيذِ أوامره وكلمته ، بالرغم من أنني لا أحتاجُ إلى يمين الطلاق لأنفّذ رغباته ، بل يمكنه إقناعي بألفِ طريقة غيرها، ولكن كما يقول المثل ” عادته وبدّه يشتريها”.

ولا تشعر “أم عمر” بالأمان والاستقرار مع زوجها؛ بسبب نطقه المتكرر ليمين الطلاق فتقول :” لا يقف الأمرُ عند اليمين فقط؛ بل هو دائما يهدّدني بالطلاق عند أيّ خطأ أفعلُه، أو أي مشكلة تحصل بيننا، فهو من كثرة تهديده وأيمانه؛ أشعر بأنني سأذهب مطلّقة إلى بيت أهلي بأيِّ وقت قريب “.

أمّا سلمى “26عاما” لم تكن حياتها مِثلَ “أم عمر” فهي منذ أنْ تزوجت؛ لم تسمع زوجها ينطق ذاك اليمين، لأي سبب من الأسباب ، وتوضح أنّ لزوجها أساليبَ كثيرة؛ يستطيع أنْ يفرض رأيه عليها، دون اللجوء ليمين الطلاق .

وتقول :” من حقِّ الرجل أنْ يمنع زوجته عن أشياء تزعجُه ولا يرغبُها؛ ولكنْ بالتفاهم والرّضا،  وبالحدِّ المعقولِ، فلا يقيّد حريتها، ولا يُطلِقَها بالكامل ، وبالابتعاد عن طريق التهديد والتعنيف والترهيب “.

وتصِفُ “سلمى” الزوج الذي يحلف على زوجته بالطلاق دائماً أو نادراً؛ بالرجلِ ضعيف الشخصية؛ لأنه يهدّد زوجته بالطلاق من أجل فرضِ رأيه عليها، وهذا ليس من الرجولة .

رغبةً في الطاعةِ:

ويرى كمال .س “30 عاما” و متزوج منذ 6 أعوام؛ أنّ المرأة هي من تُجبِرُ زوجَها إلى اللجوء ليمينِ الطلاق ويؤكدُ أنّ الرجل إذا وجد من زوجته الطاعةَ، وإتّباع أوامره؛  لن يضطَّر ليتعاملَ معها بهذا الأسلوب .

ويعترف أنه يحلف على زوجته بيمين الطلاق في حالات معينة :” أنا لا أنطقُ هذا اليمين كثيراً، ولكنْ عندما تصرُّ زوجتي على شيء ما لا أريده؛ ولا أراه مناسباً، تجِدُني بشكل لا إرادي أحلف عليها بالطلاق “. ويبيّن أنّ زوجته هي من جعلته يضطّر لهذا؛ بسبب عنادها وإصرارها على رأيها، برغم رفضِه لما تريد .

ويؤكد كمال أنه عندما يستخدم هذا اليمينَ؛ فإنه لا يقصد الطلاق الفعلي لزوجته، ولكن رغبةً في طاعته، وتنفيذ أوامره .

أمّا بالنسبة “لعزام .ع “صاحب ال(40) عاماً، ومرّ على زواجه أكثر من( 15 )عاماً، لم ينطق خلالها هذا اليمين على زوجته أبداً، حيث يعدُّه بيمينٍ هزْليٍ فاسقٍ؛ من الممكن أنْ يدمّر الأُسرة ويفرقها .

ويقول :” ليس من اللائق بأيّ رجل؛ أنْ يربط حياته وحياة زوجته بيمينٍ كهذا، من الممكن أنْ يتحول إلى شيء جادٍّ ، فهناك طرُق كثيرة ؛غيرُ يمين الطلاق من الممكنِ أنْ توصل الأزواج إلى حلٍّ واتفاق ، فمن يرِدْ أنْ يحلفَ فليحلفْ باللهِ فقط “.

لا يقفُ الحالُ عند الأزواج فقط، فللأبناء نصيب من هذا اليمين .

أبناءٌ منزعجون:

حيث كان يمين الطلاق عند فاتن “16 عاما ” هو المانع الذي منعها من الخروج إلى رحلة مدرسيةٍ؛ سجّلت فيها دون علم والدِها .

وتقول :” لم استأذن من والدي بالتسجيل في الرحلة؛ لأنّ الأمر كان مفاجئاً ، وعندما علِم عنها رفض أنْ أذهب، ولكنْ بسبب إصراره قال “عليَّ الطلاق من أمك ما بتروحي ” فاضطّررتُ بعدها أنْ لا أذهبَ؛ حتى لا يسقطَ يمين الطلاق على أمي “.

وتوضّح أنّ والدها دائماً يحلف هذا اليمين؛ عند اعتراضه على أي شيء، حتى يضعهم تحت أمرٍ واقع لا نقاشَ فيه .

وكذلك ينزعج الطالب الجامعي “ماهر” من استخدام والده يمين الطلاق في أغلب مشاكساتِه مع والدته ويقول :” يمين الطلاق هو الطريقة الوحيدة؛ التي يستخدمها والدي؛ ليفرضَ رأيه علينا، وعلى أمي ، فأنا في الغالب لا أسمع صوته إلاّ عند الاعتراضِ وحلفِ هذا اليمين “.

ويتحدث عن غضبِ والدته من تصرُّفات والده؛ حيث إنها في أحيانٍ كثيرة تبكي، ودائما تحاول أنْ تغيِّرَ من طباع والدي، ولكن لا فائدةَ من ذلك .

كالسيفِ على الرقبةِ:

إنّ العلاقة بين أي زوجين؛ علاقة مباركة قائمةٌ على التوادِّ والتراحم ،يقول تعالي “وجعلنا بينكم مودة ورحمة ” ، وإذا خلت أي علاقة زوجية من المودة والرحمة؛ أصبحتْ جحيماً لا يطاق ،كما أنّ التهديد بالطلاق؛ يدخل من باب التعنيف للزوجة، في حين أنها أحوجُ ما تكون للشعور بالأمن والأمان ، فكيف لها أنْ تتمكن من أداء رسالتها، في تخطيط وتربية أبنائها التربية السليمة، التي تكفُل لهم الراحة النفسية والاجتماعية، وللحديث عن الأثر النفسي والاجتماعي؛ لحلف يمين الطلاق على الزوجة؛ التقتْ “السعادة” مع الأخصائية النفسية “حنان أبو ظاهر ” وتقول :” الحلفُ بيمين الطلاق يؤثّر سلباً على تماسُك البيت المسلم وقوته ؛حيث تشعرُ الزوجة بأنّ الطلاق كالسيفِ الموضوع على رقبتها ،ما يشغلها أصلاً عن دورِها العظيمِ بالأسرة، وهي تربية الأبناء التربية السليمة الكريمة، وهذا التعنيف يشغلها ويحدُّ من تركيزها على أسرتها وحياتها، ويجعلها منشغلة البال، لا تشعر بالأمن والثقة “.

وتضيف :” يؤثّر على سلوك الأبناء؛ حيث يغيب الاهتمام بهم لانشغال الزوجين بمشاكلهم الزوجية؛ ما يؤدّي إلى انحرافهم لغياب المراقبة ، كما أنّ  الحالة النفسية تتأثر، فيميلون للاكتئاب والحزن والانطواء والشعور بالقلق والاضطراب، كما نرى الأطفال يميلون للخروج من البيت، والبحث عن البيئة الآمِنة، ويقعون في خيوط جماعاتِ ورفقاء السوء “.

وتُرجع أسباب لجوء الرجال للحلف بيمين الطلاق إلى :” ضعف في شخصية الزوج،  والتسرع في اتخاذ القرارات ، ضعف الوازع الخلُقي، وسوء التنشئة الاجتماعية للزوج ، صِغرُ سنّ الزوج، وقلّة خبرته ، الفهم الخاطئ لمفهوم سيطرة الزوج في الأسرة ، ضعف قدرة الرجل على تحمّل المسئولية داخل الأسرة ، أنانية الزوج، وميله لتغليب رغباته على مصلحة الأسرة وتماسُكها ، نوعٌ مِن إبراز مَواطنِ السلطة والقوَّة لدَى الرجل؛ الذي يُعاني من خلَل في اتزانه الانفعالي؛ نتيجةً لعدم القدرة على ضبط انفعالاتِه أو غضَبه، أو عدم قُدرته على مواجهةِ موقف الخِلاف، وعدم قدرته على حلِّها؛ وِفقًا لطبيعة وحجم الموقِف الذي يتطلَّب الردَّ، مَّا يَنتجُ عنه رغبتُه في إنهاء الخِلاف بلفظِ الطلاق أو التهديد به،تنشئته وتربيته في أُسرةِ والدٍ يمارس نفْس السلوك والتصرُّف مع والدته، وللعلمِ هذا الفرد أثناءَ طفولته؛ إمَّا أنْ يكونَ رافضًا ومستاءً مِن تصرّف والده تُجاه والدته، أو أنَّه يتخذُ مِن والده قدوةً له، وفي كلتا الحالتين العقل اللاواعي، أو ما يُعرف باللاشعور؛ يُخزِّن مِثل هذه المَشاهِد، ومتى ما أصبح هذا الشخصُ في موطنِ المسؤولية؛ يتصرَّف بنفس طريقةِ والده في تعامله مع زوجته”

أسباب تعودُ للمرأة:

وتوضّح أنّ هناك أسبابٌ أخرَى تعود للمرأة، أو لطبيعةِ العلاقة بيْن المرأة والرجُل، خاصة إذا كانتِ الزوجة ليستْ هي المرأة التي حلم بالارتباط بها، أو فُرضت عليه مِن قِبل أُسرته، أو أنَّ هذه المرأة غيرُ مبالية، أو حادَّة الطِّباع أو متسلِّطة، أو سيئة التعامُل، أو لا تلبِّي احتياجاتِه ، ويُعاني معها مِن نقص في حاجاته المختلِفة، وموقفه بطبيعة الحال قدْ يكون ضعيفًا؛ لعدم قُدرته على التعامُل معها، أو أنَّه لا يستطيع إدارةَ بيته أو حلَّ مشاكله؛ نتيجةً لسوء العلاقة بيْنه وبيْن زوجته؛ لذلك يلجأ إلى التهديدِ بالحلِف بالطلاقِ؛ كنوعٍ مِن السلطة لحلِّ مشكلاته العالِقة داخلَ الأسرة، لرغبته بالتخلُّص مِن تأثير هذه الحياة التي هو في داخلِه يرفضه.

وتنصحُ المرأة بأنْ تكون واثقةً بنفسها، وألاَّ تبني حياتها على أوهامِ الخوف مِن الانفصال، الأمرُ الذي يدفعها إلى الاستسلامِ لتصرُّف الزوج بالتهديدِ، أو الحلِف بالطَّلاق إلى الخنوع والاستسلام دونَ سببٍ وجيه، بل عليها أنْ تواجهَ هذا التصرُّف بالسؤال والبحْث عنِ الأسباب الداعية لمِثل هذا التصرف.

وتتابع :” عليها أنْ تحتويَ الرجل كما الطفل الصغيرِ بعطفها وحنانها، وتبيِّن له أنَّ مِثلَ هذا التصرُّف؛ يهزُّ كِيان أسرتها وبيتها، وأنها حريصةٌ على اتِّزانه وهدوئه، وتحاول أنْ تبحثَ عن الأمور المشترَكةِ لتقريبِ وجهات النظر، وأنْ تتعاملَ بذكاءٍ؛ حتى تُبقيَ هذا الزوجَ دون انفعال، وتساعده في التخلي عن مِثل هذا التصرف؛ مِن مُنطلق الخوف عليه كزوجٍ وأبٍ وربٍّ لأسرتها”.

وتدعو كلّ زوجٍ يستخدمُ هذا الأسلوب؛ إلى حُسن الرفق بزوجته، والابتعاد عن هذا الأسلوب؛ الذي قد يؤدّي فعلاً إلى حصول الطلاق، وبعدَه لا يفيدُ الندم.

أبغضُ الحلال:

وعلى الرغم من تحذيرات الإسلام الكثيرة من هذا اليمين, سواءُ أكان “هزْلياً أم جادّاً” ,إلاّ أنّ ضعف العقيدة لدى بعض الرجال؛ يلعب دوراً في جهلهم بآثارِ هذا الطلاق، لاسيما أنه من الأمور التي تحتاج للفهم الدقيق ,والتفريق بين الحُرمة والحلال ، فالطلاق هو أبغضُ الحلال عند الله ، فكيف الحال بمن يستخدمُه عنصرَ تهديدٍ لزوجته .

ويتحدث في هذا المجال الدكتور “ماهر السوسي” الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون؛ حيث يفرّق يمين الطلاق إلى “يمين جائز” وهو الذي يستوفي شروط الشريعة، ويكون حلاً لنزاع الزوجين، بعدما استوفوا جميع الحلول ,وأمّا اليمين الآخَر فهو “يمين اللغو ” والذي يَصدرُ عن الشخص في حالات الغضب وحالات أخرى، ويعدُّها الشرعُ غيرَ معتبَرةٍ؛ لقوله تعالى “لا يؤاخذُكم اللهُ باللغو في أيمانِكم، ولكنْ يؤاخذُكم بما كسبتْ قلوبكم”.

ويقول :” إذا اعتاد الرجل حلف الأيمانِ بصورة متكررة، وكان يسبقُ إليها لسانُه دون إرادته، فإنّ هذه الأيمان لا أثرَ لها، لكنْ رغم ذلك فإنّ من يَصدرُ منه هذا التصرفُ؛ هو آثِمٌ حتى وإنْ كان يمينُه لا ينعقدُ، ذلك لقول الله تعالى: [وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ]، حيث نهتْ الآية عن كثرةِ الحلفِ وعدمِ الوفاء بالأيمان، وتزداد معصية الحالف؛ إذا ما استعمل اليمينَ؛ وخصوصاً يمين الطلاق كوسيلة لإكراهِ الآخَرين على فعلِ ما يرغب؛ لأنّ هذا يعدُّ تهاوناً في حقِّ الله تعالى”.

ويبيّن أنّ يمين الطلاق يتوقف على نيّة الزوج، سواءٌ كان للتهديد أَم لغيره، فإذا حلف الرجل يمينَ الطلاق، وكان يقصدُ الطلاقَ بالفعل، فإن زوجتَه تطلقُ إذا لم يتحققْ المحلوف عليه، أما إذا لم يقصدْ الطلاق عند حلفه، وقصدَ مجردَ التخويفِ أو التهديد، فإنّ ذلك يكون يميناً لا طلاقاً، ويلزمُه أنْ يكفِّر عنه إذا لم يتحققْ المحلوف عليه، والكفارةُ في هذه الحالة هي مائة شيكل توزّعُ على عشرةِ مساكينَ؛ كلّ مسكينٍ عشرةُ شواكل ، وإذا قال الرجل (عليّ الطلاق بالثلاثة) فإنها تعدُّ طلقةً واحدةً لا ثلاثاً، وهذا هو المفتَى به اليومَ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى