ذَوُو الاحتياجاتِ الخاصةِ؛ إبداعاتٌ وتحدّياتٌ جبارةٌ

تقرير : أمل عيد
لم تقفْ يوماً الإعاقةُ حاجزاً وعائقاً أمامَ طريقِ الإبداعِ والإرادةِ والنجاحِ، هذه النظريةُ أثبتَها ذَوو الاحتياجاتِ الخاصةِ! فهم لم يستسلموا لإعاقتِهم، بل أثبتوا أنهم قادرونَ على تحدّي الصعابِ، ولم يَعرفوا للمستحيلِ طريقاً، وكان هذا جَليّاً من خلالِ الأعمالِ التي قدّموها لخدمةِ مجتمعِهم وقضاياهُ.
ورفعوا شعاراً ( نَعم للإبداعِ، ولا للفشلِ، نحن هنا رغمَ الإعاقةِ، ونستطيعُ أنْ نعيشَ معكم وبينَكم ) “السعادة” التقتْ بأشخاصٍ لم تقِفْ إعاقتُهم حاجزاً أمامَ إبداعاتِهم ومواهبِهم المَكنونةِ !
نبيلة يوسف اللبّان “39عاماً” تعاني من إعاقةٍ حركيةٍ؛ أصيبتْ بها وهي في الشهرِ السادسِ، بعدَ ميلادِها ؛بسببِ حُمّى شوكيةٍ، إلاّ أنها تعملُ في فنِّ التطريزِ والحفرِ والحرقِ على الخشبِ، وتَحملُ شهادةً في دبلومِ الخياطةِ ، فلم تكنْ إعاقتُها الحركيةُ حاجزاً بينَها وبينَ الإبداعِ والتعلّمِ في الحياةِ.
إثباتُ الذاتِ
وتقول:” لم أستسلمْ لإعاقتي، وبدأتُ أبحثُ عن ما أتحدَّى به إعاقتي! وبالقوةِ والإرادةِ، وبفضلِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ تغلّبتُ عليها، فعملي الأساسُ هو فنُّ الخياطةِ، وبعدَ فترةٍ من الزمنِ التحقتُ بجمعيةِ الشاباتِ المسلماتِ، وهناك تعلّمتُ حِرفاً عديدةً، ومن ضِمنِها التطريزُ، وأبدعتُ جيداً فيه، ومن مركزِ الشاباتِ التحقتُ ببرنامجِ “إرادة” في الجامعةِ الإسلاميةِ، وهناك تعلّمتُ حِرفةَ الحفرِ والحرقِ على الخشبِ، وكانت فترةُ التدريبِ لمدةِ خمسةِ شهورٍ ، وبعدَها حصلتُ على فترةٍ تشغيليةٍ لمدّةِ( 6 )شهورٍ في التطريزِ، و(6) شهورٍ في الحفرِ على الخشب “.
وتصِفُ “اللبان” هذه البرامجَ بالممتازةِ، وبأنها استطاعتْ عن طريقِها تحقيقَ الحُلمِ الذي كان يراوِدُها منذُ زمنٍ بعيدٍ ، وإثباتَ ذاتِها وشخصيتِها ، واكتسابَ احترامِ الأهلِ والمجتمعِ عن طريقِها ، وإمكانيةَ الاعتمادِ على نفسِها .
وتوَجّهُ “نبيلة” رسالةً إلى مَن هم من ذَوي الإعاقةِ؛ للتغلّبِ على إعاقتِه :” الإنسانُ يجبُ عليهِ أنْ يرضَى بالقضاءِ والقدَرِ، ويرضَى بما كتبَ اللهُ له من ابتلاءٍ، والصبرِ وعدمِ اليأسِ، والاقتناعِ أنّ مَن يُريد يفعل، ومن لا يريدُ لا يفعلُ ، فإرادتُك إنْ كانت قويةً؛ استطعتَ أنْ تتحدّى كلَّ ما يعيقُكَ ، وإنْ لم تكنْ قوياً؛ فلن تستطيعَ التحدّي، وستَغلِبكَ إعاقتُكَ، وستبقَى كما أنتَ، وسيَعدُّكَ الآخَرونَ عالةً عليهم، ولهذا قُم وتَحدَّ، وواجِهْ كلمةَ “مستحيل” .
تهاني عدوان “27عاماً” هي الأُخرى لم يمنعْها كرسيُّها المتحرّكُ من أنْ تكونَ إحدى الأفرادِ المتميّزينَ في المجتمعِ ، حيثُ أصيبتْ بصدمةٍ عصبيةٍ أدّتْ إلى شلَلٍ نِصفيٍّ، جعلَها مُقعَدةً وهي في الخامسةِ من العمرِ، و بالرغمِ من كرسيِّها المتحرّكِ؛ إلا أنك تجِدُها في كلِّ مكانٍ من المُمكنِ أنْ تستفيدَ منه، وأنْ تقدِّمَ فيه فائدةً .
وتتميّزُ “تهاني” بمهنةِ الحفرِ والحرقِ على الخشبِ، وتجيدُ التصميمَ في (الأنتيكا) بعدَ تلقِّيها تدريباً لمدّةِ (6) شهورٍ في برنامجِ إرادة ، وبعدَها الحصولُ على عملٍ في نفسِ المهنةِ .
وتُعبّرُ عن مدَى سعادتِها بتعلُّمِها أشياءً تستطيعُ أنْ تُبدعَ فيها، وتقومَ بها برغمِ إعاقتِها الحركيةِ؛ التي تمنعُها من ممارسةِ حياتِها بشكلٍ طبيعيّ ، فهي الآن بعدَ أنْ كانت تقضي كلَّ الأيامِ والأوقاتِ مِثلَ بعضِها؛ أصبحتْ تقومُ بما يُسلِّيها، ويثبتُ شخصيتَها داخلَ مجتمعِها، وتقضي به أوقاتَ فراغِها، وتعبِّرُ به عن ما يدورُ في خاطرِها، وتتحدّى إعاقتَها من خلالِه .
وبعدَ أنْ استطاعتْ “عدوان” أنْ تُثبِتَ ذاتَها؛ أرادتْ أنْ توجِّهَ رسالةً للمجتمعِ؛ تقولُ فيها :ليس المعاق ُمعاق َالعقلِ والجسدِ؛ إنما الإعاقةُ إعاقةُ العقلِ عن التفكيرِ، وإعاقةُ الذاتِ عن أنْ تكونَ موجودةً ، الإعاقةُ لا تمنعُ الإنسانَ من مواصلةِ مشوارِ حياتِه ،وكم من سليمِ الجسدِ؛ فِكرُه وتوَجُّهاتُه معاقةٌ، فنحن رغم أننا نعاني من إعاقاتٍ تَمنعُنا من ممارسةِ حياتِنا بشكلٍ طبيعيّ؛ إلاّ أننا لسنا بعاجزينَ؛ واستطعنا أنْ نُنتجَ شيئاً، ونفيدَ مجتمعَنا به ، فنحن جزءٌ من هذا المجتمعِ، ومن حقِّنا أنْ نعيشَ، وأنْ نحصلَ على كلِّ حقوقِنا المعيشيةِ في الحياةِ “.
أصَمٌّ يتحدّثُ بالريشةِ!
العشريني “محمود المقيد” شابٌّ فلسطيني؛ خُلِقَ وهو يعاني من إعاقةٍ وراثيةٍ في النطقِ والسمعِ، وأُضيفَ إليهما فيما بعدُ إعاقةٌ بصريةٌ ، ولكنه لم يسمحْ لإعاقتِه وصمتِه أنْ يكونَ حاجزاً بينَ موهبتِه، فاستخدمَ ريشتَه ليُعبّرَ عن ما يجولُ بخاطرِه، ويتحدّثَ للعالمِ بطريقتِه ولوحاتِه التي يرسمُها برغمِ إعاقتِه النطقيةِ والبصريةِ .
منذُ أنْ كان طفلاً؛ كان يرسمُ الأشكالَ التي يراها على التلفازَ، ويقلّدُها تماماً سواءً كانت صورةً لشخصياتٍ أو مناظرَ طبيعيةَ، أو حيواناتٍ، أو حتى أحداثَ الانتفاضةِ ، وحازَ على العديدِ من الجوائزِ ، وشاركَ في العديدِ من المعارضِ ، وسافرَ إلى “تركيا” للمشاركةِ في معرِضٍ لذوي الإعاقاتِ الأتراكِ، ويطمحُ لتجهيزِ معرِضٍ خاصٍّ به، خارجَ قطاعِ غزةَ .
ويقولُ “محمود” بلغةِ الإشارة :” على الرغمِ من أنني لا أَسمعُ ولا أتكلمُ؛ إلاّ أنني مُبدِعٌ، ولدَيَّ القدرةُ على الرسمِ، وسأكونُ حريصاً على مواصلةِ الرسمِ؛ لإظهارِ معاناةِ الفلسطينيينَ جرّاءَ الاحتلال، فأنا أعتزُّ بأرضي وطبيعتِها التي تستحقُّ النضالَ من أجلِها بالريشةِ والقلمِ ، وأتمنى أنْ أجِدَ الدعمَ النفسيّ والمعنويّ؛ لأتابعَ مسيرَتي الفنية ، ولكي أُقنعَ العالمَ كلَّه أنْ المعاقَ يستطيعُ أنْ يفعلَ، وأنْ يبتكرَ، مادام عقلُه بخيرٍ “.
مَن هم ذَوو الإعاقةِ؟
تُعرّفُ الأخصائيةُ النفسيةُ في برنامجِ “إرادة” لتأهيلِ وتدريبِ ذوي الإعاقةِ “صابرين الكفارنة” ذوي الإعاقةِ :” إنه هو الشخصُ الذي استقرَّ به عائقٌ أو أكثرُ، وفقدَ قدرتَه على مزاولةِ عملِه ، أو القيامِ بعملٍ آخَرَ؛ نتيجةً لقصورٍ بدَنيّ أو جسميّ أو عقليّ ، سواءٌ كان هذا القصورُ بسببِ إصابتِه في حادثٍ أو مرضٍ أو عَجزٍ وُلدَ به “.
وتنوّهُ إلى أنه لا يصِحُّ القولُ عنهم ذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ، ولا المعاقينَ؛ بل وِفقاً للقانونِ الفلسطينيّ، حيثُ تمَّ تعديلُ الاسمِ إلي (أشخاصٍ ذَوي إعاقةٍ) .
والفرقُ بين المصطلحَينِ يكمُنُ في الحاجةِ، حيثُ مصطلحِ “ذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ” يفسِّرُهم على أنهم بحاجةٍ لمساعدةٍ خاصةٍ؛ سواءٌ إغاثيةً أو علاجيةً، بمعنى بحاجةٍ لمساعدةِ الآخَرينَ، ولا يستطيعونَ خدمةَ أنفسِهم ، أمّا مصطلحُ “ذوي الإعاقةِ” يعني أنهم أشخاصٌ لهم حقوقٌ، وعليهم واجباتٌ، ولدَيهِم إعاقةٌ، ويستطيعونَ إعالةَ أنفسِهم بمراعاةِ خصوصيةِ إعاقتِهم .
وتقسّمُ الإعاقاتِ إلى :” جسميةٍ ( بدنيةٍ ) : بفقدانِ جزءٍ من أجزاءِ الجسمِ أو أكثرَ؛ ما يؤثّرُ في الحركةِ ، أو حدوثِ خللٍ فيها ، مِثلَ الشللِ ، وحِسِّية : بفقدانِ حاسةٍ من الحواسِّ، أو حدوثِ نقصٍ فيها ، كالصَّمَمِ والعَمى ، ذِهنيةٍ : بفقدانِ العقلِ ، أو حدوثِ نقصِ فيه ( تخلُُّف عقلي )
نفسيةٍ : بحدوثِ آثارٍ ظاهرةٍ واضطراباتٍ مِثلَ : الانطواءِ ، الانفصامِ ، القلق “.
احترامُهم مفتاحٌ لمواهبِهم :
وتَعدُّ “الكفارنة” أنّ النظرةَ الدونيةَ من قِبلِ المجتمعِ للأشخاصِ ذوي الإعاقةِ من أكبرِ مُسبِّباتِ مشاكلِهم، وطمسِ إبداعاتِهم، وتؤكّدُ أنّ تَقبُّلَهم واحترامَهم هو السلوكُ المفتاحي من المجتمعِ أمامَ الطاقاتِ الكامنةِ التي تَظهرُ في ظلِّ الظروفِ المجتمعيةِ الإيجابيةِ؛ إلاّ أنّ رفضَه والاستهزاءَ بقدراتِه كفيلٌ بإحباطِ الكثيرِ من المواهبِ والطاقاتِ الإبداعيةِ، حيثُ يتعرّضُ الأشخاصُ ذَوو الإعاقةِ لامتحانٍ صعبٍ في مواجهتِه للحياةِ وتحدّياتِها، فنَجِدُ منهم من ينجحُ ويجتازُه بقوةٍ، ومنهم من تَغلِبُه وتكسِرُه إعاقتُه ويستسلمُ لها .
وتشيرُ إلى أنّ هناك عواملَ عديدةً تفسّرُ هذا الاختلافَ في تجرِبةِ ذوي الإعاقةِ الشخصيةِ، ومنها شِدّةُ الإعاقةِ ونوعُها، فالإعاقةُ البدَنيةُ الشديدةُ التي تجعلُ المريضَ بحاجةٍ إلى من يرعاهُ، وتجعلُه عاجزاً عن رعايةِ أمورِه الشخصيةِ، واحتياجاتِه الأساسيةِ، وقد لا تسمحُ له بعملِ الكثيرِ، وفترةُ الإعاقةِ؛ فصاحبُ الإعاقةِ المبكرةِ أو الخَلقيةِ؛ يختلفُ عن صاحبِ الإعاقةِ الثانويةِ؛ التي حصلتْ بعمرٍ متأخّرٍ نِسبياً، ومن العواملِ المهمةِ؛ الظروفُ المحيطةُ، وإمكانيةُ الدعمِ المجتمعي، وإمكانيةُ الوصولِ إلى التعليمِ؛ كعواملَ بيئيةٍ مُهمةٍ له، حتى يتمكنَ من الإبداعِ.
وترى أنّ الموهبةَ مجموعةٌ من السّماتِ الكامنةِ لدَى الإنسانِ، والتي تؤهِلُه للقيامِ بمجموعةٍ من المهاراتِ بِمُستوً مُتميّزٍ وإبداعيٍّ يختلفُ عن أقرانِه، ولهذه الموهبةِ أبعادٌ وراثيةٌ يكتسبُها الشخصُ عن والديهِ، إلاّ أنّ للجانبِ البيئي دوراً مُهِماً جداً في صقلِ هذه الموهبةِ، وتنميتِها والنبشِ في ثناياها، لإخراجِها إلى السطحِ، فالمعاقُ وغيرُ المعاقِ، يمتلكُ الموهبةَ والقدراتِ الإبداعيةَ الكامنةَ، بِغضِّ النظرِ عن جوانبِ القصورِ في قدراتِه الجسديةِ أو الحِسيّةِ.
وتوضّحُ أنّ هناك علاقةً قويةً بين الإبداعِ والإعاقةِ، حيثُ أنّ ردّةَ فعلِ الشخصِ المعاقِ نحوَ إعاقتِه؛ تكونُ على شكلٍ إحدى احتمالَينِ: الأولُ إمّا أنْ يأخذَ بالتقوقُعِ على الذاتِ والهروبِ من المجتمعِ، واليأسِ، وبذلك تكونُ قد انتصرتْ الإعاقةُ عليه، وجعلتْهُ سلبياً لا حيلةَ له، غيرَ قادرٍ على اكتشافِ الذاتِ، والتعرّفِ على القدراتِ ، والثاني أنْ يأخذَ بالانطلاقِ نحوَ المجتمعِ والآخَرينَ؛ تعبيراً عن عدمِ الاستسلامِ، ومقاومةِ الإعاقةِ، ومن ثَم الانتصارُ عليها، حيثُ يبدأ باكتشافِ الذاتِ والقدراتِ التي يمتلكُها وتنميتِها، لتَخرُجَ على شكلٍ إبداعي؛ ينافسُ فيه الآخَرينَ من أفرادِ المجتمعِ، وبذلك تكونُ إعاقتُه قد شكّلتْ له دافعاً قوياً لإثباتِ الذاتِ أمام الآخَرين، وكأنّ لسانَ حالهِ يريدُ أنْ يقولَ: أنا هنا موجودٌ، ولي قدراتٌ، وأستطيعُ المشاركةَ بعمليةِ التنميةِ لمجتمعي، وأريدُ أنْ تكونَ لي بصماتي الواضحةُ في مختلفِ المجالاتِ، أُسوَةً بالآخَرين.
علاقةُ الإعاقةِ بالإبداعِ :
وتضيفُ أنّ هناك علاقةً بين أنواعِ الإعاقةِ وأشكالِ الإبداعِ، فالمعاقونَ سمعياً قد يميلُ عملُهم الإبداعيّ نحوَ الجوانبِ التي تعتمدُ على الذاكرةِ البصريةِ؛ نظراً لبراعتِهم فيها، وبالتالي نرى براعتَهم الفنيةَ في الرسمِ والنحتِ والعملِ على الحسابِ الآلي، وكلِّ ما يدلُّ على دِقةِ الملاحظةِ والتميّيزِ البصري، فيما يميلُ المعاقونَ بصرياً إلى الأعمالِ الإبداعيةِ التي تعتمدُ على الطلاقةِ اللغويةِ، والكتابةِ والأدبِ، والخطابةِ، نظراً لأنّ حاجتَهم وتدريبَهم اليومي؛ قد عزّزَ من ذاكرتِهم السمعيةِ وحِسِّهم الموسيقي، ودِقةِ ملاحظتِهم السمعيةِ لنغماتِ الصوتِ ودرجاتِه، إلاّ أنّ الأمرَ لا يعني بالضرورةِ وفي كلِّ الحالاتِ؛ أنْ نَحصُرَ إعاقاتٍ معينةً في إبداعاتٍ معينةٍ دونَ غيرِها، فقد تنتصرُ قوةُ الإرادةِ والموهبةُ على القدراتِ الجسديةِ أو الحِسيةِ، لدرجةٍ تبحثُ فيها الموهبةُ عن وسيلةٍ تعويضيةٍ للتعبيرِ عن إبداعاتِها_ وبشتَّى السبُلِ_ فنرى المعاقَ مبتورَ اليدينِ؛ الذي يعزفُ أو يرسمُ برجلَيهِ! عندما اختارَ الرِّجلينِ كوسيلةٍ بديلةٍ للتعبيرِ عن موهبتِه الإبداعيةِ؛ التي كانت أقوَى من كلِّ القدراتِ الجسديةِ.
وتقولُ الأخصائيةُ صابرين :” من أجلِ اكتشافِ الموهبةِ عندَ المعاقينَ، والتعرّفِ عليها، والتي قد تكونُ أصعبَ من اكتشافِها عندَ الأشخاصِ غيرِ المعاقين، فإنه لا بدّ من تعريضِهم للكثيرِ من الخبراتِ، وإتاحةِ الفرصةِ لهم للتعبيرِ عن الذاتِ في شتّى المجالاتِ الرياضيةِ والفنيةِ والأدبيةِ، وملاحظةِ أيّ المجالاتِ يُبدعونَ فيها أكثرَ؛ من أجلِ صقلِها وتنميتِها، مع أنّ بداياتِ ظهورِ الموهبةِ قد تكونُ عبارةً عن مجردِ أفكارٍ عشوائيةٍ سخيفةٍ، قد لا تُلاقي استحساناً من الآخَرين، الأمرُ الذي قد يعرِّضُها وأصحابَها للاستهزاءِ، وبالتالي تُدفنُ في مهدِها، ولا تَظهرُ على السطحِ، وهو الأمرُ الذي يتطلبُ الصبرَ على الشخصِ ذوي الإعاقةِ، حتى تتبلورَ إبداعاتُه بشكلٍ يكونُ فيه قادراً على المنافسةِ مع الآخَرين، والتعزيزِ المتواصلِ للأعمالِ الإبداعيةِ مَهما كانت قيمتُها، وعرضِها بصورتِها الإيجابيةِ على الآخَرين، وإبداءِ الاهتمامِ بها، ويأتي ذلك عن طريقِِ تبنَّي هذه الأعمالِ من قِبلِ المؤسساتِ الثقافيةِ والتعليميةِ، واحتضانِ المبدعينَ من المعاقين، حيثُ ينعكسُ هذا الاحتضانُ أولاً على المعاقِ نفسِه، ويعطيهِ دافعاً قوياً نحوَ الاستمرارِ، وكذلك على المعاقينَ الآخَرين الذين يتّخذونَ زميلَهم كنموذجٍ إبداعيٍّ يُحتذى به ،ويمكنُ الوصولُ إلى مستواهُ، وشطبُ المستحيلِ من قاموسِ الإعاقةِ؛ التي تتحدّى كلَّ الإمكاناتِ.
وتنوِّهُ أنّ للوالدينِ دوراً كبيراً في الحفاظِ على هذه الإبداعاتِ وتنميتِها، والاعترافِ بأنّ الإبداعَ قد يكونُ في مجالٍ واحدٍ فقط أو أكثرَ، وبالتالي فإنّ تحميلَ الطفلِ المعاقِ ما لا يَحتمِلُ! وبناءَ توقعاتٍ عاليةٍ عليه، قد يؤدّي إلى إحباطِه.