الزوج الثاني

بقلم: د. عطا الله أبو السبح
الطلاقُ .. كما هو معروفٌ .. هو أبغضُ الحلالِ عند الله ..كلماتٌ يردِّدُها العالمُِ وغيرُ العالم ، والنساءُ والرجال ، حتى الأطفالُ .. ورغم ذلك فهو في تزايُدٍ مستمر ، لأسبابٍ لن نتعرضَ لها في هذا اللقاء .. والذي يعنيني هنا أنْ أشيرَ إلى أنه قد يقعُ قبل الدخولِ ، وقد يقعُ بعده .. ولعل وقوعَه قبلَ الدخولِ أخفُّ وطأةً ، وأقلُّ مصيبةً باعتبارِ الآثارِ المترتبةِ عليه، من تعاسةِ ( المطلَّقة ) أكثرَ أحياناً من تعاسةِ ( المطلِّق).
فقد ارتطمتْ أحلامُها وتهشمتْ على صخرتِه ، وحلّت الدموعُ محلَّ الابتساماتِ ، وانقلبتْ الأفراحُ إلى أحزانٍ ، والتهاني إلى حسراتٍ ..ألوانٌ من الشماتةِ مغلَّفةٌ بألفاظِ المجاملاتِ والمواساةِ والشفقة .. وإنْ هي إلا أيامٌ حتى ينتشرَ الخبرُ ( فلانة فصلت ) وهي أخفُّ كلمةٍ حلّتْ محلَّ كلمةِ الطلاق .. لتبدأ بعدَها (المطلّقة ) في انتظارِ قادمٍ جديد ، مع ما تركَ في نفسِها من جراحاتٍ ، وإذا سألتَها : لماذا آلتْ الأمورُ إلى هذه النتيجةِ ؟ كانت الإجابةُ عددًا من المبرِّراتِ التي تبرِّئها من المسئوليةِ ، وتُنحي باللائمةِ على الخاطبِ وأهلِه ، ولعلَّ أخطرَ ما في هذه النتائجِ هو (العُقدة ) التي تَبرزُ في حياةِ الرجالِ بلا استثناءٍ، مما يولّدُ عزوفاً ضاراً عن الزواجِ،ـ أو مجردَ الحديثِ عنه ، فكلُّ الرجالِ سيئون ، ولا فرقَ .
وهنا تكمنُ الخطورة ، إذن ما البديلُ ؟ وما الذي سيملأ وقتَ هذه الفتاةِ الطويلَ مع السهرِ ؟ وما الذي يهدّئ من روعِها على مستقبلِها ؟ وما الذي سيُشبعُ غريزةَ الأمومةِ لديها .. ؟ وما الذي سيُشبعُ مراكزَ اهتمامِها ؟ أسئلةٌ تملأ المكانَ والزمانَ حَيرةً وقلقاً من حولها … وعندما لا تجدُ إجابةً؛ تهربُ إلى دموعِها .. تهربُ إلى الشبكةِ العنكبوتية ، ومواقعِ التواصلِ الإجتماعي … أي إلى العالمِ الوهمي؛ بما فيه من مخاطرَ ومصائدَ ، وشبكاتٍ جاسوسيةٍ وإباحية ، فإذا دخلتْ هذا العالمَ الوهمي، وهيهاتَ أنْ تخرُجَ منه ، هيهاتَ أنْ تفلحَ في أنْ ترمِّمَ نفسَها التي تهشّمت، هذا إلى جانبِ الإستسلامِ للعزلة ، وضيقِ الصدر ، والعصبيةِ ، وحِدّةِ المزاجِ ، وسوءِ الظنِّ في معظمِ من يحيطون بها، فيزدادُ انكماشُها ، وانكفاؤها على ذاتِها ، فضلاً عما يصيبُها من انغلاقٍ .. وغموضٍ ، وعدمِ الشفافيةِ والصراحةِ ..
من الواضحِ أنّ الأمرَ أكبرُ من أنْ يُستهانَ به ، وهذا ما ينبغي أنْ يجعلَ من الأسرةِ كلِّها، وخاصةً الأمَّ في غايةِ الاهتمامِ والإدراكِ لِما هي عليه ابنتُها ، ولتجعلَ من قلبِها مأوىً لها ، ولحنانِها المتدفقِ ما يُشبِعُ حاجتَها ، ولعقلِها ما يدفعُ عنها الإحساسَ بالفشلِ، ولتدفعَ عنها ما يمكنُ أنْ يمرَّ بخاطرِها أنها غيرُ مرغوبٍ فيها .. ولتعزّزَ في نفسِها كلَّ مشاعرِ الإيمانِ والحكمةِ الربّانية ، ولتذكِّرَها دوما بأنّ ( ما أصابكَ لم يكنْ ليُخطئك ، وما أخطأكَ لم يكنْ ليصيبَك ) … حتى يأتيَ البديل …
لقد فاجأني أحدُ قضاتِنا؛ أنّ نسبةَ الطلاقِ ما بين المدخولِ بها إلى غيرِ المدخولِ بها هي( 4:1 ).. لقد ذُهلتُ !! وسألتُ : ما الأسبابُ ؟ أجابني ، يأتي في مقدمةِ الأسبابِ عدمُ التروّي في السؤالِ عن الخاطبِ وأهلِه وثقافتِه وأخلاقِه ودِينِه …!! وعدمُ التروي بالمقابلِ عن المخطوبةِ !! الأمرُ الذي يترتبُ عليه تعارُضٌ في المفاهيمِ ، وتعيقُ فرصةَ التكيفِ والانسجامِ والتفاعل ، وعند تفاقمِ الاختلافاتِ تتضاءلُ هيبةُ المخطوبةِ في نظرِ خاطبِها ، كما تتضاءلُ هيبةُ الخاطبِ في نظرِ مخطوبتِه ، ما يؤدّي إلى استخدامِ الألفاظِ الجارحةِ أحياناً ، أو النابيةِ في أحيانٍ أخرى ، ما يؤدّي إلى خدوشٍ أو جروحٍ في كرامةِ كلٍّ منهما بسببِ الآخَرِ ، وما يصاحبُ ذلك من ألمٍ .. وإلى هنا توَقفَ القاضي ، فسألتُ : ما دورُ المتخصِّصين الاجتماعيين ..؟ قال بحسرةٍ : قلّما يفلحونَ في رأبِ الصدعِ ! وكثيرًا ما يُخفقون ! وتؤولُ الحالةُ إلى الطلاقِ .. فهمستُ : إذن …….
إلى المُلتقى في لقاءٍ آخَرَ؛ إنْ أفسحَ اللهُ لنا في الأجلِ ،،،،،