ما حُكمُ خروجِ الرجلِ من بيتهِ بدونِ طهارةٍ من الجنابة؟

أجاب عن التساؤلات الأستاذ “عبد الباري خلة” رئيس لجنة الإفتاء في كلية الدعوة الإسلامية فرع الشمال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لقيَه في بعضِ طرُقِ المدينةِ، وهو جنبٌ قال: فانخنستُ منه، فذهبتُ فاغتسلتُ، ثم جئتُ، فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟ فقلت: كنت جُنباً فكرهتُ أنْ أجالسَك وأنا على غيرِ طهارة، فقال: (سبحانَ الله! إنّ المسلم -وفي رواية: المؤمن- لا ينجَسُ) هذا الحديثُ يتعلّقُ ببابِ الغسلِ، فذكرَ فيه أبو هريرة أنه كان جُنباً، ودخلَ السوقَ وعليه جنابة، فصادفَ أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم، فاستحيا وكرِهَ أنْ يجلسَ معه “عليه الصلاة والسلام” وهو جُنب، فذهب مُختفياً ،ورجعَ إلى بيتِه فاغتسل، وبعدما اغتسلَ جاء، فاستنكرَ النبي “صلى الله عليه وسلم” منه ذلك الذهابَ بدونِ استئذان، ولما رجعَ سأله، فأخبرَه بعُذرِه، فاستغربَ ذلك وسبّح الله تعجُّباً، وأخبرَ بأنّ المؤمنَ طاهرُ البدنِ، ولا ينجَسُ، وإنما النجسُ هم الكفارُ، كما في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28]. فقوله: (أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لقيَه في بعض طرُق المدينة) يعني: في بعضِ أزِقّتِها وأسواقِها، قوله: (لقيه) بمعنى: نظر إليه، وتقابلَ هو وإياه، وقوله: (وهو جنُب) أي: عليه جنابة، إمّا من جماعٍ، وإمّا من احتلامٍ، ولا تصحُّ عبادتُه إلا بعدَ الغسل، وذلك أنّ اللهَ تعالى أوجبَ الطهارةَ الصغرى للحدَثِ نفسِه، وهي الوضوءُ كما تقدّم، وأوجبَ الطهارةَ الكبرى التي هي الغسلُ؛ إذا كان هناك جنابةٌ، فقال تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43] يعني: لا تفعلوا الصلاة وأنتم جنب حتى تغتسلوا، وقال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، وسمي الجنبُ جنباً؛ لأنه يتجنّبُ أشياءً لا يتجنّبُها غيرُه، فالجنبُ يتجنّبُ الصلاة، ويتجنّبُ المساجد، ويتجنّب قراءة القرآن، ويتجنّب الطوافَ بالبيت، ويتجنّب مسَّ المصحفِ، ولو لغيرِ قراءة، وأمر بأنْ يبادرَ بالاغتسالِ؛ حتى يزيلَ ذلك الأثر، أو تلك النجاسةَ التي هي نجاسةٌ معنويةٌ، ولكنْ يجوزُ أنْ يؤخّرَ الجنبُ الاغتسالَ إلى الوقتِ الذي يحتاجُ فيه إلى عبادة، فهذا أبو هريرة أخَّرَ الاغتسالَ، وأصبح جنباً إمّا من احتلامٍ، وإمّا من جماعٍ، ودخل السوقَ وذلك في وقتِ الضحى لقضاءِ حاجةٍ، أو نحوِها دونَ أنْ يغتسلَ، فدلَّ على أنه كان قد عرفَ أنه يجوزُ تأخيرُ الغسلِ من الجنابةِ. وقد ثبتَ أنّ الصحابةَ “رضيَ اللهُ عنهم” إذا أصابَ أحدَهم جنابةٌ؛ ولم يجدْ ماءً ليغتسلَ به في الوقتِ القريب، ويخشى أنْ تفوتَه المجالسُ العلميةُ، فإنه يتوضأ ويدخلُ المسجدَ لحضورِ مجالسِ النبي “صلى الله عليه وسلم” التعليمية، فيقتصرُ على الوضوء؛ لأنّ الوضوءَ يخفّفُ الجنابةَ.