غير مصنف

مراهقون: نحن لسنا صغاراً، ونحتاجُ إلى مَن يَسمعُنا

الثريا: خاص

لماذا يشعرُ الأهلُ بالخوفِ والقلقِ والحَيرةِ؛ لأنّ في بيتِهم مراهقاً؟ لماذا حالةُ المدِّ والجزرِ؛ هي العلاقةُ بين الآباءِ والأبناءِ المراهقين ؟ وهل صحيحٌ أنّ وسائلَ التواصلِ ساهمتْ بشكلٍ سلبيّ على المراهقِ؟ كيف يتمُّ استيعابُ المراهقِ والتعاملُ معه ؟ وما هي الأساليبُ الصحيحةُ لإتّباعِها معه؟ فهل تقودُ القسوةُ إلى ضبطِ الميزانِ؟ أَم أنّ الِّلينَ هو الأسلوبُ الأمثلُ؟

“عجزتُ عن التعاملِ معها! فهي تعترضُ بشكلٍ دائمٍ! جعلتني أشعرُ بالعجزِ “هذا ما أخبرتْ به “أمُّ أحمد العوضي” 35 عاماً السعادة، عن ابنتِها “أحلام” 13 عاماً، حيثُ أنها تريدُ أنْ تفعلَ ما تريدُ؛ بطريقةِ الملبسِ والخروجِ عندَ صديقاتِها! وعندما أنصحُها تتهِمُني أنني لا أحبُّها، وأرفضُ لها كلَّ شيء ! وكثيراً ما تتحدثُ بحديثٍ أكبرَ منها، وعندما أستفسرُ منها تخبرُني أنها قرأتْهُ عن الفيس، وحديثُها الشغّالُ في البيتِ( شُفت وسَمِعتْ) لدرجةِ أنّ كلَّ حياتِها أصبحتْ تأخذُها من الفيس!  وتقول :”فهي تتعاملُ كصبيةٍ بلغتْ العشرينَ، فهي تريدُ أنْ تجالسَ مَن هُنَّ أكبرُ منها، وتستمعَ لحديثِهنَّ، وعندما أطلبُ منها مغادرةَ المكانِ؛ تقولُ أنا لستُ صغيرةً، وتدخلُ في حالةٍ من البكاءِ، وتتهِمُني أنني أُقلِّلُ من شأنِها ومكانتِها!  فأشعرُ أنني أمٌ قاسيةٌ، لا رحمةَ في قلبي تُجاهَها، لذا كلّما حَاوَلَتْ افتعالَ المشاكلِ؛ أضغطُ على أخواتِها حتى يترُكنَها تفعلُ ما تريدُ.

وتتابعُ أم تيسير: “اعتقدتُ أنّ الأمورَ معها لن تطولَ، لكنها مع مرورِ الوقتِ؛ تزدادُ غضباً وغَيرةً وافتعالاً للمشاكلِ! ولا أعرفُ إلى متى سأظلُّ أقولُ لأخواتِها إنها مراهقةٌ، ولا أعرفُ كيف سأواجِهُ مشكلتَها”.

في حين اتَّبعَ “أبو منذر عروق” كلَّ الأساليبِ للتعاملِ مع أبنائهِ المراهقين فيقول:”هذه المرحلةُ من أخطرِ المراحلِ على الأبناءِ، لذلك علينا كآباءٍ أنْ نكونَ حذِرينَ في التعاملِ مع أبنائنا، وأنْ نتحلَّى بالحِكمةِ والصبرِ في ظلِّ هجومِ تكنولوجيا الاتصالِ والتواصلِ على أطفالِنا ، لذلك اقتربتُ من ابني في هذه المرحلةِ، وعاملتُه صديقٍ لي، وابتعدتُ عن أسلوبِ الاعتراضِ بشكلٍ مستمر، وحاولتُ أنْ أُعدِّلَ من سلوكِه؛ فيما يتعلّقُ بتصرفاتِه اليوميةِ، فهو متقلّبٌ ومزاجيٌّ، يصرخُ باستمرارٍ في وجهِ كلِّ من يحاولُ نُصحَه أو إرشادَه! إلى أنْ اكتشفتُ بأنه يتغيّبُ عن المدرسةِ بشكلٍ متكرِّرٍ، دونَ عِلمنا!  من هنا أدركتُ أنّ الأمرَ خرجَ عن سيطرتي، وهناك خطورةٌ على ابني، فأيقنتُ أنّ الحلَّ هو بأنْ أُصبحَ صديقاً له، لا مُعنِّفاً،أو آمِراً ناهياً لتصرُّفاتِه .

جيلٌ مختلفٌ

أمّا “غدير سعيد” 16 عاماً تقول: إنّ المعلماتِ عادةً ما يَرغبنَ بأنْ تكونَ جميعُ الفتياتِ نموذجاً لفتاةٍ واحدةٍ! دونَ النظرِ إلى أننا من بيئاتٍ مختلفةٍ، فنحن نسعى في هذه المرحلةِ إلى الاستقلالِ النفسيّ، وإلى المزيدِ من الحريةِ الشخصيةِ والخصوصيةِ.

وتضيف: “التمرُّدُ والغضبُ والمقاومةُ؛ هي ردّةُ فعلٍ طبيعيةٌ؛ عندما تحسُّ الفتاةُ بأنه ليس لها وجودٌ، وهناك قيودٌ تمنعُها من فعلِ بعضِ الأمورِ؛ التي اعتادتْ أنْ تعملَها في البيتِ، فوالدتي تريدُ مني أنْ أعيشَ كما تريدُ هي! لا كما أريد أنا،  فهي بذلك تساهمُ في إلغاءِ شخصيتي! وأجِدُ والدتي تشتدُّ غضباً؛ عندما أجلسُ على الفيس! وتتهِمُني بأنه سببٌ لفسادِ أخلاقي، لدرجةِ أنها أخبرتْ والدي بأن يأخذَ الجهازَ! وتحذيري بعدَمِ الجلوسِ عليه! وإلغاءِ حسابي !

ويتفِقُ معها في الرأيّ “هاني دردونة” 17 عاماً؛ في أنّ المراهقَ الذي لا يعارضُ أبداً؛ ليس بالضرورةِ أنه متوافقٌ مع أهلِه والمجتمعِ، ولكنّ خوفَه من مواجهةِ الأسرةِ والمجتمعِ؛ يُلزِمُه بقَبولِ القراراتِ والسكوتِح طمعاً في السلامةِ والهدوءِ، وهذا يحدُّ من حركةِ المراهقِ، ويؤثّرُ سلباً في شخصيتِه،  والتمرُّدُ في هذه الحالةِ؛ سيكونُ ردَّةَ فعلٍ طبيعيةً؛ لِما يواجِهُه من قيودٍ ثقيلةٍ، مشيراً إلى أنه نادراً ما يتمرّدُ على القوانينِ المفروضةِ ِعليهِ.

ويضيف:” معظمُ انتقادِ أهلي لي؛ لأنني أبقَى لساعاتٍ طويلةٍ على صفحاتِ التواصلِ الاجتماعيّ، أتحدثُ وأطالعُ آخِرَ المستجدّاتِ، ولكنْ في مفهومِهم أنّ الفيس معصيةٌ وجريمةٌ! رغمَ أنني أتصفّحُه بوجودِهم، ولكنهم لا يقتنعونَ بذلك “.

طاقات متفجرة

عرّفَ دكتورُ علمِ النفسِ “خالد موسى” من جامعةِ النجاحِ؛ المراهقة عبارةً عن طاقاتٍ متفجرةٍ،  و قُدراتٍ شِبهَ مكتملةٍ، ونشاطٍ يتدفقُ، يحاولُ في ثناياهُ أنْ يرميَ بالطفولةِ في مساحاتٍ بعيدةٍ عن فِكرِه وحياتِه التي يعيشُها اليومَ، وهي مرحلةُ صراعٍ نحوَ الدخولِ إلى عالمِ الكبارِ، ولهذا يجبُ علينا أنْ نستثمرَ هذه المرحلةَ بالأسلوبِ الأمثلِ، وأنْ نحاولَ توجيهَها؛ وإلاّ ضاعتْ أروعُ الفرصِ، وأكبرُ الطاقاتِ.

واتّهمَ وسائلَ التواصلِ الاجتماعي والإعلامِ، والشبكةَ العنكبوتيةَ؛ بأنهم شارَكوا في التأثيرِ على المراهقِ وسلوكياتِه وتربيتِه؛ ما شكَّلَ تأثيراً ملحوظاً في سلوكِ جميعِ أفرادِ المجتمعِ، والمراهقينَ بوجهٍ خاص، فقبلَ سنواتٍ معدودةٍ؛ كان بالإمكانِ استيعابُ طاقاتِ المراهقينَ، وتوظيفُها بطريقةٍ صحيحةٍ، وكان بالإمكانِ أيضًا طمْسُ تمرُّدِهم في ظلِّ تَسلُّطِ  الآباءِ، لكنّ اليومَ مع تزايُدِ قنواتِ التلَقي؛ التي ساهمتْ بنشرِ ثقافةِ التمرُّدِ على المراهقينَ، جعلتْ مُهِمّةَ السيطرةِ على تمرُّدِهم مُهِمّةً صعبةً للغاية”.

ويرى أنّ حاجاتِ المراهقين؛ لا تَخرجُ عن ثلاثٍ، منها الحاجةُ النفسية؛ فَهُم بحاجةٍ إلى العبادةِ بفعلِ الفطرةِ في العبادة، لقولِه صلى الله عليه وسلم: “كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ” وهذه الحاجةُ في مرحلةِ المراهقةِ أشدُّ نموّاً، وأكثرُ هيجاناً، وتبدو لدَى المراهقِ في عدّةِ صوَرٍ؛ أهمُّها التساؤلُ عن القضايا الكونيةِ والنفسيةِ، والتساؤلُ عن بداياتِ الإنسانِ وغاياتِه، ونرَى المراهقَ شديدَ التساؤلِ؛ كونَ عواطفُه جياشةً، وأحاسيسُه مرهَفةً جداً، فهو كثيرُ الخوفِ، كثيرُ الرجاءِ، سريعُ الشعورِ بالذنبِ، عطوفٌ على الفقراءِ والمساكينِ والمظلومينَ، لذا تجِدُه يتبنّى حاجاتِهم، ويسعى لمواساتِهم، ويحاولُ المُساهمةَ في تخفيفِ معاناةِ البائسين، توّاقٌ للعملِ التطوُّعي، مُحِبٌ للروحِ الاجتماعيةِ التعاونيةِ، تجتذِبُه ساحاتُ الجهادِ وتستهويهِ، وتأخذُ بشغافِ قلبِه؛ لِما فيها من صوَرِ إبرازِ القوةِ والبطولةِ والتضحيةِ، ولِما فيها من الاستعراضِ والحركةِ والمغامرةِ.

وينصحُ الأهلَ بالبقاءِ على مسافةٍ بينَهم وبينَ أبنائهم المراهقين، أي يمنحونَهم بعضَ الخصوصيةِ، مَثلاً لا يجوزُ للأمِّ أنْ تدخُلَ إلى غرفةِ ابنها فجأةً، بل عليها طلَبُ الإذنِ، وفي حالِ توتُرِ الأجواءِ بينهما؛ يمكنُ للأهلِ أنْ يعملوا على تلطيفِ الأجواءِ، أمّا إذا نشبَ شجارٌ عنيفٌ؛ فعلى الأهلِ أنْ يبتعدوا، وألاّ يحاولوا إخضاعَ ابنِهم المراهقِ لرغبتِهم في لحظةِ الشجارِ، بل عليهم الابتعادُ قليلاً؛ حتى يهدأَ الطرَفانِ، وينظُرَ كلٌّ منهما إلى الأمرِ بواقعيةٍ.

ويستدرك: “هناك إشاراتٌ لدخولِ المراهقِ في أزمةِ المراهقةِ؛ كالاهتمامِ بمَظهرِه الخارجيّ، مِثلَ تغييرِ قَصّةِ شَعرِه، وإتّباعِ أسلوبٍ معيّنٍ في لباسِه، وأحياناً يصابُ المراهقُ بحالاتِ الاكتئابِ النفسيّ، والانطواءِ على الذات، أو عدمِ الاهتمامِ بالذهابِ إلى المدرسةِ، وبعضُهم يلجأُ إلى التدخينِ، كما أنّ المراهقَ في هذه السنِّ؛ يدركُ معنى الموتِ الذي سيأتيهِ يوماً؛وهذا يُقلِقُه، وأحياناً يحاولُ أنْ يجرِّبَه، وهذا يفسِّرُ أحياناً مَيلَه إلى المجازَفةِ بحياتِه، والقيامِ بأمورٍ متهوِّرةٍ، كقيادةِ السيارةِ بسرعةٍ هائلةٍ، أو رغبتَه في قيادةِ دراجةٍ ناريةٍ”.

اثبات الذات

في حين تقولُ الأخصائيةُ الاجتماعيةُ “عُلا النوري” أنّ  التمرُّدَ هو حالةُ الرفضِ والعصيانِ؛ للإعلانِ عن موقفِ الشخصِ تُجاهَ فكرةٍ أو عملٍ ما، وقد يأخذُ عدّةَ أشكالٍ؛ منها التجاهلُ التامُّ لهذهِ الفكرةِ أو الموقفِ، ومنها الهجومُ على الفكرةِ، ورُبما تحويلُها إلى النقيضِ، فهو حالةٌ من حالاتِ الخروجِ عن المألوفِ، ووسيلةٌ للتعبيرِ عن الذاتِ.

وحولَ الأسبابِ التي تدفعُ المراهقَ للتمرُّدِ؛ يقولُ الغلبان: “تنقسمُ إلى نوعين؛ أحدُهما نفسيّ، والآخَرُ اجتماعيّ، فمن الناحيةِ النفسيةِ؛ يمرُّ المراهقُ بفترةٍ يشعرُ فيها بأهميةِ ذاتِه، وبأنه أصبح شخصاً ذا مكانةٍ، وعلى المجتمعِ أنْ يعترفَ بذلك، وهو بتمرُّدِه يبعثُ برسالةٍ لمَن حولَه؛ يريدُ أنْ يقولَ من خلالِها أنه مختلفٌ ومميَّزٌ، ويستطيعُ أنْ يفعلَ الأشياءَ بطريقتِه الخاصة”.

وتتابعُ: “هذا التمرُّدُ نتيجةٌ طبيعيةٌ لجيلِ المراهَقةِ؛ الذي يتميّزُ بالقوةِ البدَنيةِ والفتوةِ، والإحساسِ بالقدرةِ على تغييرِ العالمِ من حولِهم، حتى وإنْ كان ذلك شيئاً صعبَ المَنالِ، والدليلُ على ذلك أننا لا نكادُ نَلحَظُ هذا التمرُّدَ الاجتماعيَّ في الفئاتِ العمريةِ الأخرى، ففترةُ الطفولةِ السابقةِ للمراهقةِ؛ هي فترةُ الخضوعِ والاستسلامِ لتعاليمِ الأهلِ والمجتمعِ والمدرسةِ، وفترةُ أواسطِ العمرِ؛ هي فترةُ الاتّزانِ والحِكمةِ، وفترةُ الشيخوخةِ؛ هي فترةُ الضعفِ الجسديّ والوهْنِ والأمراضِ والحاجةِ الشديدةِ لرعايةِ الآخَرين”.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى