غير مصنف

مِرآتي

بقلم : تسنيم محمد

يُقالُ إنَ المَرَايا صادقة، لكن قدْ تكذِبُ المرايا، إن كانَ ما يُفترَضُ أن تعكِسَهُ ليس جُرْماً مُشَاهَداً..تَصْدُقُ المرَايا في إظهارِ الحجمِ واللونِ والتّفاصيلِ الحسيةِ، لكنّها في الأعماقِ التي تختبئُ تحتَ سطحِ المظاهرِ..قطعاً كاذبة!!
المرايَا ضحلةُ الرُؤية، تخافُ الغوصَ في المكنونات، لذا استبدَلتُها بمرآةٍ من نوعٍ خاص، ثاقبةِ النظر، عميقةِ الفهم..
وهنا..لن تكذبَ المرايا!

مطرٌ..آخر

السّمَاءُ مُلبَّدَةٌ بغُيومٍ رمادِيّةِ اللّون، تتجمّعُ وتزدادُ تراكُماً، يُومِضُ فيها ضُوءُ البرقِ كلَّما تصادَمَت، وقصفُ الرّعد يتصَاعدُ مع انحِسَارِ المساحَاتِ الزّرقاءِ في السماء، النهارُ يبدُو قاتِماً، ووَابلُ المطَرِ يُرسِل رُسُلَهُ بزَخّاتٍ متفرّقةٍ تُنذِرُ بالصَيِّبِ النّافِع…

كانَ يَرقُبُ السّماءَ بعينَينِ تشبِهُها، ودموعٍ تُوشِك علَى الهُطُولِ، كانَ هذَا المشهَدُ قبلَ عامٍ يُحيِي قلبَه كما تُحيِي الأمطارُ الأرضَ اليَباب، يومَ كان مُزارعاً لا تعنِي الحياةُ له سِوى أرضِه التّي تُساوِي حياتَه، وتربِطُه بهَا عَلاقةٌ رُوحِيّةٌ لا يفهمُها إلا مَن هُم مِثْلُه..أمّا اليوم، فباتَ هذَا المشهدُ يُشْعِرُه باقتِرَاب المَوتِ غَرَقاً فِي أوحَالِ الحُفَرِ بعدَ يومٍ ماطِر..

لقَد فَقَدَ بيتَهُ وأَرْضَهُ، بيتَه الذّي أصبَح رُكَاماً بعدَ جُنونِ الحَرْب، وأَرْضَه التّي صارت يَبَسَاً بعد أن أفسدَتْها سُمومُ مَجانينِ الحُروب، جنودِ جيشٍ مُسلّحٍ بأقوَى ترسَاناتِ العالم، لا يجِدُ ساحَةً يُجرّبُ أسلحَتَهُ فيها سِوى هذا السّجنِ الكبير، الذي لا يقْطُنُه سِوى عُزَّلٍ لديهِم أملٌ كبير، أو يأسٌ كبير.!

يتوسّلُ إلَى اللهِ ألا يُنزِلَ المطر، ليسَ فقط لأنّهُ يُعيدُ شُجونَه، ويَنْكَأُ جِرَاحَه، بل لأَنّهُ سَيُغرِقُ خيمتَه التّي أَوى إلَيها علَى أنقاضِ منزِلِه القديم، وسيَجرِف البيتَ الورقِيَّ الهَشّ الذّي منحُوهُ إيّاه بَدَلاً مِن بيتِه، فلَم يجِد فيهِ سوى أنّهُ يحجِبُهُ عَنِ المَارّة..

إنّ مِن أصعَبِ المَشَاعِرِ قَاطِبَةً، أَن يَتَحَوّلَ مَا كَانَ يُسْعِدُكَ دَهْرَاً ويُنْعِشُ قَلْبَك، إلَى سَببٍ لتَعاسَتِكَ وتضَاعُفِ هُمُومِك..

لله دَرُّكَ أيُّهَا المَطَر..لقَدْ غَدَوتَ هذَا العَام مَطَراً آخرَ غيرَ الذّي عَهِدنَاه كلَ عام، فهَلاّ صنعْتَ صنِيعاً آخرَ غيرَ ملءِ الحُفر، وجَرْفِ الخِيام، وإغرَاقِ البُيوت؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى