البيـــــتُ العـــــــــــــــاري

بقلم : إخلاص الكفارنة
في زمنٍ نحنُ أحوَجُ فيه للسترِ، ودَرءِ أنفسِنا عن الفِتنِ؛ بات الغريبُ قبل القريبِ يقتحمُ حياتَنا دونَ استئذانٍ، وأصبح كلٌ مِنا كتاباً مفتوحاً للآخَرِ؛ يقلّبُ صفحاتِه أنّى شاءَ وكيفما شاءَ، وحتى بيوتُنا باتت بلا جدرانٍ وأسقُف حقيقيةٍ تحفظُها وتحفظُ أسرارَها، فلم تَعُدْ ما بنَتهُ السواعدُ من حجارةٍ وأعمدةٍ قادرةً على حمايتِنا، وصونِ أعراضِنا وخصوصياتِنا المفقودةِ؛ لتصبحَ بيوتَنا عاريةً.
ليس غريباً أنْ نكونَ نحن من دمّرْنا حياتَنا بأيدينا وما زلنا! فما تقترفُه أصابعُنا ليلاً و نهاراَ، قصداً أو بغيرِه؛ وصلَ ذروةَ الخطورةِ، فقد سمحْنا لذلك العنكبوتِ أنْ يتشعبَ بين زوايا منازلِنا؛ متغلغلاً في شؤونِها صغيرةً أم كبيرةً؛ ليتعدّى الأمرُ أدقَّ التفاصيلِ، وتبدأ بعدَها مرحلةُ المعاناةِ النفسيةِ والجسديةِ؛عدا عن تفكُكِ الأُسَرِ، وخدمةِ العدوِّ الصهيوني، الذي وجدَ من مواقعِ التواصلِ الاجتماعي؛ على رأسِها موقعُ (الفيس بوك) بنكَ المعلوماتِ الخصبَ عن حياةِ المواطنِ الفلسطيني على وجهِ الخصوصِ دونَ عناءٍ منه يُذكرُ في الاستجلابِ والتحصيلِ.
فلكُلٍّ منا صفحاتُه الخاصةُ على تلك المواقعِ، والتي تسابقنا في امتلاكِ أكبرِ عددٍ منها؛ تحتَ مُسمّى “حبُّ الظهورِ والتملُّك” دونَ إدراكِ خطورتِها، أو استخدامها بالشكلِ الحذرِ المسموحِ، كشفنا بها حياتَنا: صورَ طعامِنا وشرابنا ، سهرَنا ومجلسَنا ، ذهابَنا وإيابَنا ، أبناءَنا وبناتِنا، حتى مشاعرَنا وأحاسيسَنا الخاصةَ في بندِ ماذا تشعرُ وتفكّرُ.
والأدهَى من ذلك أنّ البعضَ يخلقُ أشياءً فقط؛ كي يصوِّرَها وينشرَها لمتابعيهِ الذين يجهلُ معظمَهم، ولا يدري من أيِّ ملةٍ هم أو ما طبيعتهم، فما بالك بمن يصنعُ الطعامَ لمجردِ التصويرِ، أو يقطعُ لحظةَ سعادتِه في رحلةٍ ترفيهيةٍ أو جلسةٍ عائليةٍ؛ من أجلِ صورةٍ ينشرُها على حسابهِ؛ يحصلُ بها على علاماتِ الإعجابِ والتعليقِ؛ بلا مراعاةٍ لنفوسِ الآخَرينَ الذي يشتهون بعضاً من طعامِنا، أو يتمنونَ حياةً وأطفالاً كما رزقنا اللهُ؛ وهم قد حُرموا منهم.
أليس بعد ما رأيناهُ من تصرفاتٍ فيسبوكيةٍ؛ نستطيعُ القولَ أننا أمامَ مرضٍ مزمنٍ بحاجةٍ لعلاجٍ سريعٍ؛ يقضي على تلك الآفَةِ ؛ لتغدوَ حياتُنا قريبةً للأمانِ أكثرَ، لا حسدَ ولا غبطةَ، لا تفكُّكَ ولا أمراضاً نفسيةً، نحتفظُ بأسرارِنا وتفاصيلِنا الداخليةِ؛ كلٌ لذاتِه لا لتلك الطاولةِ المسمومةِ، أما من الواجبِ علينا أنْ ندركَ أننا على ثغرٍ مُهمٍ؛ ننصرُ به دينَنا ووطنَنا، نعملُ جيداً على اختيارِ القيِّمِ للنشرِ والعرضِ في صفحاتِنا الخاصةِ والعامةِ؛ كي نكسبَ الفائدةَ والثوابَ، ونُصلحَ بها نفوساً وعقولاً مريضةً.