رعايةُ الموهوبين

بقلم الخبير التربوي د. جواد محمد الشيخ خليل
إنّ رعايةَ الموهوبينَ والمتميزينَ مسألةٌ تربويةٌ مُهِمةٌ جداً؛ بدأتْ وتَرعرعتْ في بدايةِ السبعينياتِ، حيثُ شغلتْ الكثيرَ من الباحثينَ في الأمورِ التربويةِ والتعليميةِ في عَقدِ الثمانينياتِ، ودارتْ منافسةٌ حاميةٌ بين قيادةِ التربيةِ، والمُهتمّينَ في هذا المجالِ، كلٌّ يُدلي بنظرياتِه ونماذجِه وأنظمتِه، وكلٌّ يزاحمُ الآخَرَ مُدعِّماً وِجهةَ نظرهِ بكثيرٍ من الأبحاثِ والدراساتِ.
وقد اهتمّتْ حركةُ تربيةِ المتميّزينَ منذُ البدايةِ ببناءِ الفردِ المتميّزِ، من مُنطلقِ أنّ الأذكياءَ كنزٌ من كنوزِ الأُمّةِ، ولا بدَّ من استثمارِ هذا الكَنزِ واستغلالِه بالشكلِ المناسبِ، فجاءتْ فكرةُ البرامجِ الخاصةِ ، والتي تبدو فيها فردِيةٌ التعليمِ، مِثلَها مِثلَ بقيةِ البرامجِ الخاصةِ الأُخرى، كالتي تُعنَى بمشكلاتِ التعلُّمِ، وبرامجِ المعاقينَ عقلياً، وغيرِها من البرامجِ.
عندئذٍ بدأتْ حركةُ تعليمِ الأذكياءِ والمتميّزينَ والموهوبينَ، فاهتمُّ القادةُ التربوِيّونَ بإيجادِ عدّةِ برامجَ لتعليمِ هذه الفئةِ، ومع تَعدُدِ البرامجِ تعدّدتْ الطرُق والأساليبُ في التعليمِ، كما تعدّدتْ طرُقُ ومعاييرُ اختيارِ الطلبةِ، لكنها جميعاً كانت تلتقي عندَ ضرورةِ تحقيقِ التعليمِ الخاصِّ لمُختلفِ أنواعِ الطلبةِ المتميّزينَ؛ مُراعِينَ في ذلكَ تنميةَ قدْراتِهم العقليةِ، ومواهبِهم بهدفِ إعدادِهم للمُساهمةِ في بناءِ الأُمةِ وتقدُّمِها.
ومن خلالِ دراسةِ الثقافاتِ المختلفةِ، نجدُ أنّ هناك محاولاتٌ مستمرةٌ لتطويرِ الأشخاصِ ذَوي التفكيرِ المتقدِّمِ والقدراتِ العاليةِ، فمَثلاً منذُ أيامِ إنسانِ الكهفِ؛ كان الشخصُ يُعَدُّ موهوباً إذا كان صياداً ماهراً، وفي الحضارةِ اليونانيةِ القديمةِ كان الأطفالُ ذَوُو القدراتِ القياديةِ والفصاحةِ الُّلغويةِ؛ يَتِمُّ اختيارُهم في سنٍّ مبكّرةٍ، ويُقدَّمُ لهم تدريسٌ خاصٌّ في العلومِ والفلسفةِ والفيزياءِ، وفي “روما” مَثلاً؛ كانت تهتمُّ بهؤلاءِ الأشخاصِ لأغراضِ الجيشِ والتجنيدِ والحربِ، وفي “الصين” كان الإمبراطورُ بنفسِه يهتمُّ بمِثلِ هؤلاءِ الأشخاصِ، ويقدّمُ لهم التعليمَ والإقامةَ المَجانيّةَ، باعتبارِهم كنزاً يجبُ حمايتُه.