وسائلُ تواصُل أَم وسائلُ عزلٍ و تباعُدٍ !

مقال: عماد بخيت
أبتدِئ حديثي ببعضٍ من الأسئلةِ الوجوديةِ ومن ضِمنِها ، “هل إدمانُ (السوشيال ميديا) لعنةٌ تصيبُ تُعساءَ الحظِّ ؟! أَم أنّ النشاطَ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ؛ يَنُمُّ عن شخصٍ اجتماعيٍّ محبوبٍ؛ لا يَسَعُهُ سِوى التواصلِ مع الآخَرينَ ؟! أَم هل هو شخصٌ انعزاليٌّ ناقمٌ على الحياةِ؛ كارِهٌ للتواصلِ الفِعليّ؛ و لا يجدُ نفسَه سِوى في هذا العالمِ الافتراضيّ؛ فيخلقُ لنفسِه منه واقعاً زائفاً ؟! .
من ثَم هل يسَعُني الآنَ الاتجاهُ إلى نظريةِ المؤامرةِ، و الاعتقادِ بأنّ (السوشيال ميديا) ما هي إلّا أداةٌ لنزعِ الوَحشةِ والغربةِ بينَ الأفرادِ!، من خلالِ تجربتي الشخصيةِ، أعتقدُ جازماً أنّ من أطلقَ عليها “مواقعَ التواصلِ” لم يكنْ موَفَّقا في التوصيفِ، فهل يُمكِنُني أنْ أقترحَ تغييرَ اسمِها إلى مواقعِ “التباعد والانفصال الانعزالي “؟ رُبما تتساءلُ لِم كلُّ هذا الاعتقادِ عزيزي القارئ! أراهنُ أنك تقرأُ هذا الكلامَ بعَينٍ واحدةٍ! وتتابعُ (إشعارات الفيسبوك ) بالعينِ الأُخرى.
قد تأتي إجابتي نتاجاً لِما لاحظتْهُ بينَ فئةٍ كبيرةٍ من مُستخدمي مواقعِ “التباعد” كفيسبوك و إنستجرام و تويتر و غيرِه ، من اهتمامٍ مبالَغٍ فيه بِمُستجدّاتِ هذه المواقعِ، وأخذِ الموضوعِ بِجدّيةٍ مُريبةٍ ، اهتمامٍ قد يصلُ إلى:خطواتٍ يتَّخِذُها مُستخدمو مواقعِ التواصلِ (فيسبوك، وتويتر، وانستجرام) في التعاملِ مع الأصدقاءِ ؛ كعقابِ أحدِ الأفرادِ المتخاصمينَ للآخَرِ؛ من خلالِ الـ “بلوك Block “ و أحياناً “إلغاءِ الصداقة Unfollow” ، و هو الحلُّ الذي يَعدُّه البعضُ أقلَّ حِدَّةً، أو حينَ يكونُ أحدُ المتخاصمينَ طيّباً متسامحاً ، و ما لاحظتُه _و قد أذهلني_ هو لجوءُ البعضِ إلى الامتناعِ عن “الإعجابِ Likes”؛ بمَعنى أنه إذا تخاصمَ فَردانِ؛ فلا يُبديانِ أيَّ إعجابٍ بـ “المنشور Posts”، أو الصورِ أو أيَّ تفاعلٍ من أحدِ الطرَفينِ ؛ كنوعٍ من أنواعِ العقابِ، أو إبداءِ الغضبِ.
والأدهَى من ذلك؛ هو قيامُ الأفرادِ المتخاصمينَ بتأليفِ “مناشير posts ” مهاجِمةٍ ، مستنكِرةٍ ، غامضةٍ ، مهينةٍ للطرَفِ الآخَرِ؛ دونَ ذِكرِ أسماءٍ، و إنهائها بهاشتاج #مقصودة في جوٍّ من الغموضِ و التشويقِ و إثارةِ المتابعينِ لمعرفةِ تفاصيلِ النزاعِ .
رُبما يتَّسِمُ كلامي بالعِدائيةِ و الهجومِ؛ ولكنني في موضعٍ لا يسمحُ لي بانتقادِ (السوشيال ميديا) كَكُل ؛ لأنني من مستخدِميها، و ممن لا يستغنونَ عنها ، و لستُ هنا بِصَدَدِ أنْ أناقشَ فوائدَها ، و لا تطوُّرَها.. إلى غيرِ ذلك من الجوانبِ العلميةِ ! .
لكنني في موضعِ تَعجُّبٍ ! ممّن يخصِّصونَ جزءاً كبيراً من وقتِهم و تفكيرِهم و اهتمامِهم لمتابعةِ تصرُّفاتِ الآخَرينَ .
وأنا هنا في محلِّ استنكارٍ ممّن يكونُ موضوعُ نقاشِهم هو “منشور post”؛ نشرَه “فلان” بالأمسِ على فيسبوك ، و انزعاجٍ واستفزازٍ ممّن يَستنزفونَ وجودَهم في عالمٍ غيرِ واقعيّ؛ يتَّسِمُ فيه الكثيرُ من الأشخاصِ بالزّيفِ و التصنّعِ .
وفي ختامِ حديثي أتوَجَّهُ بالحثِّ للكثيرينَ؛ بأنْ يوظِّفوا وجودَهم و فكرَهم و روحَهم في التواصلِ الفعليِّ ، وأنْ يمتلكوا الشجاعةَ و القوةَ للمواجهةِ؛ بأنْ يعزِلوا فكرةَ الانعزالِ، و يواجِهوا العالمَ الحقيقَ؛ برغمِ ما فيه من سيئاتِ؛ فلن يَطرُدَنا يوماً إذا انقطعَ عنه الـ “واي فاي WIFI”.