الزاوية الأمنية

ساعةُ شيطانٍ أخرجتْها من رحمةِ اللهِ

عُرفتْ “م.ح ” بحنانِها غيرِ المعهودِ، منذُ سنواتِ عُمرِها الأولى، حبُّها للأطفالِ فاقَ كلَّ التوقُعاتِ ، فلم يكنْ ذَوُوها يتخيّلونَ أنْ تَتركَ الطالبةُ المميّزةُ مقاعدَ الدراسةِ في بدايةِ المرحلةِ الثانويةِ؛ من أجلِ الزواجِ والإنجابِ، وهى صاحبةُ الطموحِ والتميُّزِ الواضحِ، ولم يستطعْ أحدٌ أنْ يُثنيها عن قرارِها! خاصةً وأنّ الثقافةَ الاجتماعيةَ السائدةَ تقولُ (إنّ مستقبلَ المرأةِ بيتُها وأطفالُها).

منذُ الأيامِ الأولى لزواجِها؛ انتظرتْ ذلك اليومَ الذي يُخبرونَها فيه أنها حاملٌ، وستصبحُ أُمّاً في القريبِ العاجلِ، لكنّ السنواتِ مرّتْ دونَ أنْ يَحدُثَ ما تركتْ العِلمَ من أجلِه!! ، ذهبتْ إلى عددٍ من الأطباءِ من أجلِ البحثِ عن دواءٍ؛ يُمَكِّنُها من سماعِ كلمةِ “ماما”، وبعدَ طولِ انتظارٍ ، تقلّبتْ بينَ تشخيصاتِهم وفحوصاتِهم وأدويتِهم عُمراً؛ امتدَّ إلى تِسعِ سنواتٍ دونَ الحصولِ على نتيجةٍ فِعليةٍ، حاولتْ بكُلِّ الطرُقِ… وجميعُها فشِلتْ أمامَ إرادةِ اللهِ بعدمِ إنجابِها، في نهايةِ المطافِ أخبرَها أحدُ الأطباءِ بضرورةِ توفيرِ المالِ والوقتِ، فلا أملَ بالإنجابِ بشكلٍ مُطلَقٍ!!.

حملتْ “م.ح” خيبةَ أملِها، وعادت إلى بيتِ زوجِها، وجلستْ في باحتِه ترقُبُ أبناءَ أسلافِها؛ وهم يلعبونَ ويصرخونَ، ففاضتْ عيناها بدموعِ المرأةِ العاقرِ، وصَوّرَ لها الشيطانُ أنها أرضٌ جدْباءُ لا تستحقُ الحياةَ، وتراءَى أمامَ عينيها شريطُ حياتِها على مدارِ( 26 )عاماً ، ولم تنفعْ معها كلُّ كلماتِ التهدئةِ وجبْرِ الخواطرِ التي انهالتْ عليها من زوجِها والمحيطينَ ، بينما تُردِّدُ على مسامعِهم بعضَ الكلماتِ اليائسةِ عن عدمِ أهليتِها للحياةِ! فما نَفْعُ المرأةِ إنْ لم تكنْ أُمّاً!!.

ذهبتْ إلى سريرِها؛ و بكتْ  لأكثرَ من ساعتَينِ، ثُم استيقظتْ لتَجِدَ كلَّ مَن في البيتِ؛ قد غطَّ في قيلولةِ منتصفِ النهارِ الصيفي، ذهبتْ إلى المطبخِ، وأخرجتْ عبوةَ “كاز” تحتفظُ بها العائلةُ لإشعالِ بعضِ الإضاءاتِ اليدويةِ، وشربتْ منها قُرابةَ النصفِ، ثُم سكبتْ ما تبقّى منها على ملابسِها، وأشعلتْ النارَ في جسدِها لتتحولَ بعدَ دقائقَ معدودةٍ إلى جثةٍ متفحِّمةٍ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى