أبو عمر وبيارة الموت” الوجبةُ الغزّيةُ الدسِمةُ لجميعِ الأُسَرِ الفلسطينيةِ

السعادة/أمينة زيارة
اجتهدَ فأبدعَ، وعمِلَ فأتقنَ، بِزِيِّهِ العسكريِّ رسمَ أروعَ لوحةٍ فنيةٍ واقعية، تركتْ بصمةً في عقولِ وقلوبِ جميعِ شرائحِ المجتمعِ الفلسطينيّ؛ ليصبحَ أسطورةَ المقاومةِ والجهادِ، جَدِّيةٌ وصرامةٌ في عملِه العسكريِّ؛ أهلَّتْه للبطولةِ، فأدّى بثقةٍ وإتقانٍ، وأوصلَ رسالةَ غزةَ “الصمودُ والوَجعُ” للعالمِ، باسل شاهين “أبو عُمر” بطلُ فيلم “بيارة الموت” الذي أضحى حديثَ الشارعِ الفلسطينيّ والعربيّ والإسلاميّ أطفالاً وشيوخاً وشُباناً، حلَّ ضيفاً عزيزاً على مجلةِ “السعادة” ليتحدثَ لها عن مكنوناتِ شخصيتِه التي أحبَّها الناسُ، وجمعتْ حولَه الكثيرَ من المُحبِّينَ والمُعجَبينَ.
الفنانُ الفلسطيني “باسل شاهين” عرّفنا على شخصيتِك؟
“باسل خليل شاهين” 34 عاماً، متزوجٌ ولي أربعةٌ من الأبناءِ؛ أكبرُهم “خليل” في الصفِّ الأول الابتدائي، وأصغرُهم “أدهم” عامانِ، وُلدتُ ونشأتُ بين أزِقّةِ مخيمِ النصيراتِ، وحاصلٌ على دبلومٍ مِهني في “الخراطة” كما وأعملُ مدرِّباً عسكرياً في كليةِ تدريبِ جهازِ الأمنِ والحمايةِ الفلسطينيّ منذُ عامِ (1999).
هل عملُك المهني أهّلَك لتؤدِّي هذه الأدوارَ بدِقةٍ وإتقان؟
قد يستغربُ الكثيرونَ بأنني بدأتُ في الكوميديا، وحققتُ نجاحاتٍ كثيرةً في “يوميات أبو خليل وفضة” عبرَ إذاعةِ الأقصى في شهرِ رمضانَ، على مدارِ ثلاثِ سنواتٍ، وتقليدِ عددٍ كثيرٍ من الأصواتِ في آنٍ واحدٍ، وكذلك العملُ ضِمنَ فريقِ فرقةِ “الفرسان” للفنِّ الإسلاميّ المسرحيّ، ولكنّ تمثيلَ (أخوةُ الدمِ، وعينُ الصقر، وبيارة الموت) كان نقلةً نوعيةً وإثباتَ بصمَتي في فنِّ “الأكشن” الفلسطينيّ، فقد جسّدتُ في الأفلامِ الثلاثةِ دَورَ القائدِ العسكريّ الميدانيّ؛ الذي يجاهدُ من أجلِ وطنِه وأبناءِ شعبِه، فأنا أعملُ مدرِّباً عسكرياً في جهازِ الأمنِ والحمايةِ منذُ عامِ( 1999) حتى اللحظةِ، لذا كنتُ على جاهزيةٍ تامةٍ للعملِ في الفيلمِ، وهذا ما سهّلَ عليَّ، ومكَّنَني من الأداءِ بواقعيةِ وليس تمثيلاً.
هل لك أنْ تُحدّثَنا عن بداياتِ مسيرةِ الفنِّ في حياةِ باسل؟
أنا لدي موهبةٌ في التمثيلِ المسرحي، منذُ كنتُ في السابعةِ من عمري، فقد بدأتُ أولَ مسرحيةٍ هادفةٍ تدعو للصلاةِ، وتحثُّ على الالتزامِ الديني في المملكةِ الأردنيةِ الهاشميةِ؛ التي عشتُ فيها عشرَ سنواتٍ، حيثُ بدأتُ من المسجدِ بمسرحياتٍ لِجَذبِ الأطفالِ والشبابِ للمساجدِ، ونجحتُ بصورةٍ كبيرةٍ، ومع عودتي إلى غزةَ كانت الانطلاقةُ الحقيقيةُ لي بالفنِّ؛ عندما عملتُ ضِمنَ فرقةِ “البشاير” ومن ثَم انتقلتُ للفوارسِ الفنيةِ كفنانٍ مسرحيٍّ؛ حتى جاءت فرصةُ العملِ في إذاعةِ الأقصى مع الفنانِ “حسام نصار” بمسلسلِ “أبو خليل وفضة”, و”أبو خليل وأبو نص لسان” اللذينِ حصدا جماهيريةً واسعةً.
مهارةُ وموهبةُ تقليدِ الأصواتِ، كيف تُدرّب نفسَك عليها؟
لديّ قدرةٌ عاليةٌ على تطويعِ حَنجرتي، وتغييرِ الأصواتِ في دقائقَ، وهذه المهارةُ تحتاجُ إلى تركيزٍ عالٍ، وإتقانٍ لهذه الأصواتِ، وحفظِها جيداً، فأنا أصقلُ هذه المهارةَ بالتدريبِ اليومي مع أطفالي وزوجتي؛ عندما أُحدِّثُهم بأصواتٍ مختلفة، فقد كانت أصعبَ الحلقاتِ عندما مثّلتُ دَور “جاهة” قادمةٍ لخِطبةِ عروسٍ، فقد كنتُ العريسَ، والجاهةَ، ووالدَ العريسِ، ووالدَ العروسِ، لكنْ نجحتُ وحقَّقتُ نسبةَ متابعةٍ عاليةٍ.
إذا عُرضَ عليك مسلسلاً كوميدياً مصوّراً؛ هل تقبلُ به بعدَ البصمةِ الاجتماعيةِ التي تركتْها بيارةُ الموتِ؟
صِدقاً لن أقبلَ بكوميديا مصوَّرةٍ؛ تغيِّرُ نظرةَ الشارعِ الفلسطينيّ والعربيّ “لأبي عمر” هذا المجاهدُ الفلسطينيّ الذي قدّمَ روحَه ودمَه، وودّعَ أسرتَه وزملاءَه من أجلِ حِفظِ كرامةِ أبناءِ شعبِه، لذا لا أتخيلُ أنْ أقومَ بأيِّ عملٍ كوميديّ مصوَّرٍ؛ يُلغي الصورةَ الجميلةَ التي رسمَها الشارعُ الفلسطينيُّ “لأبي عمر”، ولكنْ إذا كان عملاً إذاعياً أو مسرحياً سأقبلُ به.
الجدّيةُ والرسميةُ والعصبيةُ؛ التي ظهرتْ في الفيلمِ، هل هي من سِماتِ الفنانِ باسل؟
بصفتي عسكرياً؛ وهو عملٌ يحتاجُ إلى الجدّيةِ والرسميةِ والقسوةِ في بعضِ الأحيانِ، فهي سِمةٌ طبيعيةٌ في شخصيتي وعملي، وكثيراً ما أخلطُ بينَ حياتي الشخصيةِ وعملي، حتى أنّ زوجتي تستغربُ من هذه المواقفَ التي أتعاملُ فيها مع أبنائي أثناءَ معاقبتِهم على الخطأ، فإنني أُطالبُهم بحركةٍ كبيرةٍ على أعمارِهم، فاحتجاجُها ومعاتبتي تُعيدُني إلى طبيعتي بأنني في بيتي، وليس في العملِ العسكري، لذا شخصيتي تميلُ للعصبيةِ والجدّيةِ والصرامةِ، لكنّ طبيعتي مع عائلتي وأُسرتي؛ فأنا أحبُّ المزاحَ جداً، وأحاولُ أنْ أَخرُجَ من أجواءِ العملِ العسكريّ .
في أغلبِ مَشاهد “بيارة الموت” كان أبو عمر يحملُ الجنديَّ المخطوفَ، هل أنتَ مؤَهلٌ لحَمله؟ وكيف تحمّلتَ هذه المَشاهد؟
شكّلَ حَملُ الجنديِّ لي عقبةً في بدايةِ تلقّي السيناريو؛ خاصةً أنني أشكو من آلامٍ في ظهري، لكنني وجدتُ نفسي في هذا الفيلمِ؛ الذي كُتبَ خصيصاً لشخصيةِ باسل، فوافقتُ وتحمّلتُ هذه المصاعبَ، وكنتُ بعدَ كلِّ مَشهدٍ يُعادُ أكثرَ من مرّةٍ، أذهبُ للصيدليةِ، وآخُذُ شريطَ دواءِ “التروفين” لتسكينِ الألمِ، وبرغمِ الألمِ إلاّ أنني كنتُ سعيداً بهذا الدَّورِ .
مع تزامُنِ عرضِ “بيارة الموت” في وقتِ الحرب.. هل راودَك الخوفُ من التهديداتِ بالقصفِ؟ خاصةً أنك أبدعتَ في التمثيلِ الواقعي.
رغمَ الحملةِ الشرسةِ التي شنّها الاحتلالُ ؛عبرَ قناتِه العاشرةِ حولَ الفيلمِ والإتيانِ بصورتي وتعليقاتِهم التهديديةِ، خاصةً مَشهدُ نزعِ الشريحةِ من كتفِ الجنديّ، باعتبارِها خطوةً يتكتّمُ عليها الاحتلالُ، وكذلك “الناطق باسمِ الجيشِ “أفخاي ادرعي” بتصديرِ صورتي على صفحتِه الشخصيةِ على الانترنت، لكنْ لم تؤثّرْ فيَّ هذه التهديداتُ العلَنيةُ، واستمرَّ عملي في الفنِّ الإسلاميّ المقاوِمِ والاجتماعيّ من خلالِ مسلسل “الروح” الدراما الأضخم.
“الروح” انطلاقةٌ دراميةٌ فلسطينيةٌ مقاوِمةٌ ضخمةٌ؛ حصدتْ ملايينَ المُشاهداتِ حولَ العالم، كيف تقيّمُ دَوركَ فيه؟
حقيقيةً لم أجدْ نفسي في هذا الدورِ “إنسان صُحفي يبحثً عن مصدرِ رزقِه، وتكوينِ أسرةٍ بعيداً عن العملِ المقاوم”، وقد كنتُ أستشيرُ مَن يشاركونني العملَ هل مَثلتُ بواقعيةٍ أَمْ بِتَكلُّفٍ، وجميعُهم يؤكّدونَ واقعيةَ دوري وأدائي، لكني لم أقتنعْ بهذا الدورِ؛ لأنني اعتَدتُ على نمطٍ مُحدَّدٍ في العملِ “المقاومة والجهاد”، لكن “الروح” عكستْ شخصيتي الحقيقةَ التي لا يَعلمُها الكثيرُ… إنسانٌ عاطفيٌّ أبكي… وفي أصعبِ الأوقاتِ أَحِنُّ وأعطفُ وأحبُّ الانخراطَ في المجتمعِ، والتقرُّبَ إلى الناسِ، وهذا ما لم تعكِسْهُ أدواري في “الأكشن”.
ماذا تركَ “بيارة الموت” في حياةِ باسل الاجتماعيةِ والعملية؟
“بيّارةُ الموتِ” وكأنه فُصِّلَ لي، فهو فيلمٌ يحاكي جميعَ الأعمارِ، وأكونُ بِقِمّةِ سعادتي وأنا أستقبلُ سلاماتِ وضحكاتِ وأحضانَ الأطفالِ، وهم ينادونَني في الشوارعِ “هَي أبو عمر”، أو الرجالَ الذين يباركونَ عملي وجُهدي، ويقولونََ بأنّ الفيلمَ أصبح وجبةً يوميةً دسمةً في حياةِ أُسرِهم، وخاصةً أطفالَهم، لذا لن أُغيّرَ هذه النظرةَ بأيّ أعمالٍ مخالفةٍ لِما اعتادَ عليه جمهوري، وأتمنّى أنْ تبقَى هذه البصمةُ الطيبةُ في نفوسِ أبناءِ شعبي، فهي التي تُعطيني دفعةً للأمامِ؛ للاستمرارِ في أداءِ رسالةِ شعبِنا الفنيةِ.
كما أنني بعدَ هذا الفيلمِ؛ تلقيتُ مئاتٍ من طلباتِ الصداقةِ على حسابي على “الفيس بوك” وجميعُهم يتركون رسالةَ تشجيعٍ ودعمٍ فنيٍّ لي؛ للاستمرارِ في مسيرتي الفنيةِ من “مصرَ وتونسَ والجزائرِ واليمنِ والأردنَ والجالياتِ الفلسطينيةِ في الدولِ الأوروبية”، وقد لا يُعجِبُ زوجتي! لكنها تَقبَلُه على مَضضٍ! لكنّ الثقةََ بينَنا، والوُدَّ والحبَّ قائمِينَ، لن تُغيِّرَها شخصيةٌ في فيلمٍ أو مسلسلٍ إذاعيّ.
كيف ترى الدراما الفلسطينية؟ وهل الأعمالُ المقاوِمة أضافت شيئاً جديداً، ورفعتْ من رصيدها؟
الدراما الفلسطينيةُ في صعودٍ مستمرٍّ؛ بعد سنواتٍ من الغيابِ والضعفِ والإهمالِ، وما أعادَ لها الروحَ؛ هي دراما المقاومةِ التي تحاكي الواقعَ الفلسطيني، فقد رفعتْ من رصيدِها الفنيّ، وأعادتْها للصدارةِ من جديدٍ، ونُثمِّنُ هنا جهودَ فضائية الأقصى في احتضانِ هذه الأفلامِ والمسلسلاتِ؛ التي تحتاجُ إلى تطويرٍ وارتقاءٍ للوصولِ للعالميةِ، لكنْ مع ازديادِ الحصارِ والتضييقِ على غزةَ؛ لا نستطيعُ تطويرَها من خلالِ التواصلِ مع أهلِ الفنِّ في الخارجِ، للاستعانةِ بخبراتِهم.
مَن المُمثل الذي تحبُّه، وتتمنّى أنْ تكونَ بقدرتِه الفنية؟
الفنانُ الأردنيّ المبدعُ “منذر رياحنة”، أجدُ فيه قوةَ الشخصيةِ، وإتقانَ الأداءِ، والإبداعَ في تجسيدِ ولبسِ الشخصيةِ تماماً؛ سواءً كانت بدويةً أو تاريخيةً أو حتى مصريةً، فهو ناجحٌ بلا منافسٍ، وخيرُ دليلٍ استقطابُه في الدراما المصريةِ، صاحبةِ التاريخِ العريقِ في هذا المجالِ.
من الشخصيةُ التي أثّرتْ فيك محلياً وعربياً؟
على المستوى المحلي القائدُ والمعلمُ والدكتور “محمود الزهار”، فهو كاتبٌ مبدعٌ له بصمةٌ واضحةٌ في مجالِ الفنِّ، فهو مَن كتب فيلمَ “عماد عقل، وعاشق البندقية” وكان لهم الصيتُ الواسعُ محلياً وعربياً، فشخصيتُه أثّرتْ في حياتي، وقد أتشابَهُ معه في قولِنا الصراحةَ والحقيقةَ، ولو على قطْعِ الأعناقِ.
وعلى المستوى العربي؛ الداعيةُ الإسلاميّ الكبير د. “خالد الراشد” –فك اللهُ أَسرَه، وجميعَ أسرانا في سجونِ الاحتلالِ- فهو شخصيةٌ إسلاميةٌ قويةٌ، لها تأثيرٌ كبيرٌ في حياة الشبابِ المسلم، بدعوتِه وجهادِه بالنفس.
ما طموحُ الفنانِ “شاهين” على صعيدِه الشخصي والعملي؟
أتمني كرمَ اللهِ ورضاهُ عنّي وعن أسرتي، وأرى أولادي دعاةً وحفظةً لكتابِ اللهِ، يقودون جيلَهم نحوَ التحريرِ، وفي مجالِ العملِ أطمحُ بالمشاركةِ في أعمالٍ دراميةٍ كبيرةٍ؛ تُحاكي “الروح” ومن ثَم تفتحُ لنا الآفاقَ الفنيةَ العربيةَ والإسلاميةَ؛ للمشاركةِ وإظهارِ إبداعِ الفنانِ الفلسطينيّ.