دين ودنيامركز الاستشارات

هل تصل الصدقة للمتوفي؟

أجاب عن التساؤل الأستاذ “عبد الباري خلة” رئيس لجنة الإفتاء في كلية الدعوة الإسلامية فرع الشمال.

عند توزيعِ الصدقاتِ عن شخصٍ متوفَّي، هل توضعُ في ميزانِ حسناتِه، أم لا فائدةَ منها؟ وما هي الأشياءُ التي يمكنُ أنْ نفعلَها للمتوفَّين؛ كي تُخفّفَ عنهم، وتزيدَ من حسناتهم ؟

اتفقَ الفقهاءُ على أنّ الميتَ ينتفعُ بالصدقة، بل وبكل ما كان سبباً فيه من أعمال البِر في حياته ، لِما رواه مسلم وأصحابُ السنن عن أبي هريرة أن النبيr  قال: [إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقةٍ جَاريَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ] وروى مسلم عن جرير بن عبد الله: أن النبيr  قال: [مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أجْرُهَا، وَأجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ،مِنْ غَيرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورهمْ شَيءٌ، وَمَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهمْ شَيءٌ].

 أمّا الأشياءُ التي يمكنُ أنْ نفعلَها للمتوفَّين؛ كي تخففَ عنهم، وتزيدَ من حسناتِهم فأهمُّها: الدعاءُ والاستغفارُ له، وهذا مجمعٌ عليه لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، وقول الرسولr [إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى المَيِّتِ، فَأخْلِصُوا لَهُ الدُّعاء] وحُفِظَ من دعاء رسول اللهr: [اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا]، ولا زالَ السلفُ والخلفُ يدعونَ للأمواتِ، ويسألونَ لهم الرحمةَ والغفرانَ، دون إنكارٍ من أحدٍ. الصدقة: حكَى النووي الإجماع على أنها تقع عن الميتِ، ويصلُه ثوابُها سواءٌ كانت من ولدٍ أو غيره ، لِما رواه أحمد ومسلم وغيرُهما عن أبي هريرة: أنّ رجلاً قال للنبيr: إنّ أبي مات، وترك مالاً، ولم يوصِ، فهل يكفّرُ عنه أنْ أتصدّق عنه؟ قال: “نعم”. عن عائشة -رضي الله عنها-: «أنّ رجلاً قال لرسول اللهr: إنّ أمي افتلتتْ نفسُهاـ ولم توصِ، وأظنُّها لو تكلّمتْ تصدقتْ، فهل لها أجرٌ إنْ تصدقتُ عنها، ولي أجرٌ؟ قال: نعم، فتصدّق عنها» (رواه البخاري، ومسلم).

قال شيخُ الإسلام ابن تيمية: «فلا نزاعَ بين علماءِ السنةِ والجماعةِ، في وصولِ ثوابِ العباداتِ الماليةِ، كالصدقةِ والعِتق، فإذا تبرّعَ له الغيرُ بسَعيِه؛ نفعَه اللهُ بذلك، كما ينفعُه بدعائه له، والصدقة عنه، وهو ينتفعُ بكلِّ ما يصلُ إليه من كل مسلم، سواءٌ كان من أقربائه، أو غيرِهم، كما ينتفعُ بصلاةِ المصلين عليه، ودعائهم له عند قبره»، الصوم: لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: جاء رجلٌ إلى النبيr فقال: يا رسولَ اللهِ إنَّ أمي ماتتْ وعليها صومُ شهرٍ، أفأقضيه عنها؟ قال: ” أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمّك دَيْنٌ فَقَضَيْته , أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَصُم عَنْ أُمّك”. ، الحج: لما رواه البخاري عن ابن عباس: أنّ امرأةً من جُهينة جاءت إلى النبيr فقالت: إنّ أمي نذرتْ أنْ تحجَّ، فلم تحجّ حتى ماتت، أفأحجّ عنها؟ قال: “حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دَين أكنتِ قاضيته؟ اقضوا فاللهُ أحقُّ بالقضاء”. ، قراءةُ القرآن: جاء في المُغني لابن قدامه: قال “أحمد بن حنبل”: “الميتُ يصلُ إليه كلُّ شيءٍ من الخير، للنصوصِ الواردة فيه، ولأنّ المسلمينَ يجتمعونَ في كلِّ مصر، ويقرؤون ويهدونَ لموتاهم من غيرِ نكيرٍ، فكان إجماعاً.

قال ابنُ القيّم: والعباداتُ قِسمان: ماليةٌ وبَدنيةٌ، وقد نبَّه الشارعُ بوصولِ ثوابِ الصدقةِ، على وصولِ سائرِ العباداتِ المالية، ونبّه بوصولِ ثوابِ الصومِ على وصولِ سائرِ العباداتِ البدنيةِ، وأخبرَ بوصولِ ثوابِ الحجِّ المُرَكبِ من الماليةِ والبدنيةِ، فالأنواعُ الثلاثةُ ثابتةٌ بالنصِ والاعتبارِ.

وأفضلُ ما يُهدى للميتِ كما قال ابنُ القيم: قيلَ الأفضلُ ما كان أنفعَ في أنفسِه، فأفضلُ الصدقةِ ما صادفتْ حاجةً من المتصدَّقِ عليه، وكانت دائمةً مستمرةً، ومنه قولُ النبيr:[ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ سََقْيُ الْمَاءِ] وهذا في موضعِ يقِلُّ فيه الماءُ، ويكثُرُ فيه العطشُ، وإلا فسَقيُ الماءِ على الأنهارِ، والقني لا يكونُ أفضلَ من إطعامِ الطعامِ عند الحاجةِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى