بقلم: تسنيم محمد
يُقالُ إنَ المَرَايا صادقة، لكن قدْ تكذِبُ المرايا، إن كانَ ما يُفترَضُ أن تعكِسَهُ ليس جُرْماً مُشَاهَداً..تَصْدُقُ المرَايا في إظهارِ الحجمِ واللونِ والتّفاصيلِ الحسيةِ، لكنّها في الأعماقِ التي تختبئُ تحتَ سطحِ المظاهرِ..قطعاً كاذبة!!
المرايَا ضحلةُ الرُؤية، تخافُ الغوصَ في المكنونات، لذا استبدَلتُها بمرآةٍ من نوعٍ خاص، ثاقبةِ النظر، عميقةِ الفهم..
وهنا..لن تكذبَ المرايا!
لا حياةَ..مع اليأس
يَدفَعُهُ المَلَل..وَرُبّمَا الأَمَلُ فِي أنْ يقْرَأ خبراً يُنذِرُ بانفراجِ الحَلقةِ الخانِقَةِ التّي تُحِيطُ مُنذُ سِنينَ، واستَحكَمتْ في السّنةِ الأخيرة، يدفعُهُ ليُطالِعَ صفحاتِ الأخبارِ علَى شبكة الإنترنت، وعندما لا يجِدُ جديداً، يُعرِّجُ على صفحاتِ التواصلِ الاجتماعي، عَلَّهُ يُصادِفُ صَدِيقَاً غَابَ عنْهُ منذُ زَمن، أو يُسَلِّي نفسَهُ بِدُعَابَةٍ هُنا، أَو ظَرَافَة هُنا..
يَكْتُبُ أَحَدُ أصدِقَائِهِ علَى صفْحَتِه “لا يَأْسَ معَ الحياة..ولا حياةَ مع اليأس”..تستوقِفُه العبارَةُ طويلاً، لطالَما سَمِعَها وقرأَها، وخَطَّهَا علَى دفاتِر المدرسة، وعلى سُبُّورَةِ الصّفِ، فِي ذَلِكَ الوقْتِ كانتِ العِبارَة كما كتبَها صاحبُه، وكانَ معناهَا كمَا عرفَهَا طَوِيلاً..
لكنِ اليَومَ، قَرَأَهَا بشَكْلٍ مُخْتَلِف، ورأَى لهَا معنًى لمْ يَرَهُ يوماً، فصَدِيقُهُ الذّي كتبَ هذهِ العبارَة مُدّعِياً التفاؤُلَ والتَّمَسُّكَ بالأَمَلِ، يَمتَلِكُ حياةً..أجل، حياةً جميلةً وَادِعَة هانئة، صحّتُهُ جيّدة، لا يَنْقُصُهُ بَيت، ولا يُنَغِّصُ عليهِ غِيابُ الوظيفةِ، أو وُجودُ الوظيفةِ و غِيابُ الرّاتِب! ويحظَى بزَوجَةٍ جميلة، ولهُ أُسرَةٌ ميسورَة، ويُسْمَحُ لهُ بالسَّفَرِ دُونَ أيِّ ادِّعَاءٍ لأَسبابٍ أمنِيّة..إنها “الحياة”، الحياةُ الطّبيعِيّةُ التّي من المُفتَرَضِ أن يَحيَاها الموجودونَ على آخرِ درَجاتِ سُلَّمِ المَرَاتِب، فمِنَ الطّبيعِيّ إذاً، ألّا يَكُونَ لذلِكَ الصّدِيقِ معَ تلكَ الحيَاةِ يأس!
أمّا اليأسُ، الذّي تمكّنَ مِنهُ فاستَوْطَن، وتلَبّسَهُ فاسْتَعْصَى، بعدَ أنْ غَابَت عنْهُ الحَياة، فَمِنَ الطّبِيعِيّ إذاً ألا يَكُونَ لَهُ معَ ذَلِكَ اليأسِ..”حَياة”!