انتقاد الآخرين

أجابَ عن التساؤل الدكتور “عبد الفتاح غانم” رئيسُ لجنةِ الإفتاءِ في جامعةِ الأقصى .
ما حُكمُ كثرةِ انتقادِ الآخَرينَ على كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ وإحراجِهم أمامَ الناسِ ؟
إنّ كثرةَ انتقادِ الآخَرينَ على كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، وإحراجِهم أمام الناسِ؛ مرضٌ عضالٌ ينبعثُ من نفسٍ ملوَّثةٍ بالعُجبِ، ملفوفةٍ بالكِبْرِ بدافعِ الشعورِ بالفوقيةِ المتغلغلةِ في الأعماقِ الضاربةِ في النفسِ.
ويُعدُّ هذا النقدُ هدّاماً ؛ لذا تنفرُ منه النفوسُ، فلا أحدَ يحبُّ أنْ يكونَ مثارَ انتقادِ الآخَرينَ، ويظهرُ ذلك عندما يتخِذُه الشخصُ منهجاً له في الحياةِ، وفي معاملةِ الناسِ ، فتراهُ دائماً ينتقدُ مَن حولَه، ومن يتعاملُ معهم ، حتى إنه لَيستخرجُ السيئةَ منهم استخراجاً بأسلوبِه المُنفِّرِ ونقدِه اللاذع ، فإنْ رأوا منهم هفوةً ضخَّموها ، وجعلوا من البذرةِ شجرةً ، هؤلاءِ لا يَرونَ في الطعامِ اللذيذِ إلاّ الشعَرةَ التي سقطتْ فيه سهواً ، ولا يُبصرونَ في الثوبِ النظيفِ؛ إلاّ قطرةَ الحبرِ التي أصابتْه خطأً ، ولا في الكتابِ المفيدِ إلاّ خطأً مطبعياً تسرّبَ إليه.
وطبعاً هذا النقدُ لن يأتيَ بأيِّ نتائجَ إيجابيةٍ ، بل على العكسِ ، سيُنفّر الناسَ من صاحبِه، ومن التعاملِ معه، ولكنه لو اتّبعَ أسلوباً آخَرَ أفضلَ من النقدِ ، فيكونُ انتقادُه بنّاءً ، وحتماً ستكونُ النتائجُ مختلفةً ، على الأقلِّ مع بعضِ الأشخاصِ، ولكنّ هذا الأسلوبَ يحتاجُ كلُّ واحدٍ مِنا أنْ يُدرِّبَ نفسَه عليه ؛ إنْ أراد فِعلاً أنْ يكونَ نقدُه بنّاءً، ويُغيّرَ في المجتمعِ والناسِ. قال الغزالي : وأوصَى “علقمة العطاردي” ابنَه عندَ وفاتِه فقال :” إذا أردتَ صحبةَ إنسانٍ؛ فاصحَبْ مَن إذا مدَدْتَ يدَك بالخيرِ مدَّها، وإنْ رأى منكَ حسنةً عدَّها، وإنْ رأى سيئةً سدَّها، ومَن إذا قُلتَ صدَّقَ قولَكَ، وإنْ حاولتَ أمراً أمدَّكَ، وإنْ تنازعتُما في شيءٍ آثَركَ.
إنّ القولَ الحَسنَ، واستشعارَ قيمةِ الآخَرينَ من حقيقةِ الميثاقِ المأخوذِ على بني إسرائيل إبّانَ عهدِ موسى عليه السلام : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) البقرة 83 ، بل إنّ اكتسابَ الأنصارِ، وحِفظَ الموَدََةِ، واستدامةَ الصداقاتِ، ومنعَ الشيطانِ من أنْ تمتدَّ حِبالُه في إفسادِ ذاتِ البَينِ؛كلُّها أمورٌ مرهونةٌ بالكلامِ الحَسنِ، واللفظِ الليِّنِ، وتَجنُّبِ السخريةِ من الآخَرينَ، والإغضاءِ عن الهفواتِ (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) كم حطّمتْ السخريةُ نفوساً عاليةً! وقوّضتْ هِمَماً ساميةً! وزرعتْ بذورَ الشقاقِ! وحصدتْ التناحُرَ والافتراقَ!.