كتاب الثريا

الطاقةُ الإيجابيةُ باستمرارٍ

بقلـــم/ أ. د. فتحيــة صبحي اللــولــــو عميد كلية التربية بالجامعة الإسلامية- غزة

الزواجُ نعمةٌ من نِعمِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وآيةٌ من آياتِه سبحانه وتعالى في الكون ، والأسرةُ الجديدةُ التي تُبنى على مبادئَ وأسُسٍ سليمةٍ تكونُ أيقونةً جميلةً في قيثارةِ الحياةِ.

تبدأ هذه الأسرةُ بخطواتٍ أولُها الاختيارُ والبدايةُ بأسلوبٍ صحيحٍ، وتفكيرٍ سليمٍ، فالاختيارُ مقدّمة تؤدّي لنتائجَ ناجحةٍ؛ إذا تمَّ مراعاةُ كافّةِ المعاييرِ في الجانبِ الاجتماعيّ والاقتصاديّ، و إذا كان هناك تَوافق نفسيّ في الميولِ والاتجاهاتِ والرغباتِ، ممّا يُحدِثُ الانسجامَ والتوافقَ والتواصلَ القائمَ على التكاملِ، بحيثُ لا يكونُ هناك تغليباً للمشاعرِ والخيالِ قبلَ إدراكِ الواقعِ، ولكنْ تبدأ بإدراكِ الواقعِ ثُم نتخيلُ ونعيشُ الأحلامَ والمشاعرَ، ونعطي حُباً غيرَ مشروطٍ بالتغييرِ، وأنْ يتقبلَ كلٌّ مِنا الآخَرَ كما هو، فلا نحتاجُ إلى تغييرٍ كي نستمرَّ في حُبِ بعضِنا بعضاً؛ لأنّ التحفُظاتِ والرغبةَ في تغيير شريك الحياةِ توَلدُ القلقَ وعدمَ الاستقرارَ والإحساسَ بعدمِ الراحةِ والقناعةِ.

ثم فترةُ الخطوبةِ التي تعدُّ أجملَ فتراتِ العمرِ؛ بما تَحمِلُه من مشاعرَ وأحلامٍ ورديّةٍ للفتى والفتاةِ لبدايةِ حياةٍ زوجيةٍ يملؤها الحبُّ، وترفرفُ بين جنباتها السعادةُ والهناءُ…

وطبيعةُ الحياةِ تجعلُ استمراريةَ هذا الحُلمِ؛ تدخُلُ اختباراً صعباً عند مواجهةِ صعوباتِ الحياةِ، والاصطدامِ بمسئولياتِ الزواجِ، وتدبيرِ أمورِ المعيشةِ وتربيةِ الأبناءِ، ومن هنا إمّا النجاحُ في الاختبارِ، والصمودُ في المحافظةِ على البيتِ الصغيرِ، والتعاونُ والإيثارُ والقدرةُ على التنازلِ واعتبارِ كيانِهم كياناً واحداً له قيمةٌ كبيرةٌ، والفهمُ الصحيحُ أنّ الزواجَ لا يعني أنْ يعتمدَ كلٌّ منهما على الآخَرِ، وتحميلَه فوقَ طاقتِه، ولكنْ كلُّ واحدٍ يحملُ المسئوليةَ حسبَ قدراتِه وإمكاناتِه، وإدراكُ أنّ الرجولةَ والأنوثةَ الحقيقةَ الكاملةَ تعني التوازنَ بينَ الحقوقِ والواجباتِ، فالرجلُ أنيسٌ لزوجتِه وله عليها حقٌّ، وهي كذلك لها حقوقٌ، وكلٌ منهما عليه واجباتٌ، ولأنّ المرأةَ تَغلِبُها عواطفُها، وتبحثُ عن الحنانِ؛ يستطيعُ الرجلُ احتواءَها، واحتواءَ مشاعرِها الجياشةِ، فيجعلُها في قلبِه بأبسطِ الطرُقِ، ولكنْ أحياناً الرجالُ لا يعرفونَ كيف يُعبّرونَ عمّا بداخلِهم من مشاعرَ وعواطفَ تُجاهَ زوجاتِهم، ولكنّ الكلمةَ الطيبةَ الحانيةَ أجملُ ما يجمعُ القلوبَ، فقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم “والكلمة الطيبة صدقة”.

أمّا الفشلُ في الاختبارِ والتحوّلِ للعداوةِ حيثُ يترصّدُ كلٌ منهما الآخَر،َ والوصولُ لطريقٍ مسدودٍ نتيجةَ العنادِ والتحدّي، وعدمُ التنازلِ بين الطرَفينِ، وتغافلُ الجوانبِ المعنويةِ، والاهتمامُ بالجوانبِ الماديةِ، واعتقادُ أنّ الزواجَ هو خروجٌ للتنزهِ، وهدايا وزهورٌ وشوكولاتةٌ، وكلماتُ حبٍّ، وآهاتٌ وأغانٍ عاطفيةً،ُ وعدمُ الوعيّ؛ يوصلُ للفشلِ ثُم الطلاقِ والانفصالِ والآلامِ، وكسرِ القلوبِ، وتحطيمِ الآمالِ، وإحباطٍ وألمٍ نفسييّ يسبّبُ الانسحابَ من الحياةِ.
منذ الخطوةِ الأولى، الاختيارُ ثُم الخطوبةُ ثم الزواجُ والمسئولية وتربية الأبناءِ، كلُّ هذه المراحلِ تحتاجُ مِنا طاقةً إيجابيةً فعالةً ماديةً ومعنويةً فالألوانُ الجميلةُ والزهورُ والبَرفانُ ومُعطراتُ الجوِّ والبخورُ والتفاؤلُ؛ تأثيراتُها إيجابيةٌ مختلفةٌ عن رائحةِ الترابِ، وعدمُ الترتيبِ والأدواتُ المُهملةُ والتشاؤمُ والتمرّدُ والانتقادُ المستمرُّ، وعدمُ الرضا التي تعطي تأثيراتٍ سلبيةً.

الطاقة الفكرية الإيجابية في نقاشِ قضيةٍ مُهمةٍ، والإصغاءُ للآخَرِ، والاهتمامُ به، وعدمُ تجاهلِه، ومشاركتُه الابتسامةَ والحزنَ- كلّ هذا يساعدُنا على الاستمرارِ والتحمُلِ للمسئوليةِ، والاستعدادِ للتضحيةِ والحبِّ والتواصلِ الإيجابيّ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى