إضاءةُ( 60 )منزلًا باستخدامِ بطارياتٍ تالفةٍ!!

تقرير: عبد الرحمن الطهراوي
يُطالِعُ الطالب “يوسف” كتابَه المَدرسي في ساعاتِ المساء على مجموعةٍ من الَّلمباتِ الصغيرةِ؛ التي تمَّ تركيبُها مؤَخرًا في منزلِه، وقد بزغتْ علاماتُ الرضا من وجهِه، ليتخلصَ من عَناءِ إشعالِ الشموعِ؛ التي كانت تشكّلُ مصدرَ قلقٍ له ولعائلتِه، وضجيجِ المولّد الكهربائي.
عائلة “يوسف” هي إحدى العائلاتِ التي اقتبستْ بعضَ النور من “شبكة الوحدةِ الوطنيةِ للأنوار الخيرية” التي أنتجَها المواطن “حسّان سعد” يبلغُ من العمر( 38)عاماً، والتي تكفّلتْ بدورِها توصيلَ تيارِ إنارةٍ كهربائية إلى عشراتِ العائلاتِ، فتُعينُهم على قضاءِ حاجاتِهم المنزليةِ، عندما تَغرقُ غزة في الظلامِ الدامس.
“السعادة” استغلّتْ انشغالَ “سعد” بإصلاحِ إحدى البطارياتِ التي تلِفتْ مؤخّرًا، وأضحتْ تتعرّفُ على طبيعةِ “شبكة الوحدةِ الوطنيةِ للأنوارِ الخيرية، حيثُ تتربّع اثنتا عشرةً بطاريةً تتعدّدُ أشكالُها على قطعةٍ خشبيةٍ عازلةٍ للكهرباءِ في إحدى زوايا بيتِه في حيِّ “الشجاعية” شرقَ مدينةِ غزة، التي تترابط ُبشبكةِ أسلاكٍ حوّلتْ العَتمةَ إلى نورٍ.
وتبلوَرتْ فكرةُ “سعد” الذي يعملُ في مهنةِ المحاماةِ؛ بعد اشتدادِ الحصارِ الإسرائيليّ على قطاعِ غزة، والذي نتجَ عنه انقطاعُ التيارِ الكهربائيّ لفتراتٍ طويلةٍ؛ تصلُ أحياناً لأكثرَ من( 12) ساعة؛ نتيجةَ إغلاقِ المعابِ الحدودية وشُحِّ كمياتِ الوَقودِ الواصلةِ.
ويقول سعد: “تفكيري الدائمُ في وضعِ حدٍّ للمَآسي التي تنتجُ عن إشعالِ الشموعِ والمولّداتِ الكهربائية، شكّلَ دافعاً قوياً للوصولِ إلى هذه الشبكةِ؛ التي تَضمنُ توفيرَ إنارةٍ على مدارِ ثماني ساعاتٍ متواصلةٍ، بدونِ أيِّ مُقابلٍ، كصَدقةٍ جاريةٍ عن روحِ الوالدِ الذي تُوفِّيَ قبلَ أشهرٍ من إتمامِ المشروع”.
تخطيطٌ ونجاحٌ :
واقتبسَ فكرة المشروعِ من المصابيحِ الصغيرةِ الموجودةِ داخلَ السياراتِ؛ التي تعملُ على جهدٍ بسيطٍ مقابلَ توفيرِ إنارةٍ كافيةٍ ومستمرةٍ، حيثُ باشَرَ بالتجهيزِ للمرحلةِ الأولى وِفقَ خطةٍ مُعَدّةٍ، وبعدها انتهى من إنارةِ باقي المنازلِ.
ويوضّحُ أنّ المرحلةَ الأولى كانت على مستوَى منزلَينِ، ومن ثَم تطوَّرَ الأمرُ لنحوِ(20)منزلًا، تمَّ مدُّهم بثلاثةِ مصابيحَ كهربائيةٍ، بجانبِ مقبسِ كهرباءٍ لشَحنِ الجوالِ، أو تشغيلِ الأجهزةِ التي توفِّرُ خدمةَ الانترنت اللاسلكي، إلى أنْ وصلَ الأمرُ بعدَ دعمِ بعضِ الأشخاصِ لنحوِ( (60)منزلًا في المنطقة”.
وعمدَ الشابُّ “سعد” خلال الفترةِ السابقةِ على جَمعِ وشراءِ أكبرِ عددٍ ممكنٍ من البطارياتِ ذواتِ الحجمِ الكبيرِ والمتوسطِ؛ التي تتميزُ بانخفاضِ ثمنِها مقارَنةً بِسعرِ البطارياتِ الجديدةِ التي تستخدمُ لأجهزةِ( UPS) غاليةِ الثمن .
ويضيفُ سعد: “البطارياتُ الاثنتا عشرةَ تُشحنَ يوميًا لمدة (12) ساعةً للتحول بعد ذلك إلى إنارةِ نحوِ ألفِ لَمبةٍ صغيرةٍ يطلقُ عليها “الليدات”، موضّحًا أنّ البطارياتِ ينتجُ عنها إنارةٌ تفوق( 5_7 )بطارياتٍ جديدة، بعدما يَجري عليها بعضُ التعديلاتِ الفنيةِ والكهربائية.
ويوزّعُ “سعد” على أهالي الحيِّ نحوَ ألفِ مصباحٍ صغيرٍ “لد” تنيرُ بيوتَهم، وتساعدُهم على أجراءِ بعض الأعمالِ البسيطةِ بدونِ أيِّ مقابلٍ مادّي، في حين يبلغُ العمرُ الافتراضي للبطارياتِ التي تتكونُ منها الشبكةُ حتى ستةِ شهور، ليتمَّ تجديدُها بذاتِ العددِ أو أكثر”.
ويبيّنُ بأنّ الشبكةَ تعملُ على نظامَين، الأولُ يعملُ تلقائياً؛ عندما تنفصلُ الكهرباءُ، ويستفيدُ منه (40)منزلًا، أمّا الثاني فيعملُ خلالَ انقطاعِ الكهرباءِ بالفترةِ المسائيةِ من الساعةِ الخامسةِ مساءً، وحتى العاشرةِ ليلًا، أمّا خلالََ انقطاعِها بعد الساعةِ العاشرةِ، فإنّ الشبكةَ تعملُ من ساعةِ فصلِ التيارِ حتى السابعةِ صباحًا.
ووفّرتْ الشبكةُ الخيريةُ الإنارةَ لشارعَينِ في المنطقةِ بطولِ (600) مترٍ وِفقَ آليّةِ عملِ النظامِ الثاني، مبيّنًا أنه سيُنفِّذُ خلالَ الفترةِ المُقبلةِ إنارةَ شارعَينِ إضافيّينِ بطولِ( 300) مترٍ على نفقةِ سكانِ الحي.
وتَمكّنَ صاحبُ “شبكة الوحدة الوطنية للأنوار الخيرية” من تجهيزِ مسجدٍ في المنطقةِ؛ التي يبعدُ عن مسكنِه نحو( 200)مترٍ بوحدةٍ كهربائيةٍ مستقلّة، حيث كان يغرقُ بالظلامِ أثناءَ انقطاعِ الكهرباء.
وتبلغُ تكلفةُ الشبكة _وفقا لسعد_نحو (2000)دولارٍ أمريكي، بدعمٍ واستشارةٍ هندسيةٍ من الشاب (حاتم عنان) حيثُ ساهمَ في تخفيضِ تكلفةِ المشروعِ بمقدارِ الثلُث، فيما قدّمتْ شركة “خضير” أجزاءً من أسلاكِ التوصيلِ واللداتِ الكهربائية.
تطويرُ الشبكةِ :
ويقول: “نسبةُ نجاحِ المشروعِ تصلُ(100%) رغمَ ارتفاعِ سعرِ الأسلاكِ الممتدةِ في الشوارعِ و”الليدات”، مُعلنًا عن استعدادِه لتوفيرِ الشبكةِ لعشراتِ المنازلِ في مختلفِ أحياءِ القطاعِ؛ في حالِ توفّر الدعم المطلوب، حيثُ تبلغُ تكلفةُ تجهيزِ المنزلِ الواحدِ نحو(200)شيكل، بوحدةٍ مستقلّةٍ وبطاريةٍ جديدةٍ على مدارِ ستةِ شهور.
ويضيف: “المشروعُ خلال الفترةِ الحاليةِ قادرٌ على توصيلِ التيارِ الكهربائي لنحو(25)منزلًا إضافياً، ولكنْ على أهلِ المنزلِ تجهيزُ الشبكةِ الداخليةِ لتوزيعِ “اللدات”، نظراً لعدمِ توفُرِ الدعمِ الماليّ للشبكاتِ الداخلية”.
ويرى أنّ توفُرَ القدرةِ اللازمةِ لصناعةِ العديدِ من الشبكاتِ التي توزَّعُ على عدّةِ أحياءٍ في قطاعِ غزة، لو توفّرتْ الإمكاناتُ والدعمُ المناسبان، مؤكِّداً أنه عرضَ المشروعَ على عدّةِ جهاتٍ أهليةٍ وخاصةٍ، ولكنْ لم يتلقَّ أيَّ ردٍّ؛ نظراً للوضعِ الاقتصادي الصعبِ السائدِ في قطاعِ غزة.