مرآتي..الغَائِبُ الحَاضِر

بقلم: تسنيم محمد
يُقالُ إنَ المَرَايا صادقة، لكن قدْ تكذِبُ المرايا، إن كانَ ما يُفترَضُ أن تعكِسَهُ ليس جُرْماً مُشَاهَداً..تَصْدُقُ المرَايا في إظهارِ الحجمِ واللونِ والتّفاصيلِ الحسيةِ، لكنّها في الأعماقِ التي تختبئُ تحتَ سطحِ المظاهرِ..قطعاً كاذبة!!
المرايَا ضحلةُ الرُؤية، تخافُ الغوصَ في المكنونات، لذا استبدَلتُها بمرآةٍ من نوعٍ خاص، ثاقبةِ النظر، عميقةِ الفهم..
وهنا..لن تكذبَ المرايا!
الغَائِبُ الحَاضِر
ثَمّةَ مَثَلٌ شعبِيٌّ يقول: “البعيد عن العين بعيد عن القلب”، لكنَّ القلبَ لا يقيسُ المسافاتِ كما يقيسُها المثل، ولهُ وحداتُ قياسٍ خاصّة، لا يكادُ يعرفُها سِواه، فكَم من قَريبٍ مِنَ العينِ بعيدٍ عنْه، وكم مِن بعيدٍ عنِ العينِ قريبٍ منه، ولعلَّ أعجبَ ما في هذَا القلبِ أنّهُ يُفرِدُ مِساحاتٍ خاصةً داخلَ دهاليزِهِ لأُناسٍ ما غابُوا عنِ العين فَحَسْب، بلْ غابُوا عن عالَمِ المحسُوسَاتِ بكامِله، ونزلُوا عالمَ الأرواحِ المجهول، الذّي لا نعرِفُ عنه سِوى ما نؤمنُ بهِ من فُروعِ العقِيدة.
لِِهؤُلاءِ الرّاحلينَ حضُورٌ أقوَى من كُلِّ المُقيمينَ بيننا، فكُلُ بُقعةٍ تذكِّرُنا بهِم، وكلُ لحظةِ ذكرَى متعلِّقةٌ بهِم، وأجزاءٌ من أرواحِهم تعيشُ بينَنا، وأجزاءٌ أخرَى ترافقُنا وتحومُ حولَنا، وتزورُنا من آنٍ إلى آن، حتّى الأيامُ والأشهرُ والتّواريخُ تذكّرُنا بهِم، مثلَ هذَا الشّهرِ، الذّي نُخاطِبُه بلِسانِ حالٍ يقُول:
أذكَرْتَنِي ما لستُ ناسِيهِ ** ولَرُبَّ ذكرى جدَّدتْ حُزْنَا..