بيتٌ بلا راتبٍ ..

بقلم: محمد خالد أبو جيّاب – رئيس تحرير جريدة الاقتصادية
أحدُ أهم ركائز الاستقرارِ الأُسري لدَى أيّ شعبٍ في العالم؛ هو ضمان المدخول المالي، أياً كانت طبيعتُه، دائماً أَمْ منقطعاً، كثيراً أَم قليلاً، ويُعدُّ جزءاً مُهمّاً من ركائز الضمان والأمنِ الاجتماعيّ، في أيٍّ من المجتمعات في العالم أيضاً.
وتتكيّفُ كلُّ أسرةٍ مع مدخولاتها؛ من خلال اختيار ما يتناسبُ من مصروفاتِ وآلياتِ توزيعِ تلك المصروفاتِ على الاحتياجاتِ الأساسية لأفراد الأسرة، فيأتي المأكل والمشربُ على رأس أولويات هذه الاحتياجات، ومن ثم يكونُ التعليم، والملبسُ والمسكنُ أولَى الأولوياتِ، إنْ لم يكنْ المواطن يمتلك منزلاً يسكنُه.
فتجدُ من يتقاضَى راتباً عالياً جداً؛ يكاد يتساوى مع من يتقاضى راتباً متدنياً في كثيرٍ من الأولويات، إلاّ أنّ المختلِفَ بينهما ؛ هو مستوى الرفاهية والرقي في هذه الأولوياتِ، إنْ كانت مشرباً أو مأكلاً أو ملبساً، أو حتى مسكناً وتعليماً، وقد يضيقُ البعضُ من تفسير هذا التوافقِ بين مستوياتِ الرواتبِ ومستوياتِ الحياة، وتوفيرِ أولوياتها متسائلاً: كيف لفلانٍ أنْ يأكلَ الدجاجَ أسبوعياً، وهو لا يتقاضى إلاّ القليلَ من المال شهرياً؟! وفي نفس الوقت يأكلُ فلان الدجاجَ أسبوعياً، ويتقاضى آلافَ الدولاراتِ شهريا؟!.
الإجابةُ هنا بسيطةٌ، وتكمنُ فقط في أمر مُهمٍ، وهو “التكيّف”، فعلى الأُسر الفلسطينية التي تعاني اليوم انعداما في الرواتبِ منذُ أكثرَ من عامٍ؛ أنْ تعيدَ جدولةَ الاحتياجات والمصروفات، بما يتناسبُ وانعدامِ الدخلِ، إلاّ من بعضِ الديونِ من الإخوة والأهل والأصدقاء وغيرِهم من الوسط الاجتماعي القريب.
وعليه أقولُ لِربّاتِ البيوت؛ إياكي والطلباتِ الكثيرة ، قدّري وحدّدي الاحتياجاتِ الضروريةَ لبيتكِ ، لتحافظي على أنْ تتجاوزي أنتِ وزوجُك وأبناؤكِ هذه المحنةَ بأقلِّ الخسائرِ، وبكثيرٍ من الحبِّ والترابط، أقنعي الأبناء بهذا النهج، لا تُظهري الشعورَ بالعجزِ والحرمان أمامَ الزوجِ، ناقشي بحدودِ الممكنِ، واطلبي أيضاً بحدود الممكن.
سيدي ربُّ المنزلِ مُنعدِمَ الدخلِ، إياك أنْ تشعرَ بأنك الوحيدُ في هذا العالم بلا دخلٍ، واعلَمْ أنّ مِثلَكَ مئاتُ الملايينِ من الأُسرِ عبر العالم حالُهم كحالِك، ويستمرونَ في الحياة، ويناضلون من أجل الأفضل، إياك واليأسَ، واعلَمْ أنّ الفرجَ لا يفارقُ الكربَ، فبعدَ كلِّ كربٍ فرجٌ.