أنتِ مرشّحةٌ لتَكوني.. “الخليفة”

بقلم: دعاء عمار
كيف تشعُرينَ إنْ قال لك أحدُهم؛ أنك مرشّحةٌ لتكوني إحدى الفائزاتِ بمنصبٍ ما، أو بجائزةٍ مُهمة، أو لتمَثّلي مؤسّسةً كبيرةً لها صيتُها وأهميتُها في المجتمعِ؟، بالتأكيد كنت ستعدين نفسك وتهيئين مظهرك وتتدرّبينَ مئاتِ المراتِ على الكلماتِ التي ستُلقينَها؛ كي لا تُخطئي أمامَ الجميعِ..
فكيف بكِ إنْ قال الله تعالى لكِ .. أنكِ مرشَّحةٌ لتكوني خليفةً، بالتأكيدِ أنتِ مُخطئةٌ؛ إنْ ظننْتِ أنّ هذا المنصبَ في معناهُ الرئيسِ حِكرٌ على الرجالِ، بل أنتِ أساسُ تلكَ الخلافةِ، وأساسُ إعمارِ الأرضِ؛ الذي خلقنا اللهُ من أجلِه منذُ البدايةِ.
ألَم يقُلِ اللهُ تعالَى “إني جاعلٌ في الأرضِ خليفة”؟ جميعُنا يعرفُ ذلك، ولكنْ هل سألتِ نفسِكِ كيف تكونينَ ذلك الخليفةَ؟ وما هو معنَى تلكَ الخلافةِ التي يجبُ أنْ تحمِلي رايتَها ومشعلَها بينَ العالمين؟
كي نفهمُ ذلك جميعاً؟ علينا أنْ نَعلمَ أنّ اللهَ خلقَنا فِعلاً لِنعبدَه، ولكنْ أيّ عبادةٍ تلك؟ وكيف تكونُ عبادتُنا متوافقةً مع مبدأِ عمارةِ الأرضِ؟ وفي أيِّ مجالٍ سنَعمُرها؟ وكيف نَعمرُها؟، يظنُّ الكثيرُ منّا أنّ العبادةَ مقتصرةً على الشعائرِ التي نؤدّيها، ونحاولُ ما استطعْنا الالتزامَ بها، ولكنّنا بذلك نكونُ أغفلْنا المعنَى الحقيقيّ للعبادةِ التي تؤدّي بنا إلى عمارةِ الأرضِ حقاً، وتحقيقِ مفهومِ الاستخلافِ فيها.
فالشعائرُ حسبَ مفكّرينَ ومفسّرينَ؛ هي الطاقةُ اللازمةُ للاستمرارِ في عمارةِ الأرضِ، هي الشاحنُ الذي نَشحذُ به هِمَمَنا؛ كلّما تعرّضنا للفِتنِ والمصاعبِ والمشقاتِ، هي الدليلُ والحكمةُ التي تضيءُ لنا الطريقَ، عندما ننحني ركوعاً وسجوداً لخالقِ الكَونِ، وعندما ندرّبُ أنفسَنا جوعاً وعطشاً على الالتزامِ الخَفيّ النقيّ بتعاليمِ شرْعِه، وعندما ندورُ حولَ كومةٍ من الحجارةِ لا لشيءٍ؛ إلاّ لأنّ اللهَ أمرَنا بذلكَ، وقدّسَها اللهُ تعالى، وجعلَها بيتاً معموراً، وقِبلةً تُوَحِدُ قلوبَنا وعقولَنا، أننا سواسيةٌ أمامَ اللهِ تعالى في يومِ حشرٍ ؛لا يُغني فيه أحدٌ عن أحدٍ، بل كلُّ فردٍ قائمٌ بذاتِه، متحدّثٌ عن نفسِه، وما قدّمَ لها وما أخّرَ.
هكذا يجبُ أنْ تُفهمَ الشعائرُ حقاً، أمّا مجالُ الإعمارِ الأساسِ؛ فهو مفتوحٌ أمامكَ، بما وهبكَ اللهُ تعالى من إمكاناتٍ وقدراتٍ، حتى وإنْ كانت خفيّةً، فكلُّ ما تحتاجينَ إليه هو جلسةُ صدقٍ مع نفسِكِ، تبحثينَ في خفاياها، وبين ثنايا تلكَ الروحِ الساكنةِ؛ وستَجدينَ بذرةَ انطلاقٍ تحتاجُ فقط للرعايةِ والتعَهُدِ، فلا تَسمحي لأحدٍ أنْ ينزِعَ الحياةَ منها، وكوني أنتِ كما تُريدينَ.
فالفنُّ إعمارٌ، والهندسةٌ إعمارٌ، والإعلامُ كذلكَ، والعلومُ الشرعيةُ أساسُه، والمهاراتُ المنزليةُ عمودُه، ورعايةُ الأبناءِ هي رأسُ ذلك كلّه، فأنتِ بذلكَ تُنَشِّئينَ أجيالاً من الخلفاءِ في الأرضِ، علِّميهِم وفقِّهيهِم، عرِّفيهِم على الأمانةِ التي حمَلوها طوعاً واختياراً، وساعِديهم على ذلك بالحكمةِ التي هي أساسُ ذلك كلّه، ألَم تَسمعي قولَه تعالَى لداوودَ عليه السلام “وآتيناهُ الحكمةَ وفصْلَ الخطابِ”.
فالحِكمةُ كما يقولُ الدكتور “أحمد خيري العمري” ليستْ ضالّةَ المؤمنِ؛ بل هي فَهمُه الذي لا يُفارقُه، ولها علاقةٌ وطيدةٌ وحتميةٌ بينَها وبينَ الخليفةِ، وبها وحدَها يَحكمُ بينَ الناسِ، ويَفصلُ بين أمورِهم وِفقَ شرعِ اللهِ تعالى ومنهجِه الذي أنزلَه على الأنبياءِ كي لا يَضِلَّ أحدٌ بعدَ ذلك أبداً.
لذا ونحن الآنَ مع بدايةِ عامٍ جديدٍ، قرِّري أنْ تكوني ذلك الخليفةَ، وأنْ تَعملي على صُنعِ الخلفاءِ من بعدِكِ على نفسِ المنهجِ، وعرِّفيهِم أنّ الأمانةَ ليستْ فقط داخلَ المسجدِ، بل هي في الحفاظِ على الصحةِ ورعايةِ العقلِ، وإماطةِ الأذى عن الطريقِ، وكفِّ الشرورِ عن الناسِ، ومنعِ الغشِّ في أمورِهم و حياتِهم، هي الأمانةُ في احترامِ الكبيرِ، وحبِّ الصغيرِ، الأمانةُ في السكينةِ والرحمةِ بينَ الزوجينِ، والأمانةُ في تحديدِ الهدفِ، وعدمِ البقاءِ على هامشِ الحياةِ كَلَّاً على الآخَرينَ.
كُوني أنتِ الحياةَ، واصنَعي الفرقَ والتغيّيرَ القادمَ، لا تَقِفي كالمتفرّجينَ، ولا تكوني كالأُخرياتِ، لا تَنتظري أنْ يرسموا لك موضةً ما، أو خطوطاً هنا أو هناك، كي تَسيري عليها.. ضعي أنتِ المساراتِ، وارسمي أنتِ النهايةَ، وكُوني بحقٍّ “امرأةً مختلفةً” لهذا العامِ.