هل الغيرة عنوان المحبة

بقلـــم/ أ. د. فتحيــة صبحي اللــولــــو- عميد كلية التربية بالجامعة الإسلامية- غزة
دخل علي ابن أبي طالب على زوجته فاطمة الزهراء رضي الله عنها وهي بنت خير البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فرآها تستاك بسواكٍ من الآراك فغار عليها وقال لها:
هنئت يا عود الأراك بثغرها أما خشيت يا عود الأراك أراك
لو كان غيرك يا سواك قتلته ما فاز مني يا سواك سواك
يغير عليها ويتغزل بها ويخاطب عود السواك ويهنئه بلمسه ثغر السيدة فاطمة ويعود يخاطبه بحميةٍ ورجولةٍ وغيرة رجل على زوجته فيقول: لو كان أي شيءٍ غيرك مس ثغرها لقتلته، يشعرها بحبه لها وحنانه عليها، ومكانتها في قلبه فيغمرها بمشاعر الود والحب.
أما عن غيرة السيدة عائشة رضي الله عنها تلك الزوجة التي أسعدت قلب المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخلت البهجة لحياته فكانت غيرةً كبيرةً، وكلما اشتدت غيرتها أحبها عليه الصلاة والسلام، وعندما سُئل على الملأ وبحضور الصحابة وكبار رجال القوم من أحب الناس إليك يا رسول الله فقال: عائشة… فقالوا له من الرجال يا رسول الله.. فقال: أبوها، سعد بها رسول الله وبغيرتها.
روى أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لديه بعض الضيوف دعاهم لتناول الطعام فسمعت زينب بنت جحشٍ بذلك فأرسلت مع خادمتها صفحةٍ فيها ثريدٍ عليه ضلع شاةٍ وهو طعام كان يفضله رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر الأطعمة.
وما كادت عائشة ترى الصفحة في يد الخادمة حتى ضربتها بيدها فوقعت الصفحة على الأرض وتناثر الطعام منها ودخلت عائشة تبكي في غرفتها، ابتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لمدعويه بابتسامةٍ: غارت أمكم… غارت أمكم.
نعم أسعدت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحبها وبغيرتها وبقلبها الرقيق وحبها وشغفها لزوجها… تحيةً للسيدة العظيمة أم المؤمنين التي تحمل قلب الأنثى الأرق من الزهرة، وعقل العلامة الواعية التي تعلم الناس الدين والعلم.
نعم هذه الغيرة التي تعتبر عنواناً للمحبةِ والمودةِ وليست الغيرة التي تنقلب لسوء الظن والاتهامات- فإذا غار الزوج على زوجته حول حياتها لجحيمٍ فلا تتحرك داخل أو خارج البيت إلاّ وهي مراقبة في كل تصرفٍ إذا تحدثت في الهاتف، أو استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي فهى متهمة، ويجب أن تدافع عن نفسها، وإذا غارت الزوجة بالمقابل تُفسر كل تصرفٍ تفسيراً يخالف الحقيقة وتقنع نفسها برد ورفض أي تفسيرٍ أو تبريرٍ فالزوج متهمٌ بالخيانة إذا تأخر أو تحدث بالهاتف أو زار أهله أو أصدقائه أو ….. إلخ.
هذه غيرة شديدة تكسر القلوب وتقتل المشاعر الجميلة وتنزع الثقة وتزعزع الاستقرار والأمن وتدمر الحياة الزوجية.
يمكن أن يغار الزوج وتغار الزوجة ولكن لا تصل هذه الغيرة للقسوة في المشاعر حتى لا ننسى أن سبب الغيرة هو الحب وأن حرصنا على من نحب يجدد مشاعرنا ويُساهم في التقارب الحقيقي والسعادة المُتجددة.