غير مصنف

مِرآتي..ضحايا أبرياء

بقلم: تسنيم محمد

يُقالُ إنَ المَرَايا صادقة، لكن قدْ تكذِبُ المرايا، إن كانَ ما يُفترَضُ أن تعكِسَهُ ليس جُرْماً مُشَاهَداً..تَصْدُقُ المرَايا في إظهارِ الحجمِ واللونِ والتّفاصيلِ الحسيةِ، لكنّها في الأعماقِ التي تختبئُ تحتَ سطحِ المظاهرِ..قطعاً كاذبة!!

المرايَا ضحلةُ الرُؤية، تخافُ الغوصَ في المكنونات، لذا استبدَلتُها بمرآةٍ من نوعٍ خاص، ثاقبةِ النظر، عميقةِ الفهم..

وهنا..لن تكذبَ المرايا!

ليس هنالك أجمل من ابتسامة رضيع بريئة في الصباح الباكر، ولا أعذب من صوته المغرد كالطيور الوليدة، عند أول شعاع شمس..يحتضنه دفء فراشه، ودفء قلب أمه الحاني..

في الصباحات الباردة، والأجواء الماطرة، يزداد الفراش دفئاً، وتزداد الأم حناناً، لكن الصادم -بعد لسعة الهواء البارد عند الاستيقاظ- هو أن هذا الرضيع الوادع المطمئن، ملزم بدوام رسمي، يحتم عليه الخروج كل يوم باكراً مع أمه العاملة إلى الحضانة!

تعتريه الدهشة كل يوم، من هذا المشوار القاسي، وتلك الوجوه الغريبة، وتلك الساعات الواجمة التي يقضيها دون أن يسمع صوت أمه، أو يلمس دفء صدرها، ثم ما يلبث أن يعتاد على هذا النمط، ليكون طفلاً عاملاً منذ أيام عمره الأولى..فهو ضحية العصر الجديد، عصر الضيق والخناق، في المدينة المنسية، حيث لا يستطيع والد وحده أن يؤمن الحياة الكريمة لأبنائه في أبسط صورها، فتضطر أمه إلى العمل هي الأخرى، وتعد نفسها الأكثر حظاً على وجه الأرض…

أما الأم، فتمشي به كل يوم، كأنها تمشي تلك الخطوات على قلبها لا على الأرض، تودعه في يد المربية، كأنها تودعه للمرة الأخيرة، ثم تعود لاهثة لتأخذه كأنما وُلد من جديد…وتعاود السير مجدداً على قلبها، آملة أن يكون ذلك في أن يعيش حياة كريمة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى