“غزة” لا تُضيءُ ..!

بقلم: رجب محمد النقيب
ما أصعبَ الحياةَ وأنتَ تعاندُ بها الموتَ! وأنت تقفُ على حافةِ حياةِ بائسةٍ؛ لا يوجدُ بها سِوى المعاناةِ والألمِ والظلمِ! ، تقفُ تتأملُها للحظاتٍ؛ لتبدأَ وتَخطوَ بنظراتِك لحياةِ العيشِ والهناءِ والرفاهةِ؛ ولكنْ أنَّى لك هذا؛ وأنتَ تعيشُ في جوٍّ لا يُسمحُ لكَ فيه؛ أنْ تتلقَى أدنَى مقوّماتِ الحياةِ! ، حيثُ الحصارُ والتضييقُ، وظلامُ الليلِ، وحرُّ الصيفِ، وبرودةُ الشتاءِ، وانقطاعُ الكهرباءِ المستمرُّ.
هكذا حالُ أهلِ غزةَ؛ الذين يَهربونَ من أزمةٍ لأزمةٍ أشدَّ؛ ومن بينِ هذه الأزماتِ تبقَى أزمةُ الكهرباءِ هي الأكثرُ قهراً لهم، والحديثُ الأبرزُ عندَ كلِّ مواطنٍ غزيٍّ؛ خاصةً مع انخفاضِ درجاتِ حرارةِ الجوِّ في الشتاءِ، واشتدادِ موجاتِ الحرِّ التي تجتاحُ القطاعَ؛ كلّما أقبلَ موسمٌ وأدبرَ.
نصيبُنا فقط ثماني ساعاتِ وصْلٍ؛ وأخرى قطْعٍ! أمّا في حالِ حدوثِ ضغطٍ على شبكاتِ الكهرباءِ؛ فتصلُ أحياناً إلى ثلاثِ ساعاتِ وصْلٍ؛ وباقي اليومِ والليلةِ قطعٍ! فكلّما حاولتَ إبصارَ شعاعِ النورِ الباهتِ؛ الذي يتسللُ لها عبرَ ال(6) ساعاتِ وصْلٍ، و(12 )ساعةً قطْعٍ ؛ يرجعُ صوتُ ذلك الناطقِ بنفادِ كميةِ المِنحةِ التي كانت كجرعةٍ تخديرٍ مؤقّتةٍ لإسكاتِ صوتِها، والحِسبةُ في تغيُّرٍ مستمرٍ لظروفٍ طارئةٍ؛ وما أكثرَها في غزةَ!.
وما بينَ جدولِ الستِّ ساعاتٍ، والثماني ساعاتٍ؛ تَبرزُ المعاناةُ الأكبرُ للمُواطنِ المغلوبِ على أمرِه، وطريقُه للبحثِ عن بدائلَ تعوِّضُه عن وجودِ الكهرباءِ، فهُنا الكُلُّ يقعُ تحتَ رحمتِها بلا استثناءٍ؛ حتى المرضى يقعونَ تحتَ رحمةِ وَقودِ الكهرباءِ والمولّداتِ.. وهناك مرضى بينَ كلِّ شهيقٍ وزفيرٍ يموتونَ ألفَ موتةٍ؛ لتوقُفِ أجهزتِهم عن النبضِ بسببِ انقطاعِ الكهرباءِ!
وكلّما بدأ غليانُ الشارعِ من خلالِ حِدّةِ الحواراتِ عبرَ وسائلِ الإعلامِ؛ عاد المُقامِرونَ بمصيرِ الشعبِ من جديدٍ لِلُعبةِ كيدِ “السلفات”! ونشرِ غسيلِ بعضِهم، والتتويهِ بأرقامٍ وإحصاءاتٍ تُثبِتُ براءةَ كلٍّ منهم! .
وبالتالي حتى الآن.. تبدو أزمةُ الكهرباءِ مسرحيةً نَصُّها واحدٌ، ونهايتُها مفتوحةٌ ، وفي ظِلِّ حالةِ اليأسِ من القياداتِ الفلسطينيةِ؛ لم يبقَ للشعبِ إلّا أنْ يغيِّرَ دَورَه في هذه المسرحيةِ من “الكومبارس ” إلى دَورِ البطولةِ؛ بطريقةٍ تفاجئُ الجميعَ، وتَقلِبُ الطاولةَ على المصالحِ الفئويةِ والحزبيةِ الضيقةِ؛ لصالحِ مصلحةِ الوطنِ والشعبِ، وإجبارِ المتخاصمينَ سياسياً على إبعادِ القضايا الإنسانيةِ والحياتيةِ عن دائرةِ الخلافِ والمناكفاتِ، وأهمُّها الكهرباء.
إذن (10) سنواتٍ وأكثرُ؛ وما من أحدٍ يتحرّكُ على مستوى واضحٍ وصريحٍ! بل أصبحتْ المعاناةُ نقطةَ قوةٍ لمَنْ يَمكرُ لها ، في ظِلِّ ما تقولُه آخِرُ الإحصاءاتِ ” أنه لدينا ما قيمتُه (280) ميجا؛ في حالِ أنتجتْ محطةُ الكهرباءِ كاملَ طاقتِها وقوتِها الانتاجيةِ”! وللمتأمّلِ في الواقعِ الغزيِّ؛ يَعلمُ أنّ هذه الكميةَ لا تكفي لسدِّ حاجاتِ الشعبِ الغزيِّ! حيثُ بيوتُ المدينةِ، والمنشآتُ، والمشافي، ومؤسساتُ التعليمِ الكثيرةُ.. ، والسؤالُ إلى متى ستبقَى “غزة” رهنَ الخصوماتِ والتلاعبِ من قِبلِ الحكوماتِ؛ لجلبِ الدعمِ والتمويلِ بحُجّةِ سدِّ الحاجةِ الماسّةِ من الكهرباءِ؟! وإلى متى ستَبقَى حياتُنا مرهونةً على مجيءِ وانقطاعِ الكهرباءِ؟! حتى الزياراتُ الاجتماعيةُ باتتْ تُحدَّدُ حسبَ جدولِ الكهرباءِ! وماذا بعدُ..؟ ، فالشعبُ الآنَ في حفرةٍ بقاعِ بئرٍ جفّتْ مياهُه! فإنْ صرخوا لا يَسمعونَ إلّا صدَى صوتِهم! ، وإنْ بَكوا لا يجِدونَ ماءً يغسلونَ به دموعَهم! فاترُكوهم ينطقوا الشهادتَينِ قبلَ أنْ يقتلَهم الظلامُ وهم صامتونَ.!