كتاب الثريا

التربيةُ الأمنيةُ الرشيدةُ

بقلم: د.رفيق أبو هاني(باحثٌ في الشؤونِ الأمنيةِ والاستراتيجيةِ)

منذُ عقودٍ يعيشُ الشعبُ الفلسطينيُّ البطلُ في ظِلِّ صراعٍ متواصلٍ؛ وذلكَ للدفاعِ عن حقوقِه المسلوبةِ من قِبلِ الكيانِ الصهيونيِّ، الذي يحتلُّ ويعتدي على مقدّراتِ الشعبِ الفلسطينيِّ في كلِّ مناحي الحياةِ .

وحالةُ الصراعِ شملتْ كافّةَ المجالاتِ: من عدوانٍ على المقدّساتِ، واستهدافٍ للبشرِ، و الحجرِ والشجرِ ، واستخدمَ فيها العدوُّ الصهيونيُّ كلَّ الوسائلِ غيرِ المشروعةِ والمُحرَّمةِ دولياً .

وإنه من الطبيعيِّ في ظِلِّ هذا العدوانِ؛ أنْ يكونَ الاستهدافُ الأمنيُّ للشعبِ الفلسطينيِّ على أولوياتِ أجهزةِ الكيانِ الصهيونيِّ الأمنيةِ؛ التي لا توَفِّرُ أيَّ جهدٍ لاختراقِ الصفِّ الفلسطينيّ، وتشتيتِ قدراتِه، والسيطرةِ على عقلِه وتوَجُّهاتِه .

لذا فقدْ عمدتْ أجهزةُ الأمنِ الصهيونيةُ بأذرُعِها المركزيةِ الثلاثةِ :  (الشاباكِ، والموسادِ، والاستخباراتِ العسكريةِ ) وأخرى فرعيةٍ لا مجالَ لذِكرِها، إلى العملِ على إنجازِ هذه المهمّةِ، التي تتلخصُ بتجنيدِ عملاءٍ يقومونَ بِجلْبِ المعلوماتِ عن رجالِ المقاومةِ الفلسطينيةِ ، وعن تسليحِها، وطرُقِ عملِها واستهدافِ قادتِها ؛ كما حدثَ مؤخَّراً مع الشهيدِ القائدِ “مازن فُقها” .

وكذلك العملُ على بَثِّ الشائعاتِ المُغرِضةِ التي تَفُتُّ من قوةِ وعزيمةِ الجمهورِ الفلسطينيّ، وتَصدُّهُ عن هدفِه المنشودِ بتحريرِ أرضِه ومقدّساتِه، كما تسعَى هذه الأجهزةُ الأمنيةُ _بكلِّ جهدِها_  لتدميرِ أخلاقِ الشبابِ والفتياتِ، الذين يُمثّلونَ عصَبَ القوةِ للشعبِ الفلسطينيّ؛وذلك من خلالِ نشْرِ المخدّراتِ الفتاكةِ، والانحلالِ الأخلاقي، وهي لا تدَّخِرُ أيَّ جهدٍ في ذلك.

لذلك كان لا بدَّ من التصدّي لكلِّ هذه الهجماتِ، التي تهدِّدُ كيانَ ومقدَّراتِ الشعبِ الفلسطيني؛ عبْرَ تربيةٍ أمنيةٍ رشيدةٍ؛ تسعَى من خلالِها الأسرةُ والمدرسةُ والجامعةُ والمسجدُ، وكلُّ مؤسساتِ الشعبِ؛ لتقويةِ جدارِ الصدِّ، وجهازِ المناعةِ الأمنيةِ للجيلِ الفلسطينيِّ منذُ الصغرِ، وفي كافةِ مراحلِ حياتِه.

والحديثُ هنا سيتركّزُ على الأُسرةِ بدايةً؛ ويَتبَعُها _بإذنِ اللهِ تعالى_ الحديثُ عن  المدرسةِ والجامعةِ والمسجدِ، وغيرِها من المؤسساتِ التي ترعَى وتؤسِّسُ للجيلِ الواعدِ.

التربيةُ الأمنيةُ في الأُسرةِ: تبدأُ من السنواتِ الأولى للطفلِ، ولا نبالغُ في هذا الأمرِ؛ لأنّ الطفلَ يستطيعُ أنْ يَميزَ بعضَ الأمورِ في بداياتِ حياتِه؛ فهو يعرفُ أُمَّه جيداً، ويعي شخصيةَ الوالدِ وإخوتِه وأصحابِه الصغارِ، ويبدأُ يدركُ ما حولَه من مخاطرَ تؤذيهِ؛ لذا ما المانعُ أنْ نؤسِّسَ في التربيةِ الأُسريةِ عندَ الطفلِ بعضَ المفاهيمِ الأمنيةِ الأساسيةِ؟ فمثلاً ما المانعُ أنْ يدركَ الطفلُ مَن هو عدوُّه الرئيسُ، الذي يتمثلُ بالعدوِّ الصهيونيِّ ؟.

فإذا عرفْنا  أنّ الطفلَ الصهيونيَّ _منذُ بدايةِ تمييزِه للدنيا_؛ يُعلِّمُه الصهاينةُ أنّ العربَ هم العدوُّ الرئيسُ له، وكيف يتخلصُ منهم بالقتلِ! حيثُ إنّ أولَ هتافٍ يتعلَّمُه الطفلُ الصهيونيُّ، ويتربّى عليه؛ هو (مافت لعربيم ) أي الموتُ للعربِ!، بل يصلُ بهم الأمرُ إلى تدريبِه على السلاحِ في سنٍّ مبكرةٍ، ، فإذا علِمنا كلَّ هذه التربيةِ الصهيونيةِ الحاقدةِ؛  كان لِزاماً علينا أنْ ندركَ الخطرَ الذي يُحدِقُ بنا.

لا بدّ أنْ يدركَ الطفلُ الفلسطينيّ في سنِّ الثالثةِ من عُمرِه مثلاً؛ أنّ الصهاينةَ قد احتلوا أرضَه ومقدّساتِه، وأنهم العدوُّ، ويجبُ الحذرُ منهم؛ فنحن عندئذٍ نزرعُ البذرةَ الأولى لتوجُّهاتِ الطفلِ الفلسطينيّ نحوَ هذا الكيانِ المَسخِ،  وكيفيةَ التعاملِ معه.

كما أنّ للأسرةِ بعدَ ذلكَ دوراً مُهمّاً في تنشئةِ الطفلِ على مبادئ الأمنِ في اختيارِ أصدقائه، وضرورةِ متابعةِ ذلك من قِبلِ الوالدينِ، فمِن غيرِ المعقولِ أنْ يُتركَ الطفلُ ليختارَ من أصدقائه ما يشاءُ؛ دونَ متابعةِ الأسرةِ وتوجيهاتِها، ونحن نَعلمُ جيداً أنّ المرءَ على دِينِ خليلِه؛ فنُوجِّهُ الطفلَ لاختيارِ الصديقِ الصالحِ، وأنْ يَحذرَ من معارفِ السوءِ الذين يؤدّونَ به إلى طريقِ الانحرافِ والضلالِ.

نعم للأسرة الفلسطينية مهمة كبيرة في متابعة ما يتعلق في محاربة الغزو الثقافي والفكري، الذي يستهدف الجيل عبر الفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها، والتي ترتع فيها المخابرات الصهيونية لتصطاد من خلالها فريستها المستهدفة.

كل ذلك يستدعي الدور الهام للأسرة في التربية الأمنية الرشيدة، التي تقوم على الحذر والثقة بالنفس في آن واحد، بحيث لا يقع الطفل أو الشاب والفتاة في أمراض الهوس الأمني والشك المرضي في كل ما هو حوله، ولكن كل شيء له مقدار وأصول، وهذا لا يكون إلا من خلال وعي تدريب وفهم للوظيفة المنوطة بالأسرة في هذا الإطار؛ بحيث تؤدي الأسرة دورها على أكمل وجه.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى