دين ودنيامركز الاستشارات

رد المعروف بطريقة محرجة

أجابَ عن التساؤل الدكتور “عبد الفتاح غانم” رئيسُ لجنةِ الإفتاءِ في جامعةِ الأقصى

ما حُكمُ أنْ تطلبَ شيئاً من شخصٍ بطريقةٍ مُحرِجةٍ، مثلاً أنْ يَرُدَّ معروفاً بشيءٍ مُعيّن؟

لقد حضَّ اللهُ _عزَّ وجلَّ_ في كثيرٍ من الآياتِ على قولِ المعروفِ وفِعلِه، فقال _عزَّ مِن قائلٍ_ في جانبِ القول: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة: 263]، وقال: {فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} [محمد: 20،21].

وأمرَ نبيَّه _عليه السلام_ أنْ يأمرَ بالمعروفِ، كما في قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} الآية [الأعراف: 199]، وجعلَ أمرَه عليه السلام بالمعروفِ من العلاماتِ التي يَعرِفُه بها أهلُ الكتابِ، قال عزّ وجلّ: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} الآية [الأعراف: 157].

ثُم أمرَ المسلمينَ بما أمرَ به نبيهم عليه السلام فقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، وجعلَ الأمرَ به، أو الأمرَ بضِدِّه علامةً فارقةً بين المؤمنين والمنافقين، فقال في حق المؤمنين: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71].

وقال على الطرفِ الآخَرِ في حقِّ المنافقين: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة: 67]، وأخيراً؛ جعلَ الأمرَ بالمعروفِ من علاماتِ خيريةِ هذه الأُمةِ على غيرِها من الأممِ فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

وهذا الذي سبقَ -وغيرُه كثيرٌ- يدلُّ على أهميةِ قولِ المعروفِ وفِعلِه، والمعروفُ كما قال ابن منظور: “هو اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما عُرفَ من طاعةِ اللّهِ والتقرُّبِ إليه، والإحسانِ إلى الناسِ؛ وكلِّ ما ندَبَ إليه الشرعُ ونهَى عنه من المُحَسَّناتِ والمُقَبَّحاتِ، وهو من الصفاتِ الغالبةِ، أَي أَمْر مَعْروف بين الناس إذا رأَوْه لا يُنكرونَه، والمعروفُ النَّصَفةُ وحُسْن الصُّحْبةِ مع الأَهلِ وغيرِهم من الناسِ، والمُنكَرُ ضدُّ ذلك جميعِه”.

فبابُ المعروفِ بين الناسِ واسعٌ جداً، من أهمِّه الكلمةُ الطيبةُ، والتبسُمُ، وإغاثةُ الملهوفِ، وما أشبَه ذلك، وهو لصاحبِه صدقةٌ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: “تبسُمكُ في وجهِ أخيكَ لك صدَقةٌ، وأمرُكَ بالمعروفِ ونهيُكَ عن المنكرِ صدَقةٌ، وإرشادُك الرجلَ في أرضِ الضلالِ لك صدَقةٌ، وبصرُك للرجلِ الرديءِ البصر… لكَ صدقَة، وإماطتُك الحجرَ والشوكةَ والعظمَ عن الطريقِ لك صدَقةٌ، وإفراغُك من دلوِكَ في دلوِ أخيكَ لك صدقةٌ” .

وقد وردَ ثوابُ أعمالٍ بِعَينِها من المعروفِ، فمن ذلك قولُه عليه السلام: “من كان في حاجةِ أخيهِ، كان اللهُ في حاجتِه، ومن فرّجَ عن مسلمٍ كُربةً، فرّجَ اللهُ عنه كُربةً من كرباتِ يومِ القيامة” ومن ألطَفِ ما جاء في نفعِ المعروفِ لصاحبِه في الدنيا؛ قولُه صلّى الله عليه وسلم: “صنائعُ المعروفِ تقي مَصارعَ السوءِ”.

فإنْ أبَى بعضُ الناسِ إلاّ أنْ يُغَلِّبَ سوءَ الظنِّ حتى يجعلَه أصلَ تعامُلِه ونظرتِه للناسِ، وإنْ أصرَّ على أنْ ينظرَ لنِصفِ الكوبِ الفارغِ فحسبْ، فلا أقلَّ من أنْ يحتفظَ بسوءِ ظنِّه لنفسِه، ولا يمنعْ غيرَه من الإقبالِ على فعلِ الخيرِ، كي لا يكونَ من الناهينَ عن المعروفِ، أو القاطعينَ لِما أمرَ اللهُ به أنْ يوصَلَ، عسى أنْ يدخلَ بهذا الكفِّ في حديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: “على كلِّ مسلمٍ صدقةٌ” قيلَ له في آخِرهِ: “فإنْ لم يفعلْ؟ قال: فلْيُمسكْ عن الشرِّ؛ فإنه له صدَقة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى