كتاب الثريا

أكثرهُنَّ بـركـةً

بقلم أ.د. فتحية اللولو

لقد حانَ الوقتُ أنْ نقرعَ ناقوسَ الخطرِ في مجتمعِنا الفلسطينيّ، وننظرَ نظرةً واقعيةً للمشكلاتِ الاجتماعيةِ المُهمةِ؛ التي تعصفُ بمجتمعِ الشبابِ ومستقبلِ الشعبِ، بعدَ حصارٍ دامَ لأكثرَ من تسعِ سنواتٍ، وثلاثِ حروبٍ عدوانيةٍ متواصلةٍ على القطاعِ الصامدِ، وإغلاقٍ وخنْقٍ لكلِّ المنافذِ؛ مما ضيَّقَ من سبُلِ الحياةِ، وفرَصِ الحصولِ على عملٍ , فالأهلُ يبذلونَ كلَّ ما في وُسعِهم لتوفيرِ فرصةِ التعليمِ لأولادهِم؛ حتى يزوِّدوهم بما يساعدُهم على مواجهةِ صعوباتِ وتحدّياتِ الحياةِ، ولكنْ كم تساعدُهم الشهادةُ الجامعيةُ في التنافسِ على وظائفَ محدودةٍ؛ يتقدّم لها الآلافُ؟ , وفُرَصُ العملِ الخاصِّ، والمشاريعِ الصغيرةِ؛ لا تغطّي المصروفاتِ اليوميةَ .

والكثيرُ من الأُسرِ فقدتْ مكانَ سكنِها، وتنتظرُ الإعمارَ والمساعداتِ؛ حتى تستطيعَ أنْ تبدأَ بتدبيرِ حياتِها من جديدٍ… والمشكلةُ واضحةٌ لكثيرٍ من الشبابِ والفتياتِ في سنِّ الزواجِ، والكثيرُ منهم تَجاوزَ الثلاثينَ عاماً، وهم بحاجةٍ ماسّةٍ إلى مَن يساعدُهم، ويساندُهم، ويأخذُ بأيديهِم؛ ليبدأوا حياةً أُسريةً تُحصّنُهم، وتصونُهم، وتساهمُ في استمراريةِ المجتمعِ,ولعلّ السؤالَ المُهِمَّ؛ هل نتركُهم حتى تَمُرَّ سنواتُ عمُرِهم أمامَ أعيُنِنا، ولا يجِدوا مُعيناً ولا مُغيثاً!!.

فأيُّ شابٍّ يفكّرُ بالزواجِ؛ يرى أمامَه كمّاً كبيراً من المشكلاتِ الماليةِ، إذا عثرَ على الفتاةِ المناسبةِ… فالمَهرُ لا يستطيعُ تدبيرَه، و إذا تدبَّرَ المهرُ؛ من أين يستأجرُ بيتاً، ويقومُ بتأثيثِه؟ ومصروفاتُ حفلاتِ الخطوبةِ والزواجِ، وأجرةِ الصالاتِ والفساتينِ والكوافيرِ والمصوّرِ والفيديو، وقالبِ الجاتوه، والضيافةِ المطلوبةِ , لذلك يفكّرُ ألفَ مرّةٍ… ويفكّرُ أهلُه… ويَحملونَ الهمَّ والدَّينَ؛ بدَلاً من أنْ يفرحوا! .

لقد وصلْنا لذلكَ لأننا نفكّرُ بالمظاهرِ الخدّاعةِ؛ أكثرَ من الاهتمامِ بالهدفِ الأساسِ، لاستكمالِ رسالتِنا التربويةِ , ولِبُعدِنا عن سُنّةِ المُصطفى -عليه الصلاةُ والسلامُ- والحديثِ الشريفِ “أقلُهُنَّ مَهراً أكثرُهُنَّ بَرَكةً”.

وحديثُ “إذا جاءكم من ترضَونَ دِينَه وخلُقَه فزوِّجوهُ؛ إلاّ تفعلوا تكُنْ فتنةٌ في الدنيا وفسادٌ كبيرٌ” صدقَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-.

هذه هي المعاييرُ الأساسيةُ للزوجِ “الخلُق والدِّين” حتى يكونَ كُفءً للزوجةِ، فيَحفظُها ويصونُها ولا يظلِمُها , ولأهلِ الزوجةِ ألاّ يبالِغوا في المهرِ، فاللهُ -سبحانه وتعالى- يباركُ بالقليلِ؛ إذا كانت النيّةُ مرتبطةً برِضا اللهِ، وتأسيسِ بيتٍ على تَقوَى اللهِ وطاعتِه , والمهرُ هو حقُّ الزوجةِ، وهديةُ الزوجِ لزوجتِه، بما يُظهِرُ لها تقديرَه وحُبَّه لها، وكي تجهِّزَ نفسَها لتظهرَ في بيتِ الزوجيةِ بصورةٍ لائقةٍ، ولكنْ إذا كان الاهتمامُ أكثرَ بالمظاهرِ والمباهاةِ لإثارةِ الاهتمامِ،

وإثباتِ التميُّزِ والأفضليةِ عن الآخَرينَ، هنا تَدخلُ المشاكلُ والطمعُ والنفسُ التي لا يُرضيها شيءٌ، والحسدُ والحقدُ .
هم أولادُنا ومستقبلُنا… يستحِقونَ مِنّا الوعيَ والفهمَ والتنوُّرَ الحقيقَ في كلِّ الأمورِ، نساعدُهم ونساندُهم بتوعيةِ أولياءِ الأمورِ بوسائلِ الإعلامِ، والمساجدِ، ومؤسساتِ المجتمعِ المدَنيّ؛ حتى يحقِّقوا طموحاتِهم وآمالَهم بالاستقرارِ، ويكونَ الزواجُ بدايةً لحياةٍ ناجحةٍ بعيداً عن الديونِ والمغالاةِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى