ثقافة وفن

الحصارُ الثقافي في تضاعفٍ ورفوفُ المكتباتِ خاليةٌ

تقرير- أمل عيد
منذ سنواتٍ كثيرة، وقطاعُ غزة يعاني من ويلاتِ الحصارِ، التي تفرضُه قواتُ الاحتلال الإسرائيليةِ عليه ، حصارٌ على جميعِ مقوّماتِ الحياةِ دونَ استثناءٍ ، فالدواء والغذاءُ وموادُ البناءِ محاصَرون ، وإنِ استطاعوا أنْ يحاصروا الهواءَ لحاصروهُ! ، فلم يبقَ شيءٌ يحتاجُه أهالي القطاعِ، لم يوضعْ على قائمةِ الحصارِ، حتى الكتابُ حوصرَ ومُنعَ من دخولِ غزة .

مدير عام المعارضِ والمكتباتِ في وزارة الثقافةِ، الدكتور “محمد الشريف” يوضحُ أنه منذُ أنْ فُرضَ الحصارُ المشدّدُ على قطاع غزةَ من عام( 2006)على كلِّ مناحي الحياةِ في غزة، سواءٌ اقتصاديةً أو صحيةً أو ثقافيةً ، دخلتْ الكتبُ في إطارِ الحصارِ، حيث تمَّ منعُ دخولِ الكثيرِ من الكتبِ إليها من أيِّ اتجاهٍ كان، سواءٌ من معبرِ رفح، أو كرم أبو سالم ، ومنعوا دخولَ أيِّ كتابٍ إلى غزةَ إلاّ بعد التنسيقِ للسماحِ بدخولِ بعضِ الكتبِ المطلوبةِ في الدخولِ، وذلك بعد تفتيشٍ عميقٍ ودقيقٍ داخلَ الكتبِ نفسِها؛ تخوّفاً من وجود كتبٍ أو أشياءٍ تخالفُ المسموحَ دخولُه .

ويقول :”أيُّ كتابٍ يخالفُ العقيدةَ والسياسةَ الإسرائيليةَ، ويخالفُ اتجاهاتِهم وأراءَهم ، والكتبُ التي تتحدثُ عن القضيةِ الفلسطينيةِ بجميعِ اتجاهاتِها ، وخاصة كتبَ المقاومةِ، والتي تدعمُ الفلسطينيينَ، يُمنعُ دخولُها منعاً باتاً إلى غزة ، ولكنْ تسمحُ بدخولِ الكتبِ الدينيةِ، وكتبِ المعارفِ العامةِ والرواياتِ والشعر “.

نقصٌ حادٌّ

ويبيّن دكتور “الشريف” أنّ لهذا الحصار آثارٌ سلبيةٌ على القطاعِ الثقافي، وعلى المثقفينَ وأصحابِ المكاتبِ ورسائلِ الماجستير، حيث أنهم دائماً يشتكونَ من نقصٍ حادٍّ في بعضِ الكتبِ الذي يحتاجونَها ولا يجدونَها ، وخاصةً عندما وصلَ الحصارُ إلى ذروتِه في عامي( 2013 و2014 )ما منعَ وزارةَ الثقافةِ من تنظيمِ معرضِ الكتابِ الدولي في موعدِه، وذلك بسببِ الأوضاعِ الداخليةِ التي شهدتْها “مصر”، وما تبعَها من إغلاقِ معبر رفح، وعدمِ السماحِ لدُورِ النشرِ العربيةِ والأجنبيةِ من الدخولِ إلى المدينةِ للمشاركةِ في المعرض .

وبالرغمِ من هذا؛ فإنّ وزارةَ الثقافةِ قد نجحتْ في تنظيمِ معرضٍ دوليٍّ للكتابِ عامَ(2011 ) ورفعِ شعارِ “فلسطين تقرأُ رغمَ الحصار” بعد تأخُرٍ دامَ تسعَ سنواتٍ، نتيجةً لعدّةِ معوّقاتٍ، واقتصرَ الحضورُ حينها على نحوِ ثلاثينَ مشاركةً عربيةً، من أصلِ مائةِ دارِ نشرٍ عربيةٍ، كان من المقرّرِ أنْ تحضرَ المعرِضَ، في حين لم يحظَ المعرضُ بأيِّ مشاركةٍ دوليةٍ نتيجةً للحصارِ الإسرائيلي.

ويشيرُ إلى أنّ آخِرَ معرضٍ للكتابِ نُظّمَ في غزة، كان بتاريخِ( 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2012 )واستمرَّ لعشرةِ أيام، واحتوى على نحو( 400 )ألفِ كتابٍ، وشارك فيه سبعون دارَ نشرٍ عربيةً من( مصر ولبنان والكويت والسعودية)، و(15 ) مكتبةً وداراً محليةً في فلسطين، إضافةً إلى حضورِ نخبةٍ كبيرةٍ من الأدباءِ والكتّابِ والمفكّرينَ والمثقفينَ الفلسطينيينَ والعرب.

ويضيفُ: إنّ الحصارَ المستمرَ على القطاعِ من جميعِ الجهاتِ؛ منعَ البعثاتِ الثقافيةَ المتبادلةَ بين الدولِ العربيةِ وغزةَ، ومن مشاركةِ المكتباتِ الغزيةِ في المعارضِ الخارجيةِ العربيةِ والأجنبية.

ويلفتُ إلى أنّ الحصارَ على الكتابِ ومعوّقاتِ دخولِه في هذه الفترةِ؛ قد تضاعفتْ بعد العدوانِ الصهيوني الأخيرِ على غزةَ ، ما أثّرَ على نسبةِ إقبالِ المواطنين على القراءةِ، وشراءِ الكتبِ، وذلك بسببِ الوضعِ الاقتصادي العام في القطاعِ .

حملةٌ لتجديدِ المكتباتِ

ويرى الدكتور “الشريف” أنّ الهدفَ الأساسَ خلفَ حصارِ الكتبِ؛ هو تضييقُ الخناقِ على الشعبِ الفلسطيني في كلِّ مناحي الحياةِ، وخاصةً على المثقفِ، وذلك لأنه لا يستطيعُ أنْ يعيشَ دون كتابٍ ، وتجهيلُ الشعبِ وإبعادُه عن كلِّ ما هو جديدٌ ، فقطاعُ غزة امتنعَ عن كل الكتبِ الجديدةِ، والتي تحتوي على كنوزٍ كبيرةٍ من العلمِ والمعرفةِ ، وعزلُه عن باقي العالمِ… فالاحتلالُ يعلمُ أنّ القراءةَ والتعرُّفَ على ثقافاتِ باقي الشعوبِ والدولِ؛ تجعلُ الفلسطينيينَ أكثرَ ثقافةً وقوةً .

ويؤكّدُ أنّ الاحتلالَ فشلَ في تحقيقِ أهدافِه؛ وذلك لأنّ أبناءَ شعبِنا الفلسطيني؛ دائماً يسعونَ إلى تحقيقِ أعلى المراتبِ، والحصولِ على أعلى الدرجاتِ العلمية ، فشعبُنا مليءٌ بالمثقفينَ والكتّابِ والشعراءِ القادرين على تحدّي هذا الحصارِ الثقافيّ المفروضِ عليهم، وعلى كل المواطنين .

ويوضّح “الشريف” أنّ وزارةَ الثقافةِ لم تقفْ مكتوفةَ الأيدي أمام هذا الحصارِ، وأنها بحثتْ عن البدائلِ والحلولِ، وكان من ضمنِها حملةُ تجديدِ مكتباتِ غزة، والتي من خلالها تمَّ التواصلُ مع العديدِ من المؤسساتِ؛ لتنظيمِها وتوفيرِ الكتبِ الجديدةِ، والتي تنقصُ القطاعَ عن طريقِها ووضعِها في المكتباتِ العامة ، وأمّا البديلُ الآخَرُ هو إعدادُ مكتبةٍ الكترونيةٍ تحتوي على نسخةٍ الكترونيةٍ من كل الكتبِ، سواءٌ سياسيةً أو اجتماعيةً أو ثقافيةً أو دينيةً، وتواصلتْ الثقافةُ مع موقعِ الفارسِ الإلكترونيّ؛ للتعاقدِ معه من أجلِ توفيرِ كل ما يحتاجُه الموقعُ من كتبٍ .

نقصٌ ببعضِ المتطلبات

من جهةٍ أخرى تعاني مكتبة “اليازجي” من سوءِ استيرادِ وتصديرِ الكتبِ في غزةَ، وعمليةِ الشراءِ عليها، حيثُ أنّ هناك نسبةُ إقبالٍ ضئيلةٌ جداً على القراءةِ، وشراءِ الكتبِ، والاطلاعِ على كل ما هو جديدٌ، حيث يوضحُ “حاتم اليازجي” أنّ حركةَ المعابرِ، والحصارَ المشدّدَ على غزةَ؛ أثّرَ بشكلٍ سلبي على نسبةِ استيرادِ الكتبِ من الخارجِ، في ظلِّ ارتفاعِ أسعارِها، والإغلاقِ المتكررِ لمعبرِ “كرم أبو سالم”، والذي من خلالِه يتمُ إدخالُ الكتب .

ويستنكرُ الحصارَ المفروضَ على غزةَ؛ من قبلِ قواتِ الاحتلالِ الإسرائيليةِ، حيث يوضحُ أنّ الكتبَ لم تَسلمْ من الحصارِ؛ بسببِ تأخيرِ دخولِها، وحجزِ بعضِها ، مما أدّى إلى نقصٍ حادٍّ في متطلباتِ طلابِ الدراساتِ العليا ، والباحثين .

وينوّهُ إلى أنّ مكتبتَهم _وبرغم كل القيود التي تواجهُها حركةُ الكتاب والقراءة في غزة_ قد نجحتْ في المشاركةِ في معرضِ الشارقةِ الدولي للكتابِ ، ويوضّحُ أنّ هذه المشاركةَ شَكلٌ من أشكالِ تحدّي الحصارِ .

ويطالبُ “اليازجي” المؤسساتِ العربيةَ والدوليةَ؛ التي تُعنى بالثقافةِ ونشرِ العلمِ والمعرفةِ، ومنظمةَ الأممِ المتحدةِ للتربيةِ والعلومِ والثقافةِ (اليونسكو)، بالضغطِ على الاحتلالِ لرفعِ القيودِ المشدّدةِ على نشاطِ المكتباتِ، والكتبِ في غزة، وعملِ كلِّ ما بوسعِهم للسماحِ باستيرادِ الكتبِ إلى غزةَ، وتصديرِها أيضاً، مبيّناً أنّ الاحتلالَ يمنعُ بشكلٍ مطلَقٍ تصديرَ أيِّ كتابٍ من داخلِ غزةَ، منذُ العامِ( 2007).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى