كما تدين تدان…عامل والديك كما تحب أن تُعامل من أبنائك

تحقيق : أنوار هنية
كانوا يرقبونهم بعيونِهم، يتتبعونَ أحلامَهم، تسهرُ الأمُّ ويكُدُّ الأبُ، فيصبحون رجالاً ونساء، وحينما يغزو الشيبُ شعرَ والديهِم، وتشقُّ التجاعيدُ طريقَها إلى وجوههم، تمرُّ الساعاتُ بانتظارِ أبنائهم، ومنهم من يحفظُ حقَّهم عن ظهرِ قلب، فلا يهنأ حتى يهنأون، ومنهم أشغلتْهُ الحياة، فيحبسُ الوالدان صرخاتِ اشتياقِهم التي عايشتْ “الثريا” جزءاً منها، فأيُّ مشاغلَ تلهينا عن البرِّ بوالدِينا، ولماذا يقاتلُ الأخُ أخاهُ؛ ليقتسمَ نفقةَ والديهِ، بينما ينفقُ على أبنائه وزوجتِه ما لا يُعَدُّ ولا يُحصى، ومَن أولَى بالإنفاقِ؟ هل الأبناءُ أو الآباءُ؟ وهل الرعايةُ تقتصرُ على بضعِ نقودٍ تُلقَى لهم، أَم أنها رعايةٌ جسديةٌ ومعنويةٌ ومادية؟ وأين نحن من قولِ اللهِ عزَّ و جلَّ “إمّا يبلُغنَّ عندَكَ الكِبرَ أحدُهما أو كلاهما فلا تقُلْ لهما أُفٍّ ولا تنهرْهُما”؟
في مكانٍ ما كانت تجلسُ “أم أحمد”، التي خرجتْ هي وزوجُها من الدنيا بابنِها الوحيد، فقد كان لصمتِها حكايةٌ، حيث تزوجَ ابنُها واستقرَّ في بيتٍ بعيد، وتجلسُ الأمُّ تنتظرُ قدومَ ابنِها لزيارتهم، في ساحة بيتِها تنظرُ إلى قرصِ الشمسِ، وهو يغطسُ في الأفقِ، لينقضيَ يومٌ من حياتها التي بلغتْ الخامسةَ والخمسينَ، تنتظرُ بفارغِ الصبر، وتواسي نفسَها في محادثتِه عبرَ الجوالِ؛ الذي قدّمه لها، بينما يحاولُ زوجُها القعيدُ _الذي تقومُ هي على حاجتِه_ التخفيفَ عنها ومواساتَها، في حديثِها “للسعادة” تقول “أم أحمد” (لا أريدُ من ابني شيئاً سوى رؤيتِه، فيحترقُ قلبي كلما طال غيابُه، وقد أشغلتْهُ الدنيا عنا، فيمرُّ الأسبوعانِ دونَ أنْ يأتيَ، وحينما يأتي يستسمحني ويقولُ “آخِر مرّة” ثم تعودُ الكَرّة، ومهما فعل، فهو ابني وحيدي الذي خرجتُ به من الدنيا، أسألُ اللهَ أنْ يلينَ قلبه).
ولم تكن تلك معاناةُ “أم أحمد” وحدَها، فقد جلستْ الوالدةُ المسنّة (ح، م) مع جارتها تبثُّ لها همَّها، من أبنائها الأربعةِ الذين يطلُّون عليها كما تقول:”كالقمرِ مرةً في الشهر”، فلا تراهم إلا في المناسباتِ، و العبارةُ التي خرجتْ رغماً عنها: (ربِّيت لله وأعتقت لله)، وغلبتْها دموعُها التي نزلتْ متعرِّجةً مع تجاعيدِ وجهِها وتابعتْ:” يرسلون لنا المالَ، وكأننا نريدُ مالاً، فلا نريدُ سوى رؤيتِهم والأُنسِ بهم، واحتضانِ أطفالِهم”.
كانت تلك بعضٌ من صرخاتِ الأهالي التي خطّتها “الثريا” في صفحاتِها، لتقولَ للأبناءِ أين أنتم من أهلِكم؟ و لتذكِّرَهم بما عليهم من واجباتٍ تُجاهَهم، حيثُ يُطلعُنا عليها د. “ماهر السوسي” والذي يعقِّب بالقول:”برُّ الوالدين من أفضلِ الطاعاتِ عند الله، وعقوقُ الوالدين من أكبرِ الكبائر، ولا ريبَ أنّ الإنسانَ المسلمَ هو أولَى الناسِ ببرِّ والديه، وطاعتِهما،لاسيما إنْ أصبح هو في سِنِّ الرجولة، وقد أصبح والداهُ في سنِّ الشيخوخة، ورعايتُهما خاصةً في الكِبرِ فريضةٌ شرعيةٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة، ولقد قرَنَ اللهُ عقوقَهما بالشركِ به”.
ويعقّب د. السوسي على تركِ الابنِ الوحيدِ لذَويه بالقول:” إذا كان الابنُ وحيدًا لوالديه، وهو يوفّي احتياجاتِ أهلِه، يكونُ أدّى ما عليه، لكن إذا لم يُوفِّ بها يكونُ هذا من العقوقِ، أمّا في حالةِ مرضِ أحدِ الوالدينِ أو كليهما، وتطلَّبَ ذلك وجودُه معهما في نفس البيتِ، فلا يجوزُ شرعاً تركُهما بمفردِهما، بل يُعدُّ ذلك من العقوقِ.
ويبيّن د. السوسي صورَ عقوقِ الوالدين، وذكر منها:”الإساءةُ إلى الوالدينِ وإبكاؤهما، وتحزينُهما بالقولِ أو الفعل، ونهرُهما وزجرُهما، كذلك رفعُ الصوتِ عليهما، والتأففُ من أوامرِهما، والعبوسُ وتقطيبُ الجبينِ أمامهما”.
ويتابع د. السوسي :” كذلك فإنّ النظرَ إليهما شزراً، والأمرَ عليهما، وتركَ الإصغاءِ لحديثهما، وذمَّهما أمام الناس، يعدُّ من العقوقِ، وشتمَهما، وإثارةَ المشكلاتِ أمامهما، إمّا مع الأخوةِ، أو مع الزوجة، وتشويهُ سمعتِهما، كذلك المكوثُ طويلاً خارجَ المنزلِ مع حاجةِ الوالدينِ، وعدمِ إذنِهما للابنِ بالخروج، وتقديمُ طاعةِ الزوجةِ عليهما، والتعدّي عليهما بالضربِ، وتمنّي زوالَهما، بالإضافةِ إلى البخلِ عليهما والمِنّة، وكثرةُ الشكوى والأنينِ منهما، كذلك قتلُهما والعياذُ باللهِ، أو التسبُّبُ في إيذائهِما”.
نفقةٌ واجبةٌ
وفي بيتٍ آخرَ تعالتْ أصواتُ ثلاثة من الأبناءِ، أحدُهم يقول للآخر :”أنت أحسنُ حالاً مني، فأنت موظفٌ تستلمُ راتباً شهرياً، بينما أنا عامل، أسِدُّ جوعَ أبنائي من بطالةٍ هنا أو هناك، فأنتَ من يجبُ أنْ ينفقَ عليهما”، وتدخّلَ الثالث بالقول:”أنا أنفقُ على أبنائي في الجامعةِ، ولا يزيدُ لي شيءٌ من الراتبِ كي أنفقَه على الأهلِ”.
كان ذلك مشهدٌ يتكررُ شهرياً مع حلولِ موعدِ الراتب، تتعالى أصواتُهم، ويحلفُ الوالدُ المسكينُ عليهم بألا يأخذَ شيئاً من أموالهم، لكنّ نحولَ جسدِه وتزايدَ سنيِّ عمرِه، لا تجعلانِه يوفِي بيمينِه، فيضطّر وزوجتُه لأخذِ ما يجمعُه أبناؤهما من بعضِهم بعدَ تلك المشاحناتِ الشهرية، والعبارةُ التي يقولُها الوالدُ بِقَهرٍ يسري في عروقِه:” ليتني لم أعِش لهذا اليومِ الذي أنتظرُ فيه صدقةَ أبنائي”.
كلماتٌ تمزِّقُ الأوصالَ لكل مَن حملَ معنىً للإنسانيةِ في مكنوناتِ قلبه، فقد ضيعَ الأبناءُ حقوقَ آبائهم، لكنّ الشرعَ الحنيفَ حفظَ حقوقَهم، وصانها ويؤكدُ ذلك د. السوسي :”نفقةُ الآباءِ واجبةٌ على الأبناء، وتوزَّعُ على الأبناءِ بحسَبِ مقدرتِهم المالية، لكنْ إذا كان الأبُ غيرَ محتاجٍ للنفقةِ، فلا تكونُ واجبةً، وإلا فقد أثِمَ من لم يدفعْ نفقةً لوالدَيهِ، ولديه المقدرةُ على ذلك، وعُدَّ عاقاً لوالديه”.
وحذّر د. السوسي من عقوبة عقوقِ الوالدينِ، حيث تكونُ في تعجيلٍ في الدنيا، كما تكونُ في الآخرة ، فعن أبي بكر قال : قال رسول الله يقول: (كلُّ الذنوبِ يؤخِّرُ اللهُ منها ما شاءَ إلى يوم القيامةِ؛ إلا عقوقَ الوالدينِ فإنّ اللهَ يعجِّلُه لصاحبِه في الحياةِ قبلَ الممات). وبيَّن النبي “صلى الله عليه وسلم” أنّ دعوةَ الوالدينِ مستجابةٌ فقال: ( ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٌ لهنّ لا شكَّ فيهنَّ : (دعوةُ المظلوم، ودعوةُ المسافر، ودعوةُ الوالدين على ولدِهما )، وعقوقُ الوالدين من أكبرِ الكبائرِ والذنوب: قال تعالى: (ألا أنبئكُم بأكبرِ الكبائرِ ثلاث : قال الإشراكُ بالله وعقوقُ الوالدين وشهادةُ الزور).
ويبيّن د. السوسي أنه يجبُ على الأبناءِ زيارةُ والديهِم، وإنْ لم يحدِّدْ الشرعُ أوقاتٍ معينةً، لأنّ ظروفَ الناسِ مختلفةٌ، وكذلك أوقاتُ فراغِهم، ولكنْ على الأبناء زيارةُ والديهِم بما يرضيهِم، ولا يؤذيهِم.
ثمراتُ البرِّ
وعلى خلافِ ما سبق فإنّ هناك من الأبناءِ من حفظَ حقَّ ذويهِ، وطبّقه فعلاً لا قولاً، فقد كان شرطُ (م، س) الأوحدُ للقَبولِ بالزواجِ أنْ تبقى على خدمةِ والدتِها المُسنّة، وأنْ لا يمنعَها زوجُها من ذلك مهما حدثَ معها، وكانت الموافقةُ من زوجِها الذي رأى فيها الابنةَ الصالحةَ الوفية، في حديثها “للثريا” تقول (م، س):”مهما فعلتُ لوالدتي لن أوفيها حقَّها وهو أقلُّ واجبٍ يمكنُ أنْ أقدِّمَه لها، فكانت تحرمُ نفسَها لتعطينا، وتمنعُ عن فمِها لتطعمَنا، فكيف نردُّ لها الجميل، ولا يوجدُ لها سواي في هذه الدنيا ،فقد سافر أخي لإكمالِ دراستِه في بريطانيا، وتزوجَ واستقرَّ هناك، وكذلك أختي التي تزوجتْ في السعودية، وأرى ثمراتِ برِّي بوالدتي كما أرى الشمسَ، في تيسيرِ أمورِنا حياتِنا وراحةِ بالِنا”.
قد يكونُ للعلمِ والمنطقِ حساباتٌ لا يمكنُ تجاهلُها، لكنْ لإرادةِ الله عزّ وجلّ حساباتٍ أخرى؛ تفوقُ قدراتِ العقلِ والمنطق، ولبرِّ الوالدين ثمراتٌ عظيمةٌ لا يشعرُ بها الكثيرون، فقد أجمعَ الأطباءُ على عدمِ قدرةِ (ح، م) على الإنجابِ، والتي لم تكنْ ترفضُ أمراً لوالدَيها، وبعد انتقالِها إلى بيت الزوجيةِ، ما زالت تقومُ على رعايتهما، ولم يمنعْها زوجُها، بل كانت تتلقّى مساندتَه الدائمة ، وما كان يردِّدُه الوالدان (اللهمَّ أقر أعينَهم بالذريةِ الصالحة)، وكما تقول (ح، م) للسعادة :”أولُ ما قاله زوجي حينما سمعَ نبأَ الحملِ( إنها ثمراتُ رضا الوالدَين).
وأمّا محمد(35 عاماً) والذي أَبَى إلا أنْ يَسكُنَ والداه في بيتهِ، بعدما تركهم أخواهُ وزوجاتهم، فقال لوالدَيه :”بيتي هو بيتُكم ونحن ضيوفٌ لديكم”، فما زال يقومُ على رعايتهما، ويلبي احتياجاتهما، وكذا زوجتُه التي ترعاهما، وأبنائها الذين يلتفونَ حولهما بمحبةٍ وحنانٍ، محمد الذي يُقَبِّلُ يدي والدَيه كلما دخلَ البيتَ أو خرج منه، و يطربُ قلبُه فرحًا لدى سماعِه لدعواتِ والدَيه (الله يسهّل عليك ويرزُقك) كان عليه كثيرٌ من الديونِ كما يقول للسعادة، ويتابع (لكنْ منذُ قدومِ والدي عندنا في البيتِ؛ حلّتْ علينا بركةٌ لا تقاسُ بمقياسٍ مادي، وأصبحتُ أدَّخرُ من راتبي الذي كنتُ أصرفُه بالكامل، ويَسَّر اللهُ لي سدادَ ديوني، وصلحَ حالُ أبنائي كثيرًا، فإنها نعمةُ برِّ الوالدين، أمدَّ اللهُ في عمرِهما”.
كما تَدينُ تُدانُ
لقد فهمَ البعضُ ما عليهم من واجباتٍ، فبرُّوا بوالديهم، فكان لذلك ثمراتٌ عايشوها بتفاصيلها، فكان الجزاءُ من جنسِ العمل، وهي قاعدةٌ شرعيةٌ عايشتها (س، م) 35 عاماً، لكنها على خلافِ من سبقتْهم ، فقد كانت ترقبُ طفلَها ذا الستِ سنوات، يرسمُ بيتاً بغرفِه الكبيرةِ والصغيرةِ منها، فسألتْه والدتُه:” ماذا ترسمُ؟”، فقال لها باسماً :” أرسمُ بيتيَ في المستقبل”، ففرحتْ الأمُّ بابنها الصغيرِ؛ الذي بات يحلمُ بمستقبلِه، وسألتْه ضاحكةً:” وأيُّ الغرفِ ستكونُ لي؟ فقال لها ببراءةٍ صعقتْها :” لن تسكنينَ في بيتنا ،فجَدتي لا تسكنُ في بيتنا، ألم تقولي لأبي إمّا أنا في البيت أو والدتك، وأنا كذلك سأعيشُ مع زوجتي”، فلم تتمالكْ دموعَها التي تحرقُ وجنتيها، هي ذاتُها الدموعُ التي ذرفتْها والدةُ زوجِها، حينما قرّرَ أنْ ينفصلَ ابنُها عنها برِضا جميعِ الأطرافِ- كما تقول الزوجة- وما قاله لوالدته:” لا أريدُ أنْ تكوني غاضبةً عليَّ، لكن ذلك أفضلَ لنا، وسنزورُكِ جميعاً كلما سنحتْ لي ظروفُ عملي”.
لم تكنْ تعلمُ تلك الأمُّ أنّ الحياةَ (كما تدينُ تدان)، فقد كانت تسمعُها بين الفينةِ والأخرى، لكنّ ما حدثَ معها جعلها تعيشُ تلك العبارةَ واقعاً لا سمعاً.
آثارٌ نفسيةٌ و اجتماعيةٌ
لإهمالِ الأبناءِ للآباءِ تأثيرٌ كبيرٌ على كافة الأصعدة، ومن بينها الجانبُ النفسيّ والاجتماعيّ؛ سواءٌ كان الإهمالُ بسبب الجامعةِ أو الوظيفةِ أو الزواجِ، وعلى ذلك يعقّبُ” نور الدين محيسن” الأخصائي النفسي والاجتماعي في جمعية الدعمِ النفسيّ الاجتماعي بالقول :” إنّ مجتمعاتِنا العربيةَ بصفةٍ عامة لدى أبنائها مسئوليةٌ أخلاقيةٌ وإنسانيةٌ تُجاه آبائهم ، ولكن ذلك لا يمنعُ أنْ يكونَ هناك شيءٌ من العزلةِ، خلقتْها تعقيداتُ الحياةِ بسبب الخروجِ للتعليمِ في الخارج، أو انفصالُ الابن عن الأسرةِ عند الزواج ، وهذا لديه تأثيرٌ كبيرٌ على الآباءِ، حيث يشعروا بالوحدةِ، وأنّ مُهمتَهم في الحياة قد انتهتْ، عند ذلك وربما ينتهي بهم الأمرُ إلى دارِ المُسنّين، وهذا يتركُ أثاراً نفسيةً عميقةً عند الآباء ، وهنالك تأثيراتٌ ماديةٌ على الآباءِ، حيث يصبحون غيرَ قادرينَ على العمل في أغلبِ الحالاتِن وبذلك لا يوجدُ مُعيلٌ لهؤلاء الآباءِ ، وأيضاً من ناحيةٍ صحيةٍ يتأثرُ الآباءُ في معظم الحالاتِ بفقدانِ أبنائهم، حيث يشعرون بالإهمالِ الصحي ، ومن ناحيةٍ اجتماعيةٍ يشعرُ الآباءُ بأنّ تربيتَهم ربما ذهبتْ هباءً، وهذا يعملُ على تثبيطِ الآباءِ معنوياً .
أمّا عن دور الأبناءِ إزاءَ ذلك؛ فيؤكد “محيسن” أنه عليهم تحمُّلُ المسئوليةِ الكاملةِ تُجاه آبائهم، بالبرِّ وتوفيرِ كلِّ متطلباتِ آبائهم ، وهذا ربما يرجعُ إلى طبيعةِ التنشئةِ الاجتماعيةِ، فكلما كانت التربيةُ صحيحةً وقائمةً على الحبِّ والعطفِ والمودةِ والاحترامِ بين الآباءِ وأبنائهم، كان الأبناءُ بارِّين بآبائهم ، وعلى الأبناءِ أنْ يعرفوا أنّ آباءَهم في مراحلِ العمرِ المتقدمةِ؛ هم أكثرُ حاجةً إلى أبنائهم للعنايةِ بهم بسببِ الكِبَرِ ، فعلى الأبناء أنْ يرحموا آباءَهم في الكبرِ، كما تمَّ تربيتُهم في الصغرِ، وذلك لقولِه تعالى : ” وقل ربي ارحمْهُما كما ربَّياني صغيرا “، و يضيفُ محيسن :” مهما كانت الأعمالُ والأشغالُ, فكما أنّ الشخصَ يعطي لنفسِه الوقتَ لكي يقضيَه مع أصحابهِ أو أبنائه أو مشاهدةِ التلفزيون أو النت, فليكنْ هذا الوقتُ مع الآباءِ والأهلِ سوياً، و يستطيعُ الجميعُ فعلَ ذلك؛ إنْ وُجدتْ النوايا الحسنة”.
وعن تأثيرِ تواصلِ الأبناء مع الآباءِ من ناحيةٍ نفسيةٍ؛ سواءٌ على الأبناءِ أو الآباءِ يقول محيسن:” إذا وُجدَ التواصلُ؛ وُجدتْ السعادةُ والسرور، وتكونُ الحياةُ في البيتِ مثلَ خليةِ النحل، والكلُّ يتزودُ بالطاقةِ والسعادة من الآخَرِ، ويكفي للفردِ أو للشخصِ أنْ يقالَ له عند الخروجِ والدخولِ من البيتِ” الله يسهل عليك ويرضى عنك، أو الله يعطيك العافية”.
وفي ختام ما سبق من أهالي استمعنا إليهم و متخصّصين حاورناهم في قضيةِ؛ يتألمُ منها الكثيرُ من الأهالي، يحضرُني قصةُ رجلٍ حَمَلَ أُمَّـهُ في صَحْنِ الكعبة، يطوفُ بها على أكتافِه، وهو في الثلاثين من عُمُرِه سأله ابن عمر ـ رضي الله عنهما: “من هذه المرأة يا عَبْدَ الله ؟ فيقول له”: “إنَّها أُمِّـي ، وإنَّها الحجَّةُ التاسعة”، ويسألُ الرجل ابنَ عمر:” يا ابنَ عمر، يا عَبْدَ الله ، أَتُراني وفّيتُها حقَّها؟ فيقول ابنُ عمر:”والذي بَعَثَ مُحمداً بالحق نبياً ورسولاً، إنَّك ما قُمْتَ بِشيءٍ من حقِّها ولو بِطَلقَةٍ من طَلقاتها فيكَ ساعةَ الولادة” وختاماً فإنّ رسالتي لوالدَي كما هي رسالةُ الكثيرينَ لوالدِيهم (أيها الحبيبان، بأعينِكما رأيتُ الحياة، وعلى أيديكُما أسندتُ ذراعَي لأخطوَ أولى الخطوات، فلا راحةَ لي إلا براحتِكم، ولا هناءَ لي إلا بهنائكِم، وهو عهدُكم بي).